وسط الأزمة مع الصين.. عقيدة اليابان النووية تهدد بتأجيج توتر سياسي جديد في شرق آسيا

بكين تعرب عن قلقها وتحذر من تهديد السلام.. وبيونج يانج تطالب بوقف "طموحات طوكيو"

time reading iconدقائق القراءة - 13
جنود جيش الدفاع الذاتي الياباني JSDF خلال عرض عسكري في أوساكا. 9 نوفمبر 2024 - via REUTERS
جنود جيش الدفاع الذاتي الياباني JSDF خلال عرض عسكري في أوساكا. 9 نوفمبر 2024 - via REUTERS
دبي -عبد السلام الشامخ

أعربت الخارجية الصينية، الاثنين، عن قلقها إزاء تصريحات مسؤولين يابانيين بشأن "عقيدة طوكيو النووية"، محذرة من أن أي تحرك يخرق القانون الدولي قد يهدد الأمن والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع تصاعد التوتر السياسي بين الجارين على خلفية تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بشأن تايوان، فيما دعت كوريا الشمالية إلى منع طوكيو من التحول إلى "دولة نووية".

وكان وزير الدفاع الياباني السابق والمشرع البارز في الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، إتسونوري أونوديرا، قال الأحد، إن اليابان يجب أن تجري مناقشات متجددة بشأن المبادئ الثلاثة لعدم امتلاك أسلحة نووية، التي تمسكت بها البلاد لفترة طويلة، بينما تواصل طوكيو الاعتماد على "المظلة النووية" الأميركية، في إشارة جديدة إلى "تعديلات مرتقبة" في تلك المبادئ.

وأضاف أونوديرا، في برنامج تلفزيوني على قناة NHK اليابانية، أنه بينما تلتزم الحكومة بالمبادئ كدليل سياسي، فإن "السؤال هو ما العمل مستقبلاً"، حسبما نقلت صحيفة Japan Times.

رداً على ذالك، طالبت الصين اليابان بالالتزام بالقانون الدولي ودستورها الوطني، ووقف أي أعمال استفزازية في هذا المجال، مشددة على أن مسألة الأسلحة النووية "ليست ورقة تفاوض سياسية"، يمكن التعامل معها حسب المصالح المؤقتة.

وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية، قوه جياكون، إن تصريحات أونوديرا، تشير إلى أن تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية بشأن تايوان، "لم تكن مجرد صدفة"، معتبراً أن "هذا يضر بالسلام والاستقرار الإقليمي والدولي على حد سواء". 

وأضاف أن الصين "لن تقبل بأي تحدٍ للعدالة الدولية أو اختبار للحدود القصوى لصبر المجتمع الدولي"، مؤكداً أن اليابان "يجب عليها الوفاء بالتزاماتها الدولية وفق المعاهدات والقوانين المعمول بها".

واعتمدت اليابان في عام 1967على "المبادئ الثلاثة غير النووية"، التي تستبعد إنتاج أسلحة نووية، أو حيازتها أو إدخالها إلى حدود البلاد، ووقّعت على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في فبراير 1970.

في المقابل، كانت بكين قد أجْرت أول اختبار نووي لها في أكتوبر 1964، ومنذ ذلك الحين وحتى أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، التزمت باستراتيجية "الردع النووي المحدود"، والتي قامت على الاكتفاء ببضع مئات من الرؤوس النووية، وتجنّب الدخول في سباق تسلح مع واشنطن وموسكو.

الخروج من المظلة الأميركية

وكان وزير الدفاع الياباني السابق، إتسونوري أونوديرا، قال في تصريحات صحافية، الأحد، إن "اليابان تحت المظلة النووية الأميركية، والتي تعني في جوهرها، التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان، حتى لو استلزم الأمر استخدام الأسلحة النووية. ومن وجهة نظري، تجاهُل هذه المناقشة النووية دون أي اعتبار هو أمر غير مسؤول سياسياً". وتابع: "من هذا المنطلق، أعتقد أن هذه المسألة يجب مناقشتها".

وأشار أونوديرا، إلى تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الياباني السابق، كاتسويا أوكادا، في عام 2010، والتي سمحت بموجبها اليابان رسمياً، باستثناء من التعهد بعدم امتلاك أسلحة نووية، بما يتيح للحكومة في حالات الطوارئ أن تقرر ما إذا كان ينبغي للسفن العسكرية الأميركية المسلحة نووياً دخول الأراضي اليابانية مؤقتاً.

