
أثار مقالان متباينان لمعلقَين صينيين، بشأن حملة تنظيمية يشنّها الحزب الشيوعي الحاكم على قطاعات اقتصادية، نقاشاً عاماً أوسع حول المسار الذي تسلكه البلاد، وإمكانية أن تعاني اضطرابات لم تشهدها منذ الثورة الثقافية التي أطلقها الزعيم الراحل ماو تسي تونج، كما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وأعادت وسائل إعلام رسمية أساسية في الصين الأسبوع الماضي، نشر مقال صاغه لي غوانجمان، وهو رئيس تحرير متقاعد لصحيفة رسمية، أشاد بالحملة التنظيمية التي تشنّها بكين وتطال قطاعات التكنولوجيا والتعليم والترفيه، ووصفها بأنها "ثورة عميقة".
المقال الذي نُشر بشكل واسع عبر الإنترنت، أثار مخاوف من أن الصين تناقش استحضار "فصل مظلم من تاريخها المضطرب"، كما ذكرت الصحيفة.
ودفع ذلك هو شيجين، رئيس تحرير صحيفة "غلوبال تايمز" القومية، وأحد أبرز مروّجي فكر الحزب الشيوعي، إلى دحض ما ورد في المقال، معتبراً أنه سوء تفسير لاتجاه الحزب، مشدداً على أن لا مبرر لإسقاط النظام الحالي.
ورجّحت "وول ستريت جورنال" أن تكون مكانة هو شيجين في جهاز الدعاية بالصين، ومعارضته للمقال الأول، الذي اعتبره مضللاً، توجّهان إشارات اعتدال، بعد المخاوف التي أثارها ذاك المقال.
ومع ذلك، فقد نشر هو شيجين تعليقه على حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، لا من خلال "غلوبال تايمز"، كما يفعل عادة. وأقدمت منصة "وي تشات" بشكل وجيز، على منع مشاركة منشور هو شيجين، ما يشير إلى اعتباره مثيراً للجدل.
وعلّق أحدهم، بعد قراءته تعليق هو شيجين، مشيراً إلى تشابهه مع مقال نُشر في عام 1965، ويُعتبر بشكل واسع مُطلِق الثورة الثقافية في الصين.
صناعة الترفيه "الفاسدة"
لكن وو تشيانج، وهو محلل سياسي مستقل ومحاضر سابق في العلوم السياسية بجامعة تسينغهوا للنخبة في بكين، رأى أن المخاوف بشأن استعادة ظروف مشابهة للثورة الثقافية، تصرف الانتباه عن تراجع اعتبره أكثر أهمية، عن مجتمع أقلّ خضوعاً للسيطرة، بدأ بعد تسلّم الرئيس شي جين بينج الحكم قبل عقد.
وشكّلت الثورة الثقافية، التي دامت نحو عقد وانتهت بالتزامن مع وفاة ماو تسي تونج، حقبة مضطربة في الصين، إذ شهدت إدانات جماعية منتظمة، كما أُرسِل شبان من مدن إلى مناطق ريفية، لإعادة تأهيلهم.
في الأسبوع الماضي، حظرت الصين تصنيف المشاهير باسمهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وفرضت غرامة ضريبية ضخمة على نجم بارز في البلاد، بالتزامن مع نشر افتتاحيات تحضّ على الابتعاد عما سمّته ثقافة "عبادة المشاهير".
وتنبّهت تشاو وي، وهي إحدى الممثلات الأكثر شهرة في الصين وسيدة أعمال ثرية، إلى حذف اسمها من مقالات على الإنترنت بشأن أفلام وعروض أدّت دور البطولة فيها، من دون توضيح السبب.
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن هذه الإجراءات العقابية دفعت لي جوانجمان إلى صوغ مقاله، الذي بدأ بهجوم على صناعة الترفيه "الفاسدة"، قبل التوسّع ليشمل علاقات معروفة لتشاو وي مع جاك ما، مؤسّس مجموعة "علي بابا".
"ثورة عميقة"
ووصف مقال لي جوانجمان، نُشر على مدوّنة شخصية، الحملة التي تستهدف جاك ما ومالكين آخرين لشركات التكنولوجيا العملاقة، بأنها جزء من "ثورة عميقة" تشهدها قطاعات الصناعة والمال والثقافة والسياسة في الصين. واعتبر أن "التحوّل سيزيل كل الغبار"، بما في ذلك الرأسماليون ورموز ثقافية "مبتذلة". وتحدث عن "عودة اللون الأحمر" بملمح ماوي.
وأعادت المواقع الإلكترونية لوسائل إعلام رسمية أساسية، بما في ذلك وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) و"جلوبال تايمز"، نشر مقال لي جوانجمان، في خطوة رأى صحافيون صينيون مخضرمون أنها لا يمكن أن تحدث إلا بقرار من مسؤولي الدعاية في البلاد.
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن وسائل الإعلام الرسمية حرّرت جزءاً من مقال لي جوانجمان، إذ لم تنشر وصفه تشاو وي وممثلة أخرى بأنهما "ورمان سامان" في المجتمع، كما اتهم شركات صينية كانت محظية سابقاً، مثل "ديدي" و"أنت جروب" المملوكة لجاك ما، بأنها تعمل لحساب أجانب وتعارض الشعب.
ورغم حذف هذه الفقرة، أثار المقال مخاوف لدى صينيين يخشون عودة عدم الاستقرار، إذ اعتبر بعضهم أنه يثير "قشعريرة في الأبدان"، على منصة "ويبو" الشبيهة بـ "تويتر" في الصين.
هدف "الترهيب"
ورأى وو تشيانغ أن نشر المقال حقق الهدف المنشود، لافتاً إلى أن استحضار ذكريات الثورة الثقافية سيجعل روّاد الأعمال أكثر استعداداً للامتثال لما تريده السلطات، والمثقفين أكثر ميلاً إلى التزام الصمت، وزاد أنه "كان يستهدف الترهيب".
وأقرّ هو شيجين بهذا التأثير السلبي، وكتب: "هذه اللغة ستثير ذكريات تاريخية وتشيع فوضى في العقول وذعراً لدى الناس". لكنه حصر خلافه مع لي جوانجمان في خطاب الثورة، لا بشأن شرعية الحملات التي يشنّها النظام، والتي لم يعترض عليها. وكتب أن التغييرات التنظيمية تستهدف تصحيح النموّ غير المنضبط لرأس المال، مضيفاً: "على الصين مواصلة تحسين الذات بطريقة قوية وثابتة.. الصين لن تبدّل سياساتها في الإصلاح والانفتاح. لا تصدّقوا أيّ تفسير متطرف للإجراءات التنظيمية للدولة".
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن المقالين شجّعا "الرخاء المشترك"، وهو شعار يروّج لمحاولات الحزب الشيوعي لتوزيع الفرص والثروة في المجتمع بشكل أفضل. وفي هذا السياق، أعلنت "علي بابا" أنها ستنفق 15.5 مليار دولار في السنوات المقبلة، لمساعدة الفئات المهمشة.
اقرأ أيضاً: