
مع اقتراب حسم ملامح التحالفات التي ستقود إلى تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، تتسارع وتيرة الحراك بين القوى السياسية، إذ تتبلور معادلات جديدة داخل المكونات المختلفة، وتتقدم مبادرات هدفها تجاوز الخلافات الداخلية والإقليمية.
وفي خضم هذا المشهد المضطرب، تبرز الحاجة إلى توافقات واسعة تُفضي إلى ولادة حكومة مستقرة قادرة على مواجهة التحديات المقبلة.
وأكد سياسيون عراقيون، لـ"الشرق"، أن المشهد يتجه نحو تفاهمات أولية بين الكتل الفائزة، مع بروز إطار سني مقابل الإطار الشيعي، وسط ضغوط إقليمية تدفع إلى تقليل الخلافات، مشيرين إلى أن المسار البرلماني، ولا سيما انتخاب رئيس الجمهورية، لا يزال يمثل العقدة الأبرز في مفاوضات تشكيل الحكومة.
تفاهمات أولية
تشير قراءات سياسية إلى أن التحالفات ما تزال في مرحلة التفاهمات الأولية، من دون وجود طاولة حوار حقيقية تجمع الكتل الفائزة.
ويقول رحيم العبودي، عضو تحالف قوى الدولة الوطنية، في تصريحات خاصة لـ"الشرق"، إن "التحالفات الحالية ما تزال في طور التفاهمات، ولم تنضج بشكل كامل، بسبب عدم وجود طاولة حقيقية تجمع الكتل الفائزة".
ويضيف العبودي أن المشهد يتجه نحو بروز إطار سني مقابل الإطار الشيعي، مؤكداً أن هذا المؤشر إيجابي "شريطة الوصول إلى إجماع داخل كل مكوّن لتسريع تشكيل الحكومة ضمن السقوف الدستورية"، مشيراً إلى أن "الصورة لن تتضح بالكامل قبل المصادقة على النتائج".
ويؤكد أن معظم القوى تحاول ضمان مواقعها في الحكومة المقبلة، متوقعاً ظهور ائتلاف مشابه لـ"إدارة الدولة"، مع استبعاد نشوء معارضة قوية، لأن "أي طرف يعارض توافقات المصلحة العامة قد يخسر جماهيرياً".
ويتكون ائتلاف "إدارة الدولة" من قوى شيعية ممثلة في "الإطار التنسيقي" وسنية في تحالفي "عزم" و"السيادة" السنيين، بالإضافة إلى الحزبين الكرديين "الاتحاد" و "الديمقراطي".
ويرى العبودي أن "تشتيت القرار داخل المكونات سيكون عاملاً معطّلاً"، إلا أن المزاج العام للقوى يميل إلى تلبية رغبة الشارع في تشكيل حكومة سريعة تحقق المصلحة العامة".
البُعد الإقليمي وتأجيل الخلافات
في سياق متصل، يلقي البعد الإقليمي بثقله على المشهد الداخلي، ويدفع القوى السياسية لتقليل الخلافات والدفع نحو تفاهمات أوسع.
ويقول أثير الشرع، عضو حزب المنقذون، في تصريحات خاصة لـ"الشرق" إن "التفاهمات التي جرت بين قادة الكتل، خصوصاً عبر اللجان المنبثقة عن اجتماع الإطار التنسيقي الأخير، أعطت زخماً جديداً لمسار تشكيل الحكومة".
ويؤكد أن "التحديات الإقليمية والخارجية تفرض واقعاً يتطلب تعاوناً واسعاً بين المكونات، خصوصاً مع التحذيرات التي صدرت خلال زيارة زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي (رئيس الوزراء العراقي السابق)، إلى إقليم كردستان بشأن ضرورة تماسك القوى السياسية لحماية العراق من المخاطر".
ويضيف الشرع أن "الخلافات السياسية جرى تأجيلها إلى ما بعد تشكيل الحكومة، والحراك الحالي يصب في صالح التوافق على المناصب قبل انتهاء المدد المنصوص عليها في الدستور، رغم وجود بعض المناورات السياسية".
المسار البرلماني.. العقدة الأبرز
ويبقى المسار البرلماني أكثر التعقيدات حضوراً، خصوصاً فيما يتعلق باختيار رئيس الجمهورية الذي يتطلب الحصول على ثلثي أصوات البرلمان.
ويقول المحلل السياسي نجم القصاب لـ"الشرق" إن التحالفات الحالية تشبه ما جرى في أعوام 2014 و2018 و2021، إذ لا تستطيع الكتلة الفائزة تشكيل الحكومة أو اختيار الرئاسات من دون توافقات واسعة، وفق ما تفرضه المادة 70 من الدستور.
ويشير القصاب إلى أن "الحصول على ثلثي أعضاء البرلمان، أي نحو 220 نائباً، يدفع الكتل الفائزة للتحالف حتى مع الخاسرة، ومنح مناصب تنفيذية لاستكمال النصاب"، لافتاً إلى وجود "انعدام ثقة بين القوى نتيجة خروقات سابقة للاتفاقيات".
ويرجّح أن التحالف بين الإطارين السني والشيعي، ولاحقاً الكردي، سيقود إلى فرض "شروط متبادلة" خلال التفاهمات، معتبراً أن استمرار الحكومة الحالية بوصفها حكومة تصريف أعمال سيعجّل بحسم اختيار الرئاسات الثلاث.
وبين ضغوط الداخل وتعقيدات الإقليم، يبدو أن مفاتيح تشكيل الحكومة الجديدة لن تُفتح إلا عبر توافقات واسعة تتجاوز الحسابات الضيقة وتنسجم مع رغبة الشارع العراقي في الاستقرار. وبينما تتسارع التحركات السياسية، تبقى الأيام المقبلة حاسمة في رسم شكل التحالفات وتحديد ملامح المرحلة القادمة.









