ترمب والحرب والركود وأثر غزة والشيخوخة.. أوروبا أمام اختبارات صعبة في 2026

خبراء لـ"الشرق": الاتحاد الأوروبي يواجه خطر الانهيار ما لم يُجر إصلاحات في سياساته

time reading iconدقائق القراءة - 17
صورة منتجة بالذكاء الاصطناعي تعبر عن التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي في العام 2026. 25 ديسمبر 2025 - الشرق
صورة منتجة بالذكاء الاصطناعي تعبر عن التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي في العام 2026. 25 ديسمبر 2025 - الشرق
جنيف-دينا أبي صعب

لم تكن لحظات البناء الكبرى، مثل تأسيس الجماعة الأوروبية للفحم والصلب عام 1951 بعد الحرب العالمية الثانية، أو توقيع معاهدة "ماستريخت" عام 1992 عقب سقوط جدار برلين، سوى خيارات واعية لقادة أوروبيين قرروا المضي في مسار التوحد والتكامل.

لكن اليوم، يبدو أن الاتحاد ينجرف تحت وطأة فشل مؤسساتي عميق وانقسام داخلي قد يؤدي إلى احتمالات مختلفة، من بينها التفكك ونهاية حقبة الوحدة.

‎ويدخل الاتحاد الأوروبي العام 2026، وهو يواجه أزمة وجودية متعددة الأبعاد، لا تقتصر على ضغط خارجي واحد، كالحرب الروسية الاوكرانية أو سياسات الإدارة الأميركية الجديدة، بل تجمع أيضاً بين تحديات سياسية بنيوية، وركود اقتصادي حاد، وضعف عسكري متزايد، واختلال ديموغرافي خطير، وأزمة أخلاقية تقوض شرعية المشروع ذاته. كل هذه العناصر تُهدد مؤسسات الاتحاد من الداخل كما استقراره في الخارج.

ويؤكد تقرير "المخاطر العالمية للاتحاد الاوروبي في 2025" الذي أصدره المعهد الأوروبي للدراسات الأمنية هذا التشخيص المقلق، محذراً من "بيئة جيوسياسية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، تجمع تصاعد التوتر الأطلسي وضغوط الهجرة والركود الصناعي، وتراجع ثقة مخيف في المؤسسات الأوروبية".

وفي محاولة لاستشراف مستقبل الاتحاد الأوروبي في ضوء التحديات الكبرى التي يواجهها، تحدثت "الشرق" مع عدد من الخبراء والباحثين في المجال السياسي، لتفكيك عمق الأزمات التي تعيشها منظومة اليورو، وهي تدخل عامها الـ33.

ورأى المفكر البلجيكي والمستشار السابق للرئاسة الأوروبية مارك لويكس، وخبير الاقتصاد السياسي الإيطالي فرانسيسكو شيتينو من جامعة كامبانيا، أن التشخيص الجوهري للأزمة الاوروبية يُشير إلى أنها تتمثل في "قيادة سيئة للغاية"، حيث اعتبرا أنه "إذا واصل الاتحاد بالقيادة الحالية، فهو متجه حتماً نحو الانتحار والانهيار.. ولذلك علينا التخلص سريعاً من هذه القيادة".

وقال الخبيران إن تغيير منظومة القيادة في أوروبا يُعد امتداداً لحرب الرئيس الأميركي دونالد على ما يعرف بـ"الدولة العميقة"، ودعيا إلى التخلص من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والمستشار الالماني فريدريتش ميرتس، إضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وأطلقا عليهم وصف "عصابة الأربعة".

ويعتقد لويكس، مدعوماً بتحذير شيتينو، أن "الاتحاد الأوروبي ينهار بشدة بالفعل، ويواصل انحداره التدريجي منذ سنوات".

خلل البنية.. هيئات غير منتخبة تُقرر مصير الشعوب

في محاولة لتشخيص الخلل الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي، أوضح لويكس أن "جوهر المشكلة يكمن في البنية المؤسساتية نفسها، فالمفوضية الأوروبية كانت ضرورية في سبعينيات القرن العشرين، لكن بعد عقود تحولت إلى هيئة غير منتخبة تملك سلطة تشريعية وتنفيذية هائلة، مما أحدث خللاً بنيوياً يجعل البرلمان والمجلس أداة تنفيذية بلا مساءلة ديمقراطية حقيقية".

ودعا الخبير البلجيكي إلى إبرام "معاهدة أمستردام جديدة تعيد السلطة التشريعية إلى البرلمان، والتنفيذية إلى مجلس الوزراء، وتسعى لبناء وحدة تحترم التنوع، وتُدرك أولويات الأوروبيين والثقافة المشتركة".

بدوره، اتفق شيتينو مع هذا التحليل، وقال إن "القيادة الأوروبية هي انعكاس لأزمة أعمق في بنية النظام"، لافتاً إلى أن قادة مثل فون دير لاين وماكرون وميرتس، "يقفون على أرضية هشة جداً، حيث لا تتجاوز نسب تأييدهم أحياناً 10 إلى 15% مع معدلات عدم رضا تتجاوز 75 إلى 84%.

وتدعم هذا القول استطلاعات "Eurobarometer" لعام 2025، حيث رفض 54% من الأوروبيين توسيع صلاحيات المفوضية، واعتبر 61% أن السياسات الاقتصادية "لا تخدم مصالحهم".

وحذّر لويكس بوضوح من أن "انهيار الاتحاد بات وشيكاً، وربما يحصل بسرعة خلال أشهر قليلة"، مؤكداً أن "هذا التقييم القاتم ليس مبالغاً به بقدر ما هو استقراء لاتجاهات حقيقية تشهدها القارة، حيث أصبحت الفجوة بين النخب والشعوب هائلة".

الاقتصاد: من قوة صناعية إلى استهلاك بلا نفوذ

بعد 3 سنوات من الحرب الأوكرانية، لا يزال الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى رؤية استراتيجية موحدة، وهو ما أورده تقرير المعهد البريطاني الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) بعنوان "غياب التماسك" في دعم أوكرانيا، حيث أشار إلى أن كل دولة تُحدد مبررات خاصة بها، مما يعيق توفير الدعم المستدام، وهو ما دعا بعض الخبراء إلى دق ناقوس الخطر من اتخاذ "قرارات اقتصادية كارثية".

وقد وصف لويكس الانتقال إلى سياسات العسكرة بأنه "خطأ جيوسياسي فادح"، ذلك أن "الاتحاد الأوروبي يسير بعكس التيار المتجه نحو السلام الذي يقوده الرئيسان الأميركي والروسي"، والأسوأ، وفق رأيه، أن "الأوروبيين لا يملكون المال الكافي للإنفاق العسكري".

أما شيتينو، قال إن "أوروبا التي تقترب من عتبة 800 مليار يورو في الإنفاق على التسلح، وتستقطع هذه الأموال من الرفاه الاجتماعي والمدارس والمستشفيات"، محذراً من أن الاتحاد يندفع نحو "اقتصاد مسلح يستهلك طاقاته الداخلية لحماية أمن خارجي متوهم".

وبحسب تقرير الوكالة الأوروبية للدفاع (سبتمبر 2025)، بلغ الإنفاق 343 مليار يورو في 2024 (1.9% من الناتج الإجمالي)، وتوقع التقرير إنفاق 381 مليار في 2025، مع هدف تراكمي 800 مليار يورو عبر خطة "إعادة تسليح أوروبا 2030" بقروض إضافية.

وتتجه مساعي الاتحاد الأوروبي للإنفاق على التسليح بخط متواز، لكنه معاكس لمجموعة إجراءات اتخذت منذ اندلاع الحرب، وأدّت إلى الحد من القدرات المالية لمنظومة اليورو.

أوروبا والعقوبات الروسية

واعتبر لويكس أن "العقوبات على روسيا كانت وصفة للفشل، لأن الاتحاد، وعوضاً عن إضعاف الاقتصاد الروسي، أصاب اقتصاده باضرار جسيمة".

من جانبه، قال شيتينو إن الاتحاد الأوروبي غيّر سياسته الاقتصادية كلياً بعد 2022، منفصلاً عن الطاقة الروسية، وتابع: "عندما تدفع أسعاراً أعلى للنفط الذي يُشكل أساس كل اقتصاد حديث، فإنك تُغير جذور منظومتك، والنتائج واضحة: تراجع الناتج الألماني 0.2% في 2025 مع نمو ضعيف 1.3% متوقع في 2026، فيما تجاوزت خسائر التصدير 30 مليار يورو.. وبالتالي أوروبا، سياسياً، لا تستطيع الانفصال عن الولايات المتحدة، رغم أن من مصلحتها الاقتصادية التواصل مع آسيا ومبادرة الحزام والطريق".

وأضاف: "تبدو أوروبا، وسط هذا الواقع السياسي والاقتصادي، عالقة بين نموذجين متصارعين (الأميركي والآسيوي)، من دون وحدة سياسية أو اقتصادية داخلية، حيث من جهة، لا تريد الولايات المتحدة أبداً أن ترتبط أوروبا بالصين أو روسيا، ومن جهة أخرى، منطقة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية الكبيرة مهمة جداً للنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة".

ويتابع: "يمكننا القول إنهم (الأميركيون) يريدون أموال شعوبها (أوروبا)، لكن بدون مشكلة إدارة سياسية.. ادفعوا ولا تتدخلوا في التفكير".

موجة ترمب.. إعادة هيكلة أميركية وعزلة أوروبية

مع عودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية، واجه الاتحاد الاوروبي تحدياً جديداً ومعقداً يختلف في طبيعته عن السياسات السابقة.

وفي هذا الإطار، يشرح لويكس الديناميكية الجديدة: "برأيي، وجود شخصية قوية في البيت الأبيض يمكن أن يكون أمراً جيداً.. لا أقول إنه مثالي، لكن في نظري ترمب وبوتين يريدان صنع السلام، حيث يخوض الأول معركة ضد ما نسمّيه الدولة العميقة، أي شبكة من المصالح والأجهزة والمؤسسات الخفية التي تتحكم في القرار السياسي من وراء الستار، والوحيدون تقريباً الذين لا يقاتلونها اليوم هم بعض قادة أوروبا الحاليين".

وأضاف: "سمعنا مسؤولين أميركيين سابقين في الاستخبارات يقولون إن جهاز الاستخبارات المركزية القديم (CIA) كان يحمي العديد من السياسيين الأوروبيين البارزين، ويُعطل مسار التحقيقات والمحاكمات، أما الجيل الجديد من هذا الجهاز، فيقول إنه سيفعل العكس، وإن سقوطهم مجرد مسألة وقت، وقد تجد بعض الأسماء الأوروبية الكبرى نفسها مضطرة للمغادرة تحت ضغط سياسي أو قضائي".

ورأى لويكس أن "استراتيجيّة ترمب تقوم على إظهار سوء الإدارة الأوروبية الحالية"، وتابع: "حتى في عهد المفوضية السابقة لم نفهم فساد النظام المالي أو تدخل الدولة العميقة، بينما الآن يزداد الوعي، وأصبح الجمهور يُدرك أن الاستمرار على هذه الوتيرة بات مستحيلاً".

ويعتقد المستشار السابق للرئاسة الأوروبية أن الولايات المتحدة ستعيد ترتيب أولوياتها بشكل جذري، أما أوروبا فلن تكون على رأس قائمة الأولويات الأميركية.

في حين أن الأسوأ، بوجهة نظره، هو اتجاه ترمب لفرض سياسات حمائية واقتصادية قد تضر الاقتصاد الأوروبي بشكل مباشر، ولذلك "على أوروبا التوقّف عن خدمة أميركا والانتقال إلى عالم متعدّد الأقطاب".

أوروبا و"أميركا أولاً"

بدوره، يتفق شيتينو مع هذا التحليل، قائلاً إن "سياسة ترمب الاقتصادية والأمنية تركز على (أميركا أولاً)، وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي قد يفقد شراكته الأساسية مع واشنطن، ويضطر للبحث عن خيارات استراتيجية جديدة، لكنه يبقى ضرورياً كسوق استهلاكي ضخم".

والمعروف، أن ترمب لا يؤمن بالتحالفات التقليدية، إنما يُفضّل صفقات فردية مع كل دولة على حدة، وهذا قد يُفكك الإطار الأطلسي الذي بُنيت عليه أوروبا منذ  نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.

وفي حديثه لـ"الشرق"، أعاد لويكس التذكير بموقف ترمب الذي يطلب من أوروبا زيادة الإنفاق العسكري بشكل كبير، مهدداً بسحب القوات الأميركية من التراب الأوروبي. وقال: "هذا يضع أوروبا أمام معضلة: إما أن تستثمر مليارات إضافية في الدفاع، أو تقبل بضعفها الاستراتيجي".

أما شيتينو، فأشار إلى أن "وجود نزاع داخل القارة، كالحرب الروسية الأوكرانية، سيؤدي إلى تغييرات كبيرة، خصوصاً عندما يترك قادة أوروبا الكبار القيادة السياسية لرئيس دولة أخرى مثل الولايات المتحدة، وهنا أتساءل: هل يتذكر الناس ما قاله رئيس إيطاليا أو فرنسا عن الحرب؟ لا أحد يعرف بالطبع، لكن الجميع يعرف ما قاله ترمب، وقد نفذنا تماماً ما قرره هو".

