
صعّدت إسرائيل من عملياتها العسكرية في شمال الضفة الغربية المحتلة، لليوم الثالث على التوالي، ودفعت بتعزيزات عسكرية إلى محافظة طوباس التي فرضت حصاراً عليها، كما واصلت، الجمعة، هدم المنازل في مخيم جنين، بينما اتهمت السلطة الفلسطينية، تل أبيب، بارتكاب "جرائم حرب".
وقتلت قوات الجيش الإسرائيلي، فلسطينيين اثنين بعد استسلامهما في عملية وصفت بـ"الإعدام الميداني"، فيما دعت دول أوروبية تل أبيب إلى الالتزام بالقانون الدولي وحماية الفلسطينيين.
وتشن إسرائيل منذ أشهر عدة حملة عسكرية واسعة على العديد من مدن ومخيمات الضفة الغربية، كما أبعدت قسراً عشرات الفلسطينيين من منازلهم.
وواصلت القوات الإسرائيلية، الجمعة، هجومها على طوباس، وسط حظر للتجول واقتحامات لمنازل الفلسطينيين، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
كما اقتحمت مخيم الفارعة، فجر الجمعة، وشرعت بمداهمة العديد من منازل الفلسطينيين، إضافة إلى انتشار مكثف لفرق المشاة في أرجائه. وقال مدير "نادي الأسير" في طوباس كمال بني عودة لـ"وفا"، إن "قوات الاحتلال احتجزت خلال اليومين الماضيين 162 مواطناً، واقتادتهم إلى مراكز التحقيق الميداني، وهي المنازل التي تم اتخاذها ثكنات عسكرية".
وتأتي العملية العسكرية الإسرائيلية على الضفة، في ظل تصاعد عنف المستوطنين، الذين يهاجمون منازل الفلسطينيين ويحرقونها، بالإضافة إلى عمليات قتل ونهب.
ووسط هذا التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، أصدرت أربع دول أوروبية، هي ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، بياناً مشتركاً، دعت فيه إسرائيل إلى "الالتزام بالقانون الدولي وحماية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967"، كما أدانت بشدة "التصعيد المهول للعنف من جانب المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين".
وحذّر البيان من أن "النشاطات المزعزعة للاستقرار تهدد نجاح خطة النقاط العشرين (للرئيس الأميركي دونالد ترمب) في غزة وفرص إحلال السلام والأمن طويل الأمد".
وندّد البيان بشدة، بما اعتبره "زيادة كبيرة" في عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد المدنيين الفلسطينيين بالضفة الغربية.
وطالب وزراء خارجية الدول الأربع، بوقف هذه الهجمات، التي قالوا إنها "تزرع الرعب بين المدنيين، وتقوّض الجهود المبذولة حالياً لتحقيق السلام وضمان الأمن الدائم لإسرائيل نفسها".
كما طالب الوزراء، حكومة إسرائيل، بـ"الالتزام بالتزاماتها بموجب القانون الدولي وحماية السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة"، وحثوا الحكومة الإسرائيلية على "محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم ومنع المزيد من العنف من خلال معالجة جذور هذا السلوك".
إعدام ميداني
وخلال هجومها على مخيم جنين، في شمال الضفة الغربية المحتلة، قتل عناصر من الجيش الإسرائيلي فلسطينيين اثنين بعد استسلامهما بـ"دم بارد"، فيما وصفت وزارة الخارجية الفلسطينية هذا "الإعدام الميداني" بأنه "جريمة حرب متعمدة"، و"انتهاك صارخ لكل القوانين والاتفاقيات الدولية والأعراف والقيم الإنسانية".
وأظهرت لقطات لتلفزيون فلسطين، الجيش الإسرائيلي يطلق النار على فلسطينيين اثنين، الخميس، بعد أن استسلما ولم يكونا مسلحين، خلال مداهمة في الضفة الغربية المحتلة، فيما قال محافظ جنين كمال أبو الرٌب إنهما أُعدما بـ"دم بارد".
ويظهر الرجلان في اللقطات المصورة، وهما يخرجان من مبنى يحيط به الجيش الإسرائيلي في مدينة جنين بشمال الضفة الغربية، وقد رفعا قميصيهما، وانبطحا على الأرض فيما يبدو استسلاماً.
ثم وجه الجنود الإسرائيليون الرجلين، إلى العودة إلى داخل المبنى، قبل أن يطلقوا النار عليهما من مسافة قريبة.
وعبّر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن "الذعر" إزاء "القتل الصارخ" لشخصين فلسطينيين على يد قوات إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، معتبراً أنه يرتقي إلى "مستوى الإعدام دون محاكمة".
وقال المتحدث باسم المكتب، جيريمي لورانس، في إفادة صحافية للأمم المتحدة في جنيف: "هالنا القتل الصارخ الذي ارتكبته الشرطة الإسرائيلية لرجلين فلسطينيين في جنين بالضفة الغربية المحتلة، في عملية إعدام أخرى على ما يبدو خارج نطاق القانون"، وفق ما أوردت وكالة "رويترز".
وقالت الخارجية الفلسطينية إن "هذه الجريمة امتداد مباشر لسياسة إسرائيلية رسمية ممنهجة وواسعة النطاق، تقوم على القتل المتعمد خارج إطار القانون، وتحويل الأرض الفلسطينية إلى مسرح مفتوح لجرائم الحرب بأشكالها المتعددة".
وأصدر الجيش والشرطة الإسرائيليان بياناً مشتركاً، أعلنا فيه فتح تحقيق في الواقعة، لكن البيان لم يذكر أي سبب لقيام القوات الإسرائيلية بإطلاق النار.
ونادراً جداً ما تسفر التحقيقات الإسرائيلية عن نتائج، كما أن الجنود الإسرائيليين لا يحاكمون على انتهاكاتهم ضد الفلسطينيين، حسبما أشارت وكالة "أسوشيتد برس".
وقال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن جفير، إن "القوات تصرفت تماماً كما هو متوقع"، معتبراً في منشور على منصة "إكس"، أنه "كان يجب قتلهما".
"جرائم حرب" مستمرة
والأسبوع الماضي، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً عن إبعاد إسرائيل لعشرات الآلاف من الفلسطينيين من مخيمات للاجئين في الضفة الغربية المحتلة ووصفت هذا الإجراء بأنه يرتقي إلى "جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية".
وذكرت المنظمة الحقوقية، أن القوات الإسرائيلية أبعدت قسراً نحو 32 ألفاً من سكان مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، خلال عملية "السور الحديدي" في يناير وفبراير.
ويروي التقرير الذي صدر في 105 صفحات بعنوان "محيت كل أحلامي"، مشاهد عن اقتحام الجنود للمنازل ونهب الممتلكات وإصدار أوامر للعائلات بالإخلاء، فيما منع النازحون من العودة، وهُدمت مئات المنازل.
وأوضحت "هيومن رايتس ووتش" أنها أجرت مقابلات مع 31 نازحاً فلسطينياً من المخيمات الثلاثة، وحللت صوراً التقطتها الأقمار الصناعية وأوامر هدم ومقاطع فيديو موثّقة. ووجدت أن أكثر من 850 مبنى دُمر، أو تضرر بشدة.
واستضافت هذه المخيمات، التي أُنشئت في خمسينيات القرن الماضي للفلسطينيين النازحين بعد نكبة عام 1948، أجيالاً من اللاجئين.
ووفقاً للتقرير، فإنه بعد 7 أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يقرب من ألف فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، ووسعت نطاق الاعتقالات بدون محاكمة، وهدمت منازل وزادت بناء المستوطنات، كما تصاعد تعذيب المعتقلين وأعمال العنف التي يمارسها المستوطنون.
وارتفعت وتيرة عنف المستوطنين في أكتوبر الماضي، الذي شهد وفقاً للأمم المتحدة تنفيذ مستوطنين إسرائيليين ما لا يقل عن 264 هجوماً ضد الفلسطينيين، وهذا هو أكبر عدد شهري منذ أن بدأ مسؤولو الأمم المتحدة في رصد مثل هذه الوقائع في عام 2006.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية خلال حرب عام 1967، ويعتبر معظم المجتمع الدولي جميع المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي.









