"صمت ترمب بشأن تايوان".. تعزيز نفوذ أم نية للتخلي عن التحالفات التقليدية

time reading iconدقائق القراءة - 7
الرئيس التايواني لاي تشينج ته يتحدث خلال مؤتمر صحافي بشأن الإنفاق الدفاعي في تايبيه. 26 نوفمبر 2025 - REUTERS
الرئيس التايواني لاي تشينج ته يتحدث خلال مؤتمر صحافي بشأن الإنفاق الدفاعي في تايبيه. 26 نوفمبر 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

اتبع معظم الرؤساء الأميركيين على مدار سنوات نهج "الغموض الاستراتيجي" عبر تجنب الإجابة بشكل مباشر عن سؤال ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان حال حاولت الصين السيطرة عليها عسكرياً، فيما تدعم واشنطن تايبيه بالمساعدات العسكرية إلى جانب الحضور الأميركي في المحيط الهادئ، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".

وذكرت الصحيفة، الجمعة، أن تصاعد القوة العسكرية لبكين، ورغبة الرئيس، شي جين بينج، في توجيه رسالة للعالم بأن تايوان جزء من الصين، وهو ما أكده لترمب في مكالمة هاتفية، الاثنين، أعاد إلى الواجهة السؤال نفسه: "هل يكفي الصمت؟".

تايوان: صمت ترمب يحمل الكثير من المعاني

من جانبه، قال رئيس تايوان، لاي تشينج-ته، الأربعاء، بعد إعلان نيته طلب ميزانية خاصة بقيمة 40 مليار دولار للإنفاق العسكري لردع الصين، إن "العلاقة بين تايوان والولايات المتحدة صلبة للغاية". 

وأشار إلى أن التعاون بين واشنطن وتايبيه خلال فترة ولاية ترمب الثانية كان "متواصلاً دون توقف"، مضيفاً: "لهذا نحن واثقون بشأن مستقبل العلاقات بين تايوان والولايات المتحدة".

وأكدت الصحيفة أن بقاء تايوان يعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الأميركي، ما يجعل صمت ترمب العلني، إلى جانب ميله للتخلي عن التحالفات التقليدية للولايات المتحدة، مصدر قلق لدى بعض مسؤولي تايبيه.

وأشارت الصحيفة إلى المخاوف من أن يقوم ترمب بتعديل مستوى الدعم لتايوان في سبيل التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين، تماماً كما استخدم دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا كورقة ضغط للتفاوض على اتفاق سلام محتمل مع روسيا.

تجنب التطرّق لتايوان في قمم سابقة

وذكرت "وول ستريت جورنال" أن ترمب وشي التقيا في كوريا الجنوبية في أكتوبر الماضي في قمة اتسمت بأجواء إيجابية، وركزت على التقدم في الاتفاقيات التجارية، ولم يتم التطرق إلى موضوع تايوان المثير للجدل.

وعندما سُئل الرئيس الأميركي خلال مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على قناة CBS بعد لقائه نظيره الصيني عما إذا كان سيأمر القوات الأميركية بالدفاع عن تايوان، أجاب: "ستعرفون إذا حدث ذلك، وهو (شي) يعرف الإجابة على هذا السؤال".

وأضاف التقرير أن شي، مع استعداد الزعيمين للقاء آخر في الصين في أبريل المقبل، حاول "خلق فجوة" بين الولايات المتحدة وتايوان، مؤكداً لترمب أن تايبيه "يجب أن تعود إلى الصين"، التي تعتبر الجزيرة جزءاً من أراضيها.

وفي منشور على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" حول المكالمة، لم يذكر ترمب تايوان، مكتفياً بالقول: "علاقتنا مع الصين قوية جداً!".

وأوضحت الصحيفة أن رسالة شي جاءت بعد أسبوعين من هجمات دبلوماسية صينية ضد الحليف الأميركي، اليابان، بسبب تصريح رئيسة الوزراء سناي تاكايتشي بأن بلادها قد تُجبر على المشاركة في حرب حول تايوان.

وذكرت الصحيفة أن ترمب أجرى عقب مكالمته مع شي اتصالاً مع تاكايتشي، نصحها خلاله بـ"عدم استفزاز بكين بشأن سيادة تايوان"، بينما نفى مكتبها أن يكون الرئيس الأميركي قد أدلى بهذا التصريح.

صمت ترمب يعزز النفوذ الأميركي

ووصف بعض المحللين صمت ترمب العلني بشأن تايوان بأنه يمنح الجانب الأميركي مزيداً من النفوذ. وقال كريج سينجلتون، باحث بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن: "الولايات المتحدة واصلت الموافقة على صفقات أسلحة كبيرة لتايبيه رغم استمرار المفاوضات الاقتصادية. ويعكس الضغط الذي مارسه شي بشأن تايوان خلال المكالمة إحباطه من أن ترمب لا يمنح الصين التغيير الخطابي الذي تريده".

وأكد التقرير أن الأمن التايواني يظل محوراً رئيسياً لاستراتيجية الولايات المتحدة العسكرية في المحيط الهادئ، حيث تحافظ القواعد العسكرية في كوريا الجنوبية، واليابان، و"غوام" على تواجد أميركي يهدف جزئياً لردع بكين.

ووافقت أميركا هذا الشهر على مبيعات جديدة من الأسلحة لتايوان، وهي الأولى خلال فترة رئاسة ترمب الثانية. واستلمت تايبيه دباباتها الأميركية الجديدة من طراز Abrams، وتسعى لتطوير قدراتها على استخدام طائراتها الهجومية المسيرة Altius-600M الأميركية الصنع.

كما يتلقى أفراد الجيش التايواني تدريباً دورياً من القوات الأميركية، بما في ذلك وحدة من مشاة البحرية التايوانية تدربت مؤخراً في غوام، وفقاً للصحيفة.

تحفيز الإنفاق الدفاعي التايواني

ولفتت الصحيفة إلى أن إدارة ترمب حثت تايوان على زيادة إنفاقها الدفاعي، ما يجعل كل دولار تنفقه تايبيه على الدفاع بمثابة حجة للحفاظ على الدعم الأميركي المستمر. وتعهد الرئيس لاي بزيادة الميزانية العسكرية لتصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مقابل 3.32% المقررة لميزانية العام المقبل.

وأكد التقرير أن مسألة الدعم الأميركي لها تداعيات سياسية أيضاً، حيث يستند الدعم الشعبي للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان بشكل كبير إلى وجوب استعداد الجزيرة لمواجهة الصين، وصد محاولات بكين في "المنطقة الرمادية" لإخضاع تايبيه بدون قتال.

وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن صرَّح مراراً بأن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان في حال غزتها الصين، غير أن موظفي البيت الأبيض تراجعوا عن جميع تصريحاته لاحقاً.

وبحسب مارفن بارك، باحث بارز في المجلس الأطلسي ومدير شؤون تايوان في مجلس الأمن القومي خلال إدارة بايدن، فإن ترمب كان دائماً ملتزماً بسياسة "الغموض الاستراتيجي". وقال: "بين فترة ولاية ترمب الأولى والثانية، لم يتحدث الرئيس أبداً عن تايوان بشكل عشوائي أو بتهاون. لا أحد يريد أن يتحدث عن تايوان إلا عندما يكون مستعداً لذلك".

وأكد المسؤولون الأمنيون في تايبيه أن صمت ترمب العلني يُفسَّر على أنه علامة على عدم موافقة واشنطن على مطالبة شي بالجزيرة، وقد صرَّح ترمب سابقاً بأنه تلقى تأكيدات من شي بأن الصين لن تهاجم تايوان أثناء وجوده في البيت الأبيض.

ورغم ذلك، يبقى القلق قائماً على الجزيرة التي يعتمد بقاؤها في نهاية المطاف على القوة العسكرية الأميركية، إذ تساءلت "وول ستريت جورنال": ماذا لو هاجمت الصين، ولم تتدخل الولايات المتحدة لإنقاذ تايوان؟.

وأوضح ليف ناخمان أن مجرد وجود هذا السؤال له تأثير حقيقي على أمن تايوان، مضيفاً أن الصمت الأميركي قد يردع الصين، لكنه قد يضعف عزيمة الجمهور أيضاً. وتابع: "سواء اعتقدنا أن أميركا ستتدخل أم لا، فإن لذلك تأثيراً كبيراً على استعداد الناس للدفاع عن تايوان".

تصنيفات

قصص قد تهمك