
يواجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب موجة متصاعدة من الانتقادات والتحذيرات من داخل حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً" المعروفة اختصاراً بـ"ماجا" MAGA، التي شكلت قاعدته السياسية.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، بات قادة رأي ومؤثرون محافظون، بعضهم من أشد الداعمين لترمب خلال السنوات الماضية، يعبرون علناً عن قلقهم من أن جزءاً من القاعدة الشعبية بدأ يفقد حماسه، في ظل شعور متزايد بأن الرئيس لا ينفذ أجندة "ماجا" بالزخم الذي وعد به.
لقاء في البيت الأبيض ورسالة مباشرة
خلال غداء جمعه بالرئيس داخل البيت الأبيض الشهر الماضي، حاول الخبير المحافظ في استطلاعات الرأي مارك ميتشل، رئيس قسم الاستطلاع في مؤسسة "راسموسن ريبورتس"، شرح ما وصفه بانفصال بين أولويات الإدارة وما يتطلع إليه أنصار ترمب.
واستحضر ميتشل محاولة اغتيال ترمب خلال تجمع انتخابي في باتلر بولاية بنسلفانيا في يوليو 2024، مشيراً إلى الصورة الرمزية التي ظهر فيها الرئيس رافعاً قبضته متحدياً بعد الحادث.
وقال ميتشل لترمب: "قلت: قاتل، قاتل، قاتل. والآن أنت تخوض معارك داخلية، ولا تقاتل فعلياً من أجل الأميركيين".
وحذّر ميتشل الرئيس الأميركي من أن عدداً كبيراً من مؤيديه يعتقدون أنه لم يحقق وعده الأساسي بـ"تجفيف المستنقع" في واشنطن، في إشارة إلى محاربة الفساد. واقترح أن يعيد الرئيس توجيه تركيزه عبر خطة تتبنى "الشعبوية الاقتصادية البراجماتية".
إلا أن ميتشل أقر بأن اهتمام ترمب بهذه الرسالة لم يكن بالمستوى الذي كان يأمله، واصفاً الحديث بأنه كان طويلاً، لكن تجاوب الرئيس مع الطرح الاقتصادي بدا محدوداً.
انتقادات متزايدة
لا تبدو ملاحظات ميتشل استثناء، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست". ففي الأسابيع الماضية، عبّرت شرائح من قاعدة ترمب، المعروفة بولائها الشديد له ولأجندته، عن انتقادات متزايدة لأدائه في ولايته الثانية.
واتهمه بعض أنصاره بالتركيز المفرط على السياسة الخارجية، وعدم معالجة أزمة تكاليف المعيشة التي تعهد بإصلاحها، إضافة إلى التقارب مع مليارديرات ورموز في قطاع التكنولوجيا.
كما أثار امتناع الإدارة عن نشر مزيد من الملفات التحقيقية المتعلقة بجيفري إبستين انتقادات داخل أوساط "ماجا"، إلى جانب استياء من هجمات ترمب العلنية على شخصيات محسوبة على التيار نفسه.
مخاوف انتخابية
وفي إطار الطيف المحافظ داخل الولايات المتحدة، حذر معلقون من أن تحالف ترمب السياسي بات أضعف، وأن الحزب الجمهوري قد يتجه نحو هزيمة في انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر.
وتتركز المخاوف حول احتمال عزوف القاعدة عن المشاركة في التصويت، بسبب شعورها بأن أجندة "ماجا" لا تُنفذ بالقدر الكافي.
كما أبدى آخرون قلقهم من أن القضايا الاقتصادية قد تهدد موقع ترمب لدى الناخبين المستقلين، الذين يمثلون كتلة حاسمة في انتخابات التجديد النصفي.
في المقابل، يقلل مستشارو ترمب من شأن هذه التحذيرات، معتبرين أنها جزء من "دورة طبيعية" من ردود الفعل التي تتكرر خلال أي ولاية رئاسية. وقال مسؤول رفيع في البيت الأبيض إن الإدارة تتوقع تلقي مثل هذه الانتقادات من حين إلى آخر.
وبحسب مسؤولين مطلعين، يخطط فريق ترمب لبدء تنظيم تجمعات شبه أسبوعية للترويج لما يراه إنجازات إدارته، بعد فترة قضاها الرئيس بعيداً نسبياً عن الحملات الجماهيرية هذا العام.
إلا أن أولى هذه الجولات، التي أُقيمت في كازينو بولاية بنسلفانيا الأسبوع الماضي، لم تبدد الانتقادات، بعدما سخر ترمب مجدداً من مصطلح "القدرة على تحمل التكاليف"، وقلل من المخاوف بشأن ارتفاع الأسعار والتضخم، قبل أن يعترف بأن الأسعار "كانت مرتفعة للغاية".
نائبة جمهورية في قلب الخلاف
وتعد النائبة الجمهورية السابقة مارجوري تايلور جرين من أبرز المنتقدين لترمب مؤخرا. وبعد أن أدى خلافها مع الرئيس إلى تبرؤه منها الشهر الماضي، أعلنت لاحقا استقالتها من الكونجرس.
جرين، التي وقفت إلى جانب ترمب خلال فترة العزلة السياسية التي أعقبت أحداث السادس من يناير 2021، قالت إنها تمثل "مؤشراً مبكراً" لمزاج القاعدة.
وأضافت أن معظم أنصار ترمب لا يزالون يريدون نجاحه، لكن "القاعدة أصبحت محبطة"، وتدرك ما انتخبته من أجله، وهي "واعية بأنه لا يفعله".
تباين استطلاعات الرأي
وتعكس استطلاعات الرأي إشارات مختلطة بشأن حجم التراجع في دعم ترمب داخل الحزب الجمهوري. فرغم احتفاظه بدعم الغالبية، إلا أن بعض الاستطلاعات تشير إلى تراجع نسبة التأييد عن مستوى 90% المعتاد.
وعلى المستوى العام، سجلت شعبية ترمب تراجعاً في أواخر نوفمبر، قبل أن تشهد تحسناً طفيفاً لاحقاً، لكنها لا تزال أقل مقارنة بالفترة نفسها من ولايته الأولى. وأظهر استطلاع أجرته "إيكونوميست – يوجوف" هذا الشهر أن 41% من الأميركيين يوافقون على أدائه، مقابل 55% يعارضونه.
ويتزامن هذا التراجع مع مظاهر اعتراض داخل الحزب الجمهوري نفسه. ففي ولاية إنديانا، عرقل أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ المحلي مسعى مدعوماً من البيت الأبيض لإعادة رسم الدوائر الانتخابية.
كما انضم 20 نائباً جمهورياً في الكونجرس إلى الديمقراطيين لدعم مشروع قانون يلغي أمراً تنفيذياً لترمب يقيد حقوق النقابات للعاملين الفيدراليين.
انتقادات من مؤثرين محافظين
على وسائل التواصل الاجتماعي، عبّر عدد من المعلقين المحافظين عن خيبة أملهم من أداء الولاية الثانية.
وقالت المعلقة المحافظة سافانا هيرنانديز إن ما تحقق حتى الآن لا يرقى إلى تطلعات القاعدة، معتبرة أن الرسائل الصادرة عن البيت الأبيض اقتصرت على "تغريدات قوية ومقاطع فيديو جذابة"، دون تنفيذ ملموس للوعود.
وأضافت أن أنصار ترمب لا يزالون يعانون من ارتفاع أسعار الغذاء والسكن، ويرون أن إرسال مليارات الدولارات إلى الخارج يبدو "خيانة" في ظل الصعوبات الاقتصادية داخل البلاد.
دفاع البيت الأبيض
في رد رسمي، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن ترمب هو "المؤسس والقائد من دون منازع" لحركة ماجا، مؤكدة أنه ينفذ وعوده الانتخابية، ويعمل يومياً من أجل أن تصبح الولايات المتحدة "أعظم من أي وقت مضى".
وفي المقابل، قللت بعض الأصوات المحسوبة على "ماجا" من أهمية الانتقادات، معتبرين أنها صادرة عن شريحة صغيرة لكنها نشطة للغاية على الإنترنت.









