
تتزايد الضغوط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لاتخاذ خطوات أكثر صرامة تعكس مستوى أعلى من المساءلة، في ظل "فضيحة فساد" تُعد "التهديد الأكبر" لحكومته منذ بدء الغزو الروسي، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
وقالت الوكالة في تقرير نُشر، الخميس، إن زيلينسكي أقال الأسبوع الماضي مسؤولين رفيعين، وفرض عقوبات على مقربين منه، بعدما كشف محققون حكوميون عن اختلاس نحو 100 مليون دولار من قطاع الطاقة من خلال رشاوى دفعها متعاقدون.
غير أن هذه الإجراءات لم تُهدّئ العاصفة السياسية، بحسب الوكالة، فبعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب تخللتها انقطاعات متكررة للكهرباء نتيجة القصف الروسي المكثّف، لم يتقبّل الأوكرانيون بسهولة اكتشاف فساد في قطاع الطاقة، وتزايدت الدعوات لإقالة مدير مكتب الرئيس، أندري يرماك، الذي يعتبره كثيرون "نائب الرئيس الفعلي".
وأوضحت الوكالة أن زيلينسكي، ويرماك لم تُوجَّه إليهما أي اتهامات في إطار التحقيق، غير أن معارضي الرئيس، إضافة إلى حلفاء يخشون أن تُضعف الفضيحة الائتلاف البرلماني الحاكم، يرون أن استعادة ثقة الجمهور تتطلّب محاسبة مزيد من المسؤولين رفيعي المستوى.
الحلفاء قلقون
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن أوكرانيا تعاني من الفساد منذ استقلالها، وأن زيلينسكي وصل إلى السلطة على أساس تعهّد بالقضاء على هذه الآفة.
ويشدد منتقدو زيلينسكي على ضرورة تعزيز مصداقية كييف أمام الحلفاء الغربيين، الذين يُعد دعمهم عنصراً أساسياً في مجهود الحرب، وفي أي مفاوضات مستقبلية لإنهاء الصراع.
وقال وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو، الخميس، إن على الاتحاد الأوروبي أن يوقف إرسال الأموال إلى الحكومة الأوكرانية بعد ما تردد عن وجود فساد.
وأضاف للصحافيين في بروكسل قبل اجتماع مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي: "هناك مافيا حرب.. منظومة فاسدة تعمل في أوكرانيا.. وفي ظل وجود ذلك، تريد رئيسة المفوضية الأوروبية إرسال 100 مليار أخرى إلى أوكرانيا بدلاً من وقف المدفوعات والمطالبة بتصفية جميع المسائل المالية فوراً.. هذا جنون".
ونقلت الوكالة عن أناستاسيا رادينا، رئيسة لجنة مكافحة الفساد في البرلمان الأوكراني، عبر "فيسبوك" الأربعاء: "من الصعب جداً تصور أن كل هذا حدث من دون دعم سياسي"، وأضافت أن عدم قطع زيلينسكي علاقته بيرماك "يُفاقم الأزمة الداخلية".
كما نقلت عن مسؤولين في مكتب الرئيس، تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما، قولهما إن زيلينسكي لم يتخذ أي قرار بشأن إقالة يرماك.
ألف ساعة من تسجيلات التنصت
وذكرت الوكالة أن التحقيق الذي أجرته أجهزة مكافحة الفساد في كييف كشف تورّط مسؤولين رفيعي المستوى في ممارسة ضغوط على متعاقدين لدفع رشاوى بنسبة تصل إلى 15% مقابل الحصول على عقود إنشاءات مع شركة الطاقة النووية المملوكة للدولة Energoatom.
وتضمّن التحقيق أكثر من ألف ساعة من تسجيلات التنصت على أفراد استخدموا أسماءً حركية ولغة مشفّرة لمناقشة تفاصيل المخطط، وفي بعض المحادثات، ورد ذكر شخصية نافذة تحت الاسم الحركي "علي بابا"، دون الكشف عن هويتها.
وبعد إعلان تفاصيل القضية، صوّت البرلمان الأوكراني على إقالة وزيرَي الطاقة والعدل، فيما فرض مكتب الرئيس عقوبات على مقربين ضالعين في القضية، من بينهم تيمور مينديتش، الشريك في ملكية شركة الإنتاج الإعلامي التي أسّسها زيلينسكي.
وتزامنت "الفضيحة" مع موجة ضربات جوية روسية حرمت ملايين الأوكرانيين من الكهرباء، ما فاقم الغضب الشعبي. وفي وقت سابق من هذا العام، تعرّض زيلينسكي لانتقادات بسبب محاولته إضعاف الهيئات الرقابية التي تتولى قيادة التحقيق.
وأشارت الوكالة إلى أن معارضي الرئيس الأوكراني يرون أنه من غير المعقول أن تجري عملية فساد بهذا الحجم من دون عِلم يرماك، المستشار الذي يهيمن على الحياة السياسية الأوكرانية منذ ست سنوات.
ولم يُدلِ يرماك بأي تعليق علني على الدعوات المطالِبة باستقالته، غير أن الوكالة قالت إنه يسعى لتعزيز نفوذه داخل الحكومة.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن مسؤول مقرّب من فاليري زالوجني، القائد السابق للجيش وسفير أوكرانيا الحالي لدى المملكة المتحدة، قوله إن يرماك حاول ترتيب لقاء مع زالوجني، إلا أن الطلب قوبل بالرفض، ولم يرد المتحدث باسم يرماك على طلبات الوكالة الحصول على تعليق.
ضغوط سياسية متصاعدة
ونقلت الوكالة عن النائب أولكسندر ميريجكو، عضو حزب الرئيس، قوله إن الكثير من حلفاء زيلينسكي يفضّلون استقالة يرماك، وأضاف: "الكتلة والبرلمان لا يريدان تحمّل مسؤولية الفساد".
وأشار النائب ميكيتا بورتوراييف، أحد أبرز نواب حزب زيلينسكي، أن نحو 30 نائباً يعملون على تشكيل ائتلاف "الاستقرار الوطني" القائم على الوحدة بدلاً من المصالح السياسية والاتفاقات الخلفية.
لكن رئيس الحزب، ديفيد أراخاميا، قال إن تصريحات بورتوراييف لا تعبّر عن الموقف الرسمي للحزب، ومن جانبه، أكد رئيس البرلمان، روسلان ستيفانتشوك، أن النواب يجرون مشاورات حول الخطوات المقبلة.
شخصية نافذة
وذكرت الوكالة أن يرماك تعرّف إلى زيلينسكي قبل أكثر من 15 عاماً، حين كان محامياً يسعى لدخول مجال الإنتاج التلفزيوني، بينما كان زيلينسكي ممثلاً كوميدياً شهيراً.
ووفقاً لـ"أسوشيتد برس"، يلعب يرماك دوراً محورياً في إدارة علاقات أوكرانيا مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وفي إعداد السيناريوهات المحتملة لوقف إطلاق النار مع روسيا.
وكان يرماك قد أشرف على ملفات السياسة الخارجية ضمن فريق زيلينسكي الأول، ثم عُيّن مديراً لمكتب الرئيس في فبراير 2020.
ومنذ الغزو الروسي في فبراير 2022، رافق يرماك، زيلينسكي، في جميع رحلاته الخارجية، بينما عززت الثقة الشخصية التي يمنحها له الرئيس مكانته داخل السلطة إلى درجة جعلت نفوذه يبدو "شبه مطلق"، بحسب الوكالة.
وعلى المستوى الداخلي، يصف مسؤولون يرماك بأنه "حارس بوابة" الرئيس، ويُعتقد على نطاق واسع أنه اختار معظم كبار مسؤولي الحكومة، بما في ذلك رؤساء الوزراء والوزراء.
ولفتت الوكالة إلى أن عدداً من الأشخاص المرتبطين بيرماك وبمكتب الرئيس خضعوا لتحقيقات سابقة، وغادر اثنان من نوابه السابقين، هما أوليج تاتاروف وروستيسلاف شارما، الحكومة عام 2024 تحت ضغط، بعد تحقيقات رقابية تتعلق بمخالفات مالية، إلا أن أندري سميرنوف، نائب ثالث، بقي ضمن فريقه رغم خضوعه لتحقيقات تتعلق برشاوى ومخالفات أخرى.