وأكد أونوديرا، أن موقف حكومة ساناي تاكايتشي، "لا يزال يتمثل في الالتزام بهذا المبدأ كذلك". وأضاف: "ومع ذلك، أعتقد أنه من الضروري دراسة ما إذا كان هذا الموقف كافياً بالفعل".

تأتي تصريحات أونوديرا، الذي يشغل حالياً منصب رئيس لجنة بحوث الأمن التابعة للحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، بعد أيام فقط من تصريحات مسؤول حكومي بارز، أعرب فيها عن رأيه الشخصي بأن طوكيو "يجب أن تمتلك أسلحتها النووية الخاصة".

في المقابل، بدا أن الولايات المتحدة تقلل من فكرة امتلاك اليابان أسلحتها النووية الخاصة، حيث أشادت وزارة الخارجية الأميركية، السبت الماضي، بدور اليابان بوصفها "قائداً عالمياً وشريكاً ثميناً للولايات المتحدة في منع انتشار الأسلحة النووية"، مؤكدة التزامها بتوسيع مظلتها النووية  لتشمل حليفتها.

وفي الشهر الماضي، تجنبت تاكايتشي الالتزام بالحفاظ على المبادئ، على ما يبدو، بسبب القلق بشأن موثوقية المظلة النووية الأميركية. وقالت رئيسة الوزراء اليابانية، أثناء سؤالها في البرلمان، إنه بينما تستعد حكومتها لمراجعة الوثائق الأساسية للأمن القومي بحلول نهاية العام المقبل، "لم نصل بعد إلى مرحلة" يمكننا فيها "القول بشكل حاسم"، إن صياغة المبادئ ستظل كما هي.

تاكايتشي تثير الغموض

في 11 نوفمبر الماضي، امتنعت رئيسة الوزراء اليابانية عن الإفصاح عما إذا كانت سياساتها الدفاعية والأمنية ستلتزم بـ"المبادئ الثلاثة غير النووية" التي اتبعتها الإدارات اليابانية لعقود. وتعتزم تاكايتشي تسريع مراجعة الوثائق الأمنية الثلاث بحلول عام 2026، وفق وكالة Asahi اليابانية.

وخلال اجتماع لجنة الموازنة في مجلس النواب الياباني، سألت ماري كوشيبوتشي، عضوة حزب ريوا شينسينجومي المعارض، تاكايتشي، عما إذا كانت تعتزم مراجعة المبادئ الثلاثة غير النووية.

وأجابت رئيسة الوزراء: "في هذه المرحلة، تُبقي الحكومة على هذه المبادئ كدليل إرشادي للسياسة العامة". لكنها أضافت: "ستبدأ مراجعة الوثائق الثلاث من الآن. لم نصل بعد إلى المرحلة التي تسمح لي بتحديد تفاصيلها".

ويُعتبر قرار تاكايتشي بعدم تأكيد المبادئ بشكل صريح، أمراً بارزاً، نظراً لأنها ذكرت في كتابها الصادر في عام 2024 بعنوان Kokuryoku Kenkyu (بحث القوة الوطنية)، أن عدم السماح بامتلاك اليابان لأسلحة نووية "غير واقعي إذا توقعنا من الولايات المتحدة تقديم الردع الموسع"، في إشارة إلى التزام واشنطن بالدفاع عن اليابان بما في ذلك باستخدام ترسانتها النووية.

وأضافت: "أنا قلقة من أن عبارة التمسك بالمبادئ الثلاثة لعدم امتلاك الأسلحة النووية قد تصبح عقبة إذا واجهنا أزمة شديدة".

وعند سؤال وزير الدفاع شينجيرو كويزومي، الجمعة، عن إمكانية تعديل المبادئ، أكد التزام الحكومة بها كدليل سياسي، لكنه قال إن جميع الخيارات ستكون مطروحة للنقاش.

وأضاف كويزومي: "من الطبيعي لنا استكشاف جميع الخيارات دون استبعاد أي منها، والانخراط في النقاشات لحماية حياة اليابانيين وسلامة معيشتهم".

وأكد كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، مينورو كيهارا، أن سياسة اليابان بعدم امتلاك أو إنتاج أو السماح بدخول الأسلحة النووية لم تتغير، لكن رفضه التعامل مباشرة مع هذه التصريحات، إلى جانب غموض رئيسة الوزراء سابقاً، بشأن ما إذا كانت "المبادئ الثلاثة لعدم امتلاك الأسلحة النووية" ستظل سارية في الاستراتيجية الدفاعية المستقبلية للبلاد.

وسعى الحزب الديمقراطي الليبرالي في الماضي، إلى تعديل المبادئ، بما في ذلك اقتراح عام 2011 لميثاق "مبدأ 2.5 لعدم امتلاك الأسلحة النووية"، الذي يسمح بشكل أكثر رسمية للسفن العسكرية الأميركية الحاملة للأسلحة النووية بزيارة الموانئ اليابانية.

لكن إقناع المواطنين والرأي العام بالموافقة على مثل هذا التعديل قد يكون تحدياً، وفي استطلاع للرأي أجْرته وكالة "جيجي برس" في وقت سابق من الشهر الجاري، قال 46.6% إن "مبدأ عدم الإدخال" يجب الحفاظ عليه، متجاوزاً 28.2% ممن طالبوا بتعديله، و25.2% لم يعرفوا أو لم يستطيعوا الإجابة.

وكانت تاكايتشي أثارت عاصفة دبلوماسية مع الصين في نوفمبر الماضي، عندما ألمحت إلى أن أي هجوم صيني على تايوان قد يشكل "وضعاً يهدد بقاء" اليابان، في تلميح إلى تدخل عسكري ياباني محتمل في الأزمة.

واعتبرت بكين هذه التعليقات، تجاوزاً لخط أحمر، وردّت بإجراءات انتقامية اقتصادية ودبلوماسية.

قاومت تاكايتشي منذ ذلك الحين، الضغوط الصينية للتراجع عن تصريحاتها، مؤكدة أن موقف طوكيو من أي حالة طوارئ أمنية لم يتغير. وقد تحدّث الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع تاكايتشي، والرئيس الصيني شي جين بينج، لتهدئة التوتر.

ما هي مبادئ اليابان "غير النووية"؟

تُعد اليابان الدولة الوحيدة التي تعرّضت لقصف نووي، وتمسّكت بثلاثة مبادئ تقوم على "عدم امتلاك الأسلحة النووية أو إنتاجها أو السماح بإدخالها"، غير أن طوكيو ترى حالياً أن المبدأ الثالث يضعف فاعلية الردع النووي الذي توفره الولايات المتحدة، بحسب المصادر.

وقد أعلن رئيس الوزراء السابق، إيساكو ساتو، المبادئ الثلاثة لأول مرة في البرلمان في عام 1967، لتتحول لاحقاً إلى عقيدة وطنية. وفاز ساتو بجائزة نوبل للسلام في عام 1974 تقديراً لإعلانه وإسهاماته في تعزيز السلام.

مبادئ اليابان "غير النووية":

  • عدم امتلاك أسلحة نووية.
  • عدم إنتاج أسلحة نووية.
  • عدم استيراد أسلحة نووية.

ووفق المصادر الحكومية، "ليس لدى تاكايتشي نية لمراجعة المبدأين المتعلقين بعدم امتلاك وإنتاج الأسلحة النووية، نظراً لكون اليابان طرفاً في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تصفها بأنها حجر الأساس لنظام نزع السلاح النووي الدولي".

لكن غموض تاكايتشي بشأن ما إذا كانت "المبادئ الثلاثة لعدم امتلاك الأسلحة النووية" ستظل سارية في الاستراتيجية الدفاعية المستقبلية للبلاد، يزيد من المخاوف.

وقد خضعت المبادئ الثلاثة لتدقيق مكثف قبل أكثر من عقد، وذلك عندما أقرت لجنة بوزارة الخارجية اليابانية، بوجود اتفاق سري بين اليابان والولايات المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة، أتاح لطوكيو السماح للسفن الأميركية المسلحة نووياً بزيارة الموانئ اليابانية دون إجراء مشاورات مسبقة محددة.

ترتيبات "الردع الموسع"

تعتمد اليابان على الأسلحة النووية الأميركية، لردع التهديدات المعاصرة. وضمن ترتيب أمني يُعرف بـ"الردع الموسع"، التزمت واشنطن باستخدام كامل قدراتها العسكرية، بما في ذلك النووية، للدفاع عن اليابان وحلفائها الآخرين.

إلا أن طوكيو بدأت في الأشهر الأخيرة باتخاذ موقف أكثر تشدداً بشأن استراتيجيتها الدفاعية، من خلال بناء "ردع أمني محلي" لمواجهة التحديات الإقليمية المحيطة بها.

وقال مسؤولان أميركيان لـ"رويترز" في أغسطس الماضي، إن طوكيو ناقشت مع واشنطن قضايا من بينها سيناريوهات دعم القوات العسكرية التقليدية اليابانية لنظيرتها الأميركية، في حال اندلاع "نزاع نووي أميركي صيني".

وشملت هذه النقاشات، بحسب المسؤولين، البحث في كيفية تمكين جهود اليابان المستمرة لامتلاك صواريخ جديدة بعيدة المدى تُعرف بـ"قدرات الضربة المضادة"، من استهداف منصات إطلاق العدو، بما يساهم في الردع أو في دعم "نزاع نووي محتمل".

وأضاف المسؤولان، أن الجانبين بحثا أيضاً "كيفية دعم أجهزة المراقبة والاستخبارات اليابانية للمهمة النووية الأميركية، ووضعا خارطة طريق لكيفية تنسيق الحكومتين والقوات المسلحة في حال وقوع طارئ نووي".

وقالت وزارة الدفاع اليابانية آنذاك، إن طوكيو والولايات المتحدة "تعملان على تعزيز الردع الموسع"، دون الخوض في مزيد من التفاصيل، فيما أكدت الخارجية الأميركية أن "التزامات الردع الموسع" التي تقدمها واشنطن لليابان وكوريا الجنوبية "راسخة ولا تقبل الشك".

وفي الوقت الراهن، يدرس مشرّعون من الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في اليابان، سبل تعزيز مصداقية المظلة النووية. وأشار هؤلاء إلى إمكانية مراجعة أو إعادة تفسير "المبادئ غير النووية" بما يسمح بدخول الأسلحة النووية الأميركية إلى الأراضي اليابانية، لافتين إلى أن هذه المبادئ غير منصوص عليها في تشريع قانوني ولا تتمتع بصفة الإلزام القانوني.

كوريا الشمالية على خط الأزمة

كوريا الشمالية بدورها، اعتبرت أن محاولة اليابان، التحول إلى دولة نووية يجب منعها، حسبما أفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية، الأحد.

وحسبما ذكرت الوكالة، فإن "اليابان كشفت عن طموحها للسعي إلى امتلاك أسلحة نووية، متجاوزة خطاً أحمر بالنسبة لدولة ارتكبت جرائم حرب"، وذلك نقلاً عن بيان صحافي أدلى به مدير معهد الدراسات اليابانية التابع لوزارة الخارجية الكورية الشمالية.

وقالت الوزارة إن اليابان تُجري مراجعة لسياساتها الأمنية والعسكرية، كما يتضح من تعزيز قدرتها على الضربة الاستباقية وتخفيف القيود المفروضة على تصدير الأسلحة وإعادة فحص المبادئ الثلاثة غير النووية.

وأضاف البيان: "هذه ليست زلة لسان، بل تعكس بشكل واضح طموح اليابان الراسخ منذ زمن طويل للتسلح النووي".

وتابع أن ذلك يشكل تحدياً علنياً لدستور اليابان، ولجميع القوانين الدولية التي تنص على واجبات الدولة المهزومة، في إشارة إلى خسارة اليابان في الحرب العالمية الثانية.

وجاء في البيان: "مثل هذه التصريحات المتهورة التي يطلقها مسؤول رفيع مكلف بتقديم توصيات بشأن السياسات الأمنية للحكومة، تثبت أن الأوساط السياسية اليابانية تحاول جاهدة امتلاك أسلحة نووية، وتُظهر بوضوح الطبيعة العدوانية والنزعة الحربية لليابان".

وأضاف أن "تاريخ العدوان الياباني يثبت بجلاء أنه إذا امتلكت اليابان أسلحة نووية، فإن الدول الآسيوية ستعاني معاناة شديدة، وستواجه البشرية كارثة كبرى"، مشدداً على أن "الشعوب المحبة للسلام ينبغي أن تتصدى بحزم للطموحات العسكرية اليابانية".

تصنيفات

قصص قد تهمك