
أفادت مجلة "فورين بوليسي"، الجمعة، بأن الأمم المتحدة تستعد لإعادة موظفيها إلى أفغانستان، لإدارة ما يتوقع أن يكون أكبر جهود للإغاثة الإنسانية، بينما يواصل الآلاف نزوحهم من البلاد، بعد استيلاء حركة طالبان على الحكم.
وأثار القرار القلق بين بعض ممثلي الأمم المتحدة، من موظفين دوليين وأفغان، ممن يخشون على حياتهم، وسط صراع لتأمين ممر آمن إلى خارج البلاد. فيما وصف مسؤول أممي مطلع على الخطة، القرار بأنه "غير عقلاني تماماً"، وفق ما نقلت "فورين بوليسي".
وأضافت المجلة أن الخطوة تأتي في وقت تواجه الأمم المتحدة ضغوطًا متزايدة من القوى الرئيسية، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وباكستان، التي أقامت بالفعل جسرًا جويًا بين إسلام أباد وكابول، وذلك لاستئناف العمليات الإنسانية في أفغانستان، وهو ما يعكس القلق الدولي بشأن تلبية الاحتياجات الأساسية للأفغان.
ونقلت "فورين بوليسي" عن المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، ليام مكدوال، أن "أرواح العديد من الأفغان معرضة للخطر". مشيرة إلى "أن الأمم المتحدة ستبذل كل ما في وسعها لإنقاذ الأرواح في أفغانستان، وحماية وسلامة موظفيها".
وأوضح ماكدويل أنه "في الأشهر القليلة الماضية، شهدت أفغانستان اضطرابات جماعية مع تصاعد الصراع الذي أودى بحياة مئات المدنيين وأصاب الآلاف. إن الأمم المتحدة قامت بحماية جميع موظفيها طوال هذه الفترة المضطربة، ونحن مصممون على الاستمرار في ذلك، بينما نتطلع إلى زيادة المساعدة لملايين الأفغان الأكثر ضعفًا الذين هم في أمس الحاجة إلى مساعدة العالم في الوقت الحالي".
أزمة إنسانية.. أم مخاطرة؟
وأظهرت وثائق أممية حصلت عليها "فورين بوليسي"، هشاشة الوضع الأمني بالنسبة لمسؤولي وموظفي الأمم المتحدة، في ظل سيطرة طالبان على مقاليد الحكم في البلاد. وحذرت الوثائق المسؤولين العاملين في أفغانستان من القيام بأي "تحركات مفاجئة" إذا داهم مسلحو طالبان منازلهم، كما تلقى العاملون الأمميون تعليمات بشأن التخلص من الوثائق الحساسة.
وقالت المجلة، إن قرار الأمم المتحدة بإعادة موظفيها إلى خط المواجهة، يعكس معضلة كبيرة تواجهها المنظمة الأممية، فهي أمام إما المخاطرة بحياة موظفيها من خلال البقاء في البلاد، أو المخاطرة بتفاقم أزمة إنسانية رهيبة من خلال الانسحاب.
ونقلت عن مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، لويس شاربونو القول: "تريد منظمة الأمم المتحدة أن يكون لها عيون وآذان على الأرض، في ما يتعلق بحقوق الإنسان، خصوصاً النساء والأطفال، نظراً لسجل طالبان السيئ"، في ذلك الأمر.
والخميس، طلب رامز الأكبروف، نائب الممثل الخاص ومنسق الشؤون الإنسانية في أفغانستان، وهو أعلى ممثل أممي موجود في الميدان، من الأمم المتحدة الإذن بعودة الموظفين الدوليين والوطنيين الأساسيين إلى عدة مدن تم إجلاؤها في الأسابيع الأخيرة، مشيراً إلى تضاؤل احتمالات الاشتباكات المسلحة بين طالبان وفلول قوات الأمن الوطني الأفغانية، وفقاً لمذكرة حصلت عليها "فورين بوليسي".
وكتب الأكبروف إلى جيلز ميشود، وكيل الأمين العام ورئيس إدارة شؤون السلامة والأمن بالأمم المتحدة، مذكرة تقول إن "مستويات المخاطر الأمنية الحالية والمتوقعة مرتفعة لجميع المناطق" في أفغانستان.
وقال الأكبروف: "بينما لا يزال الوضع متقلباً في أفغانستان، فإن وقوع اشتباكات مسلحة بين طالبان والقوات الأفغانية أصبحت قليلة. برجاء الموافقة على عودة موظفي الأمم المتحدة إلى مدن باميان، وهرات، وقندهار، وميمانا، ونيلي، بمجرد تنفيذ الترتيبات الأمنية اللازمة".
وبحسب "فورين بوليسي" فإن طلب الأكبروف، جاء بعد أيام من مذكرة رئيس الأمم المتحدة أنتونيو جوتيريش، التي أرسلها إلى البعثة الأممية في كابول، نهاية أغسطس الماضي، سلّط فيها الضوء على "الحاجة إلى مواصلة العمل في أفغانستان على الرغم من المخاطر".
في سياق متصل، تناقش المنظمات الإنسانية العاملة في أفغانستان، ما إذا كانت ستبقي على موظفيها في البلاد وسط مخاوف بشأن "انتقام طالبان"، وفق ما قالته فورين بوليسي.
قال جوليان شوب، نائب رئيس منظمة "إنتر أكشن"، وهو تحالف للمنظمات غير الحكومية التي تدعم العمل الإنساني: "فيما يتعلق بالوضع الأمني، كان هشاً للغاية قبل انهيار الحكومة. كانت أفغانستان في السنوات العشر الماضية واحدة من أكثر 3 بيئات خطورة في العالم على عمال الإغاثة".
وكانت الأمم المتحدة سحبت موظفيها من المدن والبلدات المعرضة لهجمات طالبان. وفي 19 يونيو الماضي، أمرت الأمم المتحدة بالإجلاء الكامل للموظفين من مدينة ميمنة في شمال أفغانستان.
ونصحت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، ديبورا ليونز العاملين الأممين في كابول "باتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة، والبقاء في المنزل والامتناع عن التحركات خارجه إلا في الضرورة" وفق ما قالت في مذكرة أممية حصلت عليها فورين بوليسي.
وأظهرت إحدى الوثائق الأممية للأمن الداخلي، مخاوف مسؤولي الأمم المتحدة بشأن الاستيلاء السريع لطالبان على السلطة، وتعليمات مفصلة عن كيفية القضاء على الوثائق الأممية الحساسة، وكيفية التعامل مع مقاتلي طالبان.
وذكر متحدث باسم المنسق الأممي للشؤون الإنسانية لمجلة "فورين بوليسي"، أنه كان لدى الأمم المتحدة قبل انهيار الحكومة 300 موظف دولي وأكثر من 3 آلاف موظف أفغاني، ويبلغ إجمالي عدد الموظفين الأفغان وعائلاتهم نحو 16 ألف شخص.
18 مليون أفغاني بحاجة إلى المساعدات
ويعتمد 18 مليون أفغاني (نصف السكان) على المساعدات الإنسانية، فيما يعاني نحو الثلث من انعدام الأمن الغذائي في أي وقت، ومن المتوقع أن يؤثر سوء التغذية على أكثر من نصف الأطفال دون سن الخامسة خلال العام المقبل، وفقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة.
ومن الممكن أن تزداد هذه الأرقام بشكل حاد في ظل حكم طالبان، حيث لا يزال من غير الواضح ما إذا كان بإمكان الحركة استعادة الخدمات الأساسية في البلاد أثناء محاولتها تشكيل حكومة جديدة. وحتى الآن، ليس لدى حكام طالبان المؤقتين أي ضمانات بأن المجتمع الدولي سيعود مرة أخرى إلى سيل المساعدات، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والتي دعمت البلاد على مدى عقدين من الزمن.
من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الخميس، إن الولايات المتحدة "ستظل ثابتة في التزامها بتقديم المساعدة الإنسانية لشعب أفغانستان، لكنها ستراجع جميع أشكال المساعدة الثنائية الأخرى بينما تنتظر لترى ما إذا كانت طالبان تفي بوعودها، وتشكيل حكومة شاملة تحترم حقوق الإنسان".
وأعلن جوتيريش أنه أصدر "نداءً عاجلاً" للتمويل والمساعدات الإنسانية من المانحين الدوليين. وقال: "إنني أحث جميع الدول الأعضاء على العمل من أجل شعب أفغانستان في أحلك أوقات الحاجة".
وقدّر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أن الأمم المتحدة وشركاءها بحاجة إلى 1.3 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية لأفغانستان، لكنها لم تتلق سوى 39% من هذا التمويل حتى الآن، بحسب فورين بوليسي.