وفي تصريحات خلال وقت سابق هذا الشهر، قال الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته: "يجب أن نخبر مواطني أوروبا أن عليهم أن يعانوا كما عانى أجدادهم! فقد خاضت جدتي حربين عالميتين، وتوفي جديّ وجدتي في الحرب العالمية الثانية، لذلك أعرف جيداً ولا أريد أن يتكرر ذلك.. فهل من يتساءل: من يقول إنه يتوجب علينا أن نعاني؟ ترمب أم ديمقراطيتنا؟.. هذا هو السؤال".

على الصعيد الاقتصادي، حذّر لويكس من أن "إدارة ترمب تُهدد بفرض رسوم جمركية على الواردات الأوروبية، وقد تنسحب من الاتفاقيات التجارية، وهذا سيضر الاقتصاد الأوروبي أكثر، خاصة ألمانيا التي تعتمد على التصدير"، مشدداً على أن "الاتحاد الأوروبي مضطر للتفكير في استقلاليته الاقتصادية والأمنية، لكنه لا يمتلك الموارد ولا الإرادة السياسية لفعل ذلك الآن".

ورأى لويكس أن "حرب ترمب على (الدولة العميقة) الأميركية قد تخلق فوضى في التحالف الأطلسي، وإذا بدأت الولايات المتحدة بإعادة هيكلة نفسها، فقد لا تكون قادرة على الاستثمار في الأمن الأوروبي كما كانت من قبل".

ويضيف: "أوروبا لم تتهيأ لهذا السيناريو، فالنخب السياسية الأوروبية كانت تأمل بحكومة أميركية أكثر تقليدية، لكنها تواجه الآن إدارة بقرارات متسرعة وحمائية".

الديمقراطية تتآكل.. الشعبوية مرآة للغضب الشعبي

وتُشير بيانات منظمة الشفافية الدولية (مؤشر الفساد 2024) إلى تراجع تاريخي في نزاهة حكومات غرب أوروبا لأول مرة منذ عقد، حيث انخفض المتوسط من 74 إلى 72 درجة من أصل 100.

وأظهر المؤشر تراجع فرنسا 3 نقاط إلى 67، وإسبانيا إلى 60 نقطة، بينما استقرت إيطاليا عند 56 نقطة منخفضة نسبياً. ويعكس هذا التراجع "تآكلاً ناجماً عن فضائح مالية، وتداخل مصالح بين السياسة والشركات، وضعف الرقابة، مما يؤثر سلباً على الثقة بالمؤسسات".

وإلى جانب ذلك، سجّلت انتخابات البرلمان الأوروبي (يونيو 2024) أدنى نسبة مشاركة تاريخية عند 48.1% مقارنة بـ50.7% في 2019. ويعكس هذا الانهيار "فجوة تمثيلية"، أي فقدان الثقة في قدرة المؤسسات على تمثيل المواطنين، الأمر الذي يؤدي إلى صعود التيارات الشعبوية كبديل للنظام التقليدي غير الشفاف.

وحول الظاهرة، قال شيتينو: "ما يتغير بسرعة هو مفهوم الديمقراطية ذاته، فأوروبا تشهد نزوحاً للطبقة الوسطى، الناس يعملون ساعات طويلة ومع ذلك يعيشون في فقر"، لافتاً إلى أن صعود الشعبوية جاء "نتيجة غضب الناس من البيروقراطية الأوروبية وتراجع الأجور منذ اعتماد اليورو".

وأضاف: "اليسار عاجز عن تقديم بديل لأن الديمقراطيين الاجتماعيين يقبلون بسياسات الاتحاد نفسها".

وفي حديثه لـ"الشرق"، أوضح خبير الاقتصاد السياسي الإيطالي أن "تأثير النموذج الشعبوي الأميركي الذي أوصل ترمب للسلطة قائم فعلاً في أوروبا، لأن اليمين يملك المال والدعم الإعلامي والتكنولوجي.. وأشخاص مثل ستيف بانون، المستشار السابق لترمب، أو الملياردير الأميركي إيلون ماسك يستخدمون أدوات الدعاية الرقمية لتغيير عقول الناس ببطء، والسيطرة السياسية على وعي الجماهير".

من جانبه، رأى لويكس أن "الإعلام الرسمي يصف أحزاباً بأنها (يمين متطرف)، بينما هي في الواقع أحزاب وسط ترفض أن تُفرض عليها أوامر هيئة غير منتخبة وتطّلع لتلبية مصالح شعوبها".

الأزمة الديموغرافية: نزوح الشباب وشيخوخة القارة

ولعلّ من أهم التحديات في العقد المقبل بالنسبة للقارة الأوروبية، وفقاً لشيتينو، هي الهجرة، حيث أشار إلى أن إيطاليا مثلاً، لديها 100 إلى 150 ألف مهاجر خلال 2024.

وتابع: "نحن أمام شيخوخة سكانية.. نحتاج إلى تعويض النقص بجذب عائلات مهاجرة، نحتاج إلى الأطفال لضمان مستقبل القارة، لا فقط إلى اليد العاملة".

وبحسب معهد الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبي "Eurostat"، سُجل 2.7 مليون مهاجر خارج الاتحاد في 2022 (منهم مليون خارج أوروبا كلياً)، مع توقع ارتفاع الرقم إلى 3 ملايين (زيادة 10%)، خاصة ما يسمى "هجرة الشباب المتعلم" من إيطاليا وإسبانيا وبولندا.

وحذّر "Eurostat" من شيخوخة سكانية غير مسبوقة"، لافتاً إلى أن نسبة السن فوق 65 عاماً بلغت 21.6% (الأعلى تاريخياً)، ويتوقع الخبراء نقص 35 مليون عامل بحلول 2040، مما يستدعي "هجرة اندماج مدروسة" للحفاظ على الإنتاجية.

الأزمة الأخلاقية: أثر غزة

الخبير السياسي البلجيكي مارك لويكس تحدث لـ"الشرق" عما أسماه "أزمة أخلاقية عميقة" حول كيفية تعامل أوروبا مع الأزمات الإنسانية، خاصة بعد حرب غزة".

وقال: "أوروبا بنت نفسها بعد الحرب العالمية الثانية على أساس أن الكوارث الإنسانية لن تعود مجدداً، لكن اليوم نشهد صمتاً أوروبياً أمام معاناة إنسانية.. وهذا ينسف المرتكزات الأخلاقية للمشروع الأوروبي".

بدوره رأى شيتينو أن الاتحاد الاوروبي "خسر شرعيته الأخلاقية"، وأضاف: "عندما يرى الناس أن أوروبا تدعم حروباً أو تغض الطرف عن انتهاكات، مثلما حصل في غزة، تفقد المؤسسات الأوروبية مصداقيتها، حيث تتطلب استعادة الشرعية الأخلاقية موقفاً أوروبياً واضحاً لصالح الحق الإنساني، بغض النظر عن المصالح الجيوسياسية".

واعتبر شيتينو أن "هذا الفراغ الأخلاقي يزيد من تآكل الثقة بالمؤسسات الأوروبية".

عقد جديد أم انهيار تدريجي؟

وبينما تستعد منظومة اليورو لدخول عام 2026 محملة بأعباء وتحديات على كافة المستويات، يعتقد لويكس، الذي ساهم في وضع سياسات الاتحاد والعملة الأوروبية الموحدة في تسعينيات القرن الماضي، أن "النموذج الأوروبي يتجه نحو الانهيار خلال أشهر معدودة".

ولتفادي مثل هذا المصير، يشدد على ضرورة "وضع عقد جديد، أو معاهدة أمستردام جديدة أو حتى التفكير بتغيير كلي، كالانتقال إلى ما يشبه النظام السويسري الكونفدرالي بشكل يضمن استمرارية الوحدة مع الحفاظ على تنوعها".

من جانبه، رأى شيتينو أنه "يجب الاستماع إلى إرادة الشعوب الأوروبية، ووقف الحرب أولاً، ثم فرض ضرائب تصاعدية، وإعادة توزيع الثروة، وتأميم القطاعات الاستراتيجية".

واعتبر أنه "بدون تحقيق هذه الإصلاحات، ستستمر الطبقة الوسطى بالاختفاء، والغضب الشعبي سيتصاعد بشكل لا يمكن السيطرة عليه".

ولخّص لويكس المشهد بالقول إن "الأمور تتغير في فلسطين وإيران وأوكرانيا والولايات المتحدة وروسيا، لكن في أوروبا تحل المشاكل بالوسائل الخاطئة"، في حين حذّر شيتينو من أن "عدم تغيّر المسار بسرعة، سيقود مستقبل هذه القارة إلى مصير أسوأ بكثير".

تصنيفات

قصص قد تهمك