لماذا تزور كامالا هاريس دولتين آسيويتين زارهما وزير الدفاع الأميركي؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس خلال زيارتها نصباً للسيناتور الأميركي الراحل جون ماكين في هانوي الذي أُسِر بعد إسقاط مقاتلته أثناء حرب فيتنام - 25 أغسطس 2021. - REUTERS
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس خلال زيارتها نصباً للسيناتور الأميركي الراحل جون ماكين في هانوي الذي أُسِر بعد إسقاط مقاتلته أثناء حرب فيتنام - 25 أغسطس 2021. - REUTERS
دبي – الشرق

اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" أن زيارة نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس إلى سنغافورة وفيتنام لا تخفي ضعفاً في سياسة الرئيس جو بايدن إزاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تميل بشكل متزايد إلى دائرة النفوذ الصيني، نتيجة تركيزها على التعاون الاقتصادي.

وتساءلت المجلة في مقال صاغته سوزانا باتون، الباحثة في مركز دراسات الولايات المتحدة بجامعة سيدني، وآشلي تاونسند، مدير برنامج السياسة الخارجية والدفاع في المركز ذاته، عن سبب زيارة هاريس إلى بلدين آسيويين زارهما وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في يوليو الماضي.

وأشارت المجلة إلى أن مراقبين للشؤون الآسيوية أصيبوا بحيرة بعد إعلان البيت الأبيض عن زيارة هاريس إلى سنغافورة وفيتنام. وأضافت أن الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، تساءلت عن سبب اختيار الدولتين.

وقالت المجلة إن الإجابة تكمن في رغبة إدارة بايدن في تجنّب الأخطار، ليس فقط لتسهيل الأمور على هاريس، التي لديها خبرة ضئيلة نسبياً في السياسة الخارجية، بل أيضاً نتيجة نقاط ضعف أساسية في نهجها إزاء آسيا.

وذكرت "فورين بوليسي" أن الإدارة الأميركية لم تُقدّم سياسة جدية بالنسبة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، أو استراتيجية اقتصادية فعالة للمنطقة، على الرغم من حديثها عن التنافس الاستراتيجي مع الصين.

وكانت واشنطن ستُضطر إلى بذل مزيد من الجهد، لتأمين ترحيب حارّ لهاريس، لو زارت دولاً أخرى غير اللتين زارهما أوستن، إذ تشكّل سنغافورة وفيتنام خياراً آمناً بالنسبة لنائبة الرئيس، التي لديها "خبرة محدودة في منطقة مليئة بأخطار وتحديات محتملة".

"دهاء" سنغافورة

المجلة اعتبرت أن سنغافورة هي الدولة الوحيدة في جنوب شرقي آسيا التي تُتيح وجوداً عسكرياً يُعتدّ به للولايات المتحدة، موضحة أن قادتها هم "الاستراتيجيون الأكثر دهاءً في المنطقة"، إذ يدركون أن الانتشار العسكري الأميركي ضروري للحفاظ على استقلالهم الاستراتيجي والتوازن الإقليمي، ما يجعل سنغافورة حريصة على بذل جهد لإشراك الولايات المتحدة في المنطقة.

ومنذ انتخاب رودريجو دوتيرتي رئيساً للفلبين، عام 2016، في تطوّر مسّ التحالف بين مانيلا وواشنطن، كانت فيتنام الدولة الأكثر استعداداً في المنطقة لتحدي الصين علناً، إذ تعتبر الولايات المتحدة جزءاً أساسياً من التوازن الاستراتيجي وجهودها لردع بكين.

ورغم أن العلاقات العسكرية بين واشنطن وهانوي لا تزال محدودة، كما أن حرب فيتنام لا تزال تطغى على علاقاتهما، يتيح انعدام الثقة العميق لفيتنام بالصين، أساساً منطقياً قوياً لتعزيز علاقاتها بالولايات المتحدة.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن سنغافورة وفيتنام تعتبران وجود الولايات المتحدة في المنطقة أمراً حيوياً لأمنهما مستقبلاً، لافتة إلى أن الرأي العام في البلدين لا يشكّل قيوداً كثيرة.

ورأت أن هذه الأجواء الإيجابية لم تكن لتحدث في دولة أخرى بجنوب شرقي آسيا، إذ نجح أوستن، خلال زيارته مانيلا، في الحفاظ على "اتفاق القوات الزائرة" الذي يُمكّن الجيش الأميركي من إدارة قواعد عسكرية في الفلبين، ولكن يُستبعد إحراز مزيد من التقدّم خلال حكم دوتيرتي، مثل التنفيذ الكامل لـ"اتفاق التعاون الدفاعي المعزّز"، المُبرم عام 2014، ويستهدف توسيع الوجود العسكري الأميركي في الفلبين.

تردّد إندونيسيا وتايلاند

المجلة رأت أن زيارة هاريس لإندونيسيا وتايلاند كانت ستكون أكثر صعوبة، إذ إن إحجام تايلاند عن دعم الأهداف الاستراتيجية الأميركية المتعلّقة بالصين، يعني أن إدارة بايدن لا تتوقّع الكثير منها، على الرغم من تصنيفها "حليفاً أساسياً من خارج حلف شمال الأطلسي (ناتو)".

وتتمتع إندونيسيا بثقل، كما أن دورها الإقليمي والاستراتيجي قوي، لكنها تركّز جهودها على الداخل، ولا تزال حذرة بشأن تحدي الصين صراحة، كما أن أيّ تقدّم في العلاقات الأمنية لواشنطن معها، سيكون تدريجياً.

ومع ذلك، لا تستطيع الولايات المتحدة تحقيق هدفها، المتمثّل في الحفاظ على توازن قوى مواتٍ في منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، من دون الانخراط بشكل أعمق في كل أنحاء جنوب شرقي آسيا، وليس فقط مع عدد ضئيل من العواصم الصديقة لواشنطن، لا سيّما أن المنطقة تشهد تنافساً شديداً على النفوذ بين الولايات المتحدة والصين.

ويبدو أن مساعدي بايدن في الشؤون الآسيوية يدركون ذلك، إذ أقرّ كورت كامبل، منسّق منطقة المحيطين الهندي والهادئ في البيت الأبيض، بأن على الولايات المتحدة أن تفعل المزيد في جنوب شرقي آسيا.

استراتيجية اقتصادية إقليمية

ولكن ثمة إشارات مقلقة إلى أن إدارة بايدن تقلّل بشكل عام من إلحاح ما هو مطلوب لكبح النفوذ الصيني المتزايد بسرعة في المنطقة، ونطاقه، وحدّد بايدن التنافس مع الصين وروسيا بوصفه مسألة جوهرية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن تركيزه الأساسي ينصبّ على تعزيز قوتها في الداخل، من خلال مبادرات اقتصادية وتكنولوجية محلية، وعلى الصعيد الدولي، ركّز على بناء تحالف عالمي واسع، لا سيّما مع الحلفاء التقليديين في أوروبا، كما ذكرت المجلة.

واعتبرت أن هذا النهج يعني أن الإدارة تتجاهل الملفات الملحة في المحيطين، الهندي والهادئ، في وقت تميل منطقة جنوب شرقي آسيا إلى دائرة النفوذ الاقتصادي للصين.

ونبّهت إلى تقويض متزايد محتمل لنفوذ واشنطن، من دون انتهاجها استراتيجية اقتصادية للمنطقة، إذ إن فريق بايدن لا يحاول حتى العودة إلى أحد المكوّنات الرئيسة لنهج التحوّل إلى آسيا، الذي اعتمده الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويتمثّل في استراتيجية اقتصادية إقليمية لموازنة النفوذ المتنامي للصين.

رخاء مشترك

وفي منطقة تميل إلى تقدير التعاون الاقتصادي، أكثر من العلاقات الأمنية، فإن غياب جدول أعمال للرخاء المشترك يصعّب على واشنطن التعامل مع جنوب شرقي آسيا بطريقة إيجابية، وليس فقط في إطار التنافس الاستراتيجي مع الصين.

وبعد تخلّي إدارة بايدن عن أولوية إبرام اتفاق تجاري، قلّصت طموحها وتستكشف إمكان التوصّل إلى اتفاق للتجارة الرقمية، كما اقترحت استضافة الاجتماع السنوي لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ عام 2023.

ووصفت "فورين بوليسي" فيتنام وسنغافورة بأنهما دولتان "سلطويتان" ولن تدعا نهج بايدن في الدفاع عن الديمقراطية يعرقل توثيق علاقاتهما بالولايات المتحدة، إذ تؤيّدان بشدة وجوداً أمنياً قوياً لواشنطن في المنطقة.

واستدركت المجلة أن سنغافورة وفيتنام هما الاستثناء، لا القاعدة في جنوب شرقي آسيا، معتبرة أن على الولايات المتحدة ألا تشعر بارتياح كبير من زيارة هاريس.

ورجّحت أن يكون التنافس مع الصين في المنطقة أكثر صعوبة بكثير، من دون استراتيجية شاملة لمنطقة المحيطين، الهندي والهادئ، مع تركيز قوي وعاجل على المسائل الاقتصادية، وجنوب شرقي آسيا.