
قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأربعاء، إن واشنطن تبحث سبل ضمان احترام حكومة طالبان الجديدة لالتزاماتها، وألا تُستخدم أفغانستان "كقاعدة لهجمات إرهابية"، نافياً علمه الشخصي أو مساعدة بلاده للرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، في الفرار من البلاد.
جاء ذلك خلال مقابلة أجرتها معه قناة "طلوع نيوز" الأفغانية من العاصمة القطرية الدوحة، ونشرتها وزارة الخارجية الأميركية على موقعها الإلكتروني، تطرّق خلالها إلى عدة قضايا أثيرت مع انسحاب القوات الدولية من أفغانستان.
واعتبر بلينكن، أن اعتراف بلاده بحكومة تقودها حركة طالبان في أفغانستان، يعتمد بشكل كامل على تصرفاتها، ومدى التزامها بحقوق الشعب الأفغاني.
وأضاف، "سنرى من خلال أفعالها ما إذا كانت ستصحح المسار بشأن أي من حوادث السلوك التعسفي، سيكون هذا مهماً للغاية.. لكن لدينا التزاماً دائما تجاه الشعب الأفغاني، وكذلك العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، ونحن نعمل معاً ونبحث عن طرق لضمان هذا الالتزام دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً من خلال المساعدة".
إنهاء الحرب
ورداً على سؤال عن الطريقة التي أنهت بها الولايات المتحدة حربها في أفغانستان، بعد أن أزهقت الحرب آلاف الأرواح وكلفت تريليونات الدولارات على مدار عقدين، قال بلينكن: "أولاً، علينا أن نبدأ بسبب ذهابنا إلى أفغانستان في المقام الأول، وكان ذلك بعد 11 سبتمبر للتعامل مع أولئك الذين هاجمونا، وللتأكد بأقصى ما في وسعنا من منعهم من فعل هذا مجدداً من أفغانستان".
وأضاف: "كان هذا الجهد ناجحاً إلى حد كبير، أسامة بن لادن طالته يد العدالة قبل عقد، وتراجعت قدرة تنظيم القاعدة، كتنظيم لديه القدرة على مهاجمتنا أو مهاجمة أي شخص آخر من أفغانستان، بشكل كبير، وبناءً على الشروط التي وضعناها لأنفسنا بعد 11 سبتمبر، حققنا ما شرعنا في تحقيقه".
وبسؤاله عن سبب سير الأمور على هذا النحو بعودة سيطرة طالبان، أجاب بلينكن، "أعتقد، مرة أخرى، أن هذا سؤال يعود إلى سنوات عديدة، لقد رأينا طالبان على مدى سنوات عديدة تواصل محاولة تأكيد سلطتها على أجزاء مختلفة من أفغانستان، وحتى في السنوات الست أو السبع الماضية، تراجعت سيطرة الحكومة على أفغانستان من نحو 60% من السكان إلى 40%".
وبرر بلينكن سبب الانهيار السريع للحكومة الأفغانية بالتزامن مع انسحاب القوات الدولية بقوله، "الكثير من الأفغان في قوات الأمن تصرفوا بشجاعة لا تصدق وتضحيات هائلة وفُقد الكثير منهم، وانهار الجيش كمؤسسة وهربت الحكومة في نهاية المطاف، وحدث كل ذلك في فترة زمنية قصيرة للغاية، وكان لذلك تأثير عميق".
جهود الإجلاء
وقال بلينكن، رداً على سؤال بشأن شعور كثير من الأفغان بأن الولايات المتحدة خذلتهم، "كانت جهود الإجلاء غير عادية، وتم إجلاء ما يقرب من 125 ألف شخص في فترة زمنية قصيرة جداً في ظل ظروف صعبة للغاية، بما في ذلك التهديد الذي يشكله تنظيم داعش، والوضع في المطار نفسه".
وأضاف، "وعندما تعلق الأمر بالمواطنين الأميركيين في أفغانستان، قمنا بإجلاء ما يقرب من 6 آلاف شخص تقريباً، ولا يزال هناك عدداً قليلاً ممن يبدو أنهم ما زالوا يرغبون في المغادرة، ونحن ملتزمون تماماً بمساعدتهم على القيام بذلك، بجانب الأفغان الآخرين الذين عملوا معنا على مر السنين والذين قد يكونوا في خطر".
هروب غني
وعندما سُئل بلينكن، هل ساعد الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني على الفرار من البلاد؟ أجاب: "لا"، كما نفى علمه بذلك، قائلاً: "كنت على الهاتف مع الرئيس غني في الليلة التي سبقت فراره من البلاد، وكنا نتحدث عن العمل الذي كان يجري في الدوحة بشأن نقل السلطة".
وأضاف أن الرئيس غني، أبلغه بأنه "كان مستعداً للقتال حتى الموت، لكنه في أقل من 24 ساعة، غادر أفغانستان، لذا، بالتأكيد لم أكن أعرف شيئاً عن ذلك، وبالتأكيد لم نفعل شيئاً لتسهيله".
وفي تعليق على تقارير، زعمت أن غني أخذ معه ملايين الدولارات، ومعرفته بهذا الأمر، قال بلينكن: "لا أعرف، ما أعرفه هو أنه غادر البلاد، ومرة أخرى، وفي فترة زