
طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رؤيته لإعادة التوازن في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والصين، محذراً من اختلالات تجارية متفاقمة، فيما دعا إلى تعزيز التنافسية الأوروبية، وتعاون دولي يجنب العالم نزاعات تجارية؛ وذلك بعد نحو أسبوعين من زيارة بكين.
وأشار ماكرون في مقاله الذي نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، مساء الثلاثاء، إلى بلوغ الفائض التجاري الحالي للصين مع بقية العالم "مستوى هائلاً" قدره تريليون دولار.
ولفت الرئيس الفرنسي إلى أن الفائض التجاري للصين مع الاتحاد الأوروبي تضاعف تقريباً ليصل إلى 300 مليار يورو خلال 10 سنوات، موضحاً أن الرسوم الجمركية الأميركية، وضعف الاستهلاك المحلي، أدى إلى تدفق الصادرات الصينية إلى أوروبا بكثافة. وتابع: "هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، لا لأوروبا ولا للصين".
واعتبر ماكرون، أن فرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية لأوروبا، سيكون رداً "غير تعاوني"، قائلاً: "علينا الإقرار بأن هذه الاختلالات هي نتيجة ضعف إنتاجية الاتحاد الأوروبي، وسياسة الصين القائمة على النمو المدفوع بالصادرات".
وحذّر الرئيس الفرنسي، من أن الاستمرار في هذا المسار ينطوي على خطر نشوب "نزاع تجاري وخيم"، لكن الصين والاتحاد الأوروبي يمتلكان معاً الأدوات اللازمة لمعالجة هذه الاختلالات.
وأضاف: "تعزيز السوق الموحدة وإطلاق مدخرات الأوروبيين، سيسهمان في تحفيز الابتكار والنمو في القارة. كما سيؤدي تحقيق تكافؤ الفرص أمام الاستثمار بين المنطقتين إلى رفع مساهمة الطلب المحلي كمصدر للنمو".
وقدم ماكرون في مقاله، بعض التوصيات لإعادة التوازن في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، مشيراً إلى ضرورة أن يطرح الاتحاد الأوروبي "أجندة اقتصادية جديدة" تقوم على "التنافسية والابتكار والحماية".
تعزيز التنافسية
ولتعزيز التنافسية، حسبما يرى ماكرون، تحتاج أوروبا إلى استكمال سوقها الداخلية في قطاعات الطاقة والصحة والرقمنة، إلى جانب الاستثمار المكثف في الابتكار والبحوث الرائدة وتقنيات الصناعات ذات إمكانات النمو المرتفعة. ويجب أن يكون تقليص المخاطر في جميع المواد والتقنيات الحيوية، المادية والرقمية، جزءاً من هذه الأجندة أيضاً، وفق ماكرون.
كما أشار الرئيس الفرنسي، إلى ضرورة تسهيل توسع الشركات وقدرتها على منافسة نظرائها العالميين. وأضاف: "لا يجب أن نخجل من تفضيل المنتج الأوروبي ما دام يعني دعم الإنتاج الاستراتيجي، في السيارات والطاقة والرعاية الصحية والتكنولوجيا، داخل حدودنا. الحماية من المنافسة غير العادلة هي أساس القدرة على الصمود".
وأضاف: "لا يجب أن نكون سذجاً، فوضع استراتيجية حماية موثوقة يتطلب امتلاك الوسائل اللازمة للدفاع عن أنفسنا ضد من يخالف القواعد. ولهذا نمتلك مجموعة من أدوات حماية التجارة، بما في ذلك الرسوم الجمركية وتدابير مكافحة الإكراه. ولا ينبغي أن يساور أحد أي شك في استعدادنا لاستخدامها".
وحض الرئيس الفرنسي أوروبا، على الاستفادة من رصيد مدخراتها، الذي يبلغ نحو 30 تريليون يورو، في تمويل الاستثمارات التي تحتاجها القارة. وقال: "أوروبا تستثمر نحو 300 مليار يورو سنوياً في الخارج. وقد حان الوقت لأن يتحمل الأوروبيون مخاطر الاستثمار في شركاتهم".
إطلاق "يورو رقمي"
ويرى ماكرون أن تبسيط القواعد التنظيمية وتوريق الأصول والإشراف الموحد، عوامل ستسهم في تحرير رأس مال تشتد الحاجة إليه. وسيضمن تنفيذ "اتحاد الادخار والاستثمار"، وفق الرئيس الفرنسي، تدفق المدخرات الأوروبية بحرية لتمويل الابتكار والنمو.
وطالب الرئيس الفرنسي أوروبا، بالسعي إلى تعزيز الدور الدولي لليورو عبر تطوير عملات مستقرة مقومة باليورو وإطلاق "يورو رقمي"، إضافة إلى إنشاء أصول آمنة وسائلة لتمويل الدفاع والتقنيات. ويرى أن التنافسية الأوروبية يجب ألا تكون ضحية لانخفاض قيمة الدولار الأميركي واليوان الصيني.
كما طالب الصين بمعالجة اختلالاتها الداخلية، موضحاً أن وضع سياسة مالية أكثر ملاءمة، تستهدف خفض الادخار وتعزيز الاستهلاك المحلي وتطوير اقتصاد الخدمات، ضروري لنموها على المدى الطويل.
إعادة التوازن التجاري
ويُعد إعادة التوازن في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر "أمراً ضرورياً"، حسبما اعتبر الرئيس الفرنسي في مقاله. فقد استفادت الصين طويلاً من الاستثمار الأجنبي الأوروبي المباشر والتعاون، بما في ذلك في مجال التكنولوجيا. وقد استثمر الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 240 مليار يورو في الصين، بينما استثمرت الصين أقل من 65 مليار يورو في الاتحاد الأوروبي. واليوم، تتصدر الصين مجالات التحول في قطاع الطاقة وتقنيات التنقل النظيف، في حين تواصل أوروبا تصدرها للعديد من قطاعات الخدمات، بحسب ماكرون.
وشدد الرئيس الفرنسي، على ضرورة أن يظل الاتحاد الأوروبي منفتحاً أمام استثمارات الصين في القطاعات التي تتفوق فيها، شريطة أن تُسهم الاستثمارات الصينية في توليد الوظائف والابتكار ونقل التكنولوجيا. وفي الوقت نفسه، يجب أن تواصل صناعة الخدمات الأوروبية، الاستثمار والتطور في السوق الصينية.
وتابع: "خلال زيارتي الأخيرة إلى الصين، أوضحتُ أنه إما أن نعيد توازن العلاقات الاقتصادية بصورة تعاونية، عبر إشراك الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في شراكة حقيقية، أو أن تجد أوروبا نفسها مضطرة لاعتماد إجراءات أكثر حمائية. وأنا أفضل التعاون كثيراً، لكنني سأدافع عن اللجوء إلى الخيار الثاني إذا اقتضت الضرورة".
وأضاف: "مع ذلك، أنا مقتنع بأننا، عبر الأخذ الحقيقي في الاعتبار احتياجات كل طرف ومصالحه، نستطيع وضع أجندة اقتصادية كلية دولية تعود بالنفع علينا جميعاً. ولهذا تكتسب ضرورة تعزيز التنافسية والابتكار والحماية في الاتحاد الأوروبي طابعاً ملحاً. ويعني ذلك أيضاً الدفاع عن السيادة التنظيمية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك إزاء الولايات المتحدة".
وأكد ماكرون، أن "حل الاختلالات العالمية" سيكون في صميم أجندة فرنسا في رئاسة مجموعة السبع العام المقبل، وأنه سيدعو الاقتصادات الكبرى والناشئة على حد سواء إلى توحيد الجهود. وقال: "لكي ينجح هذا التوازن لصالح الجميع، نحتاج إلى تحرك فوري ومنسق".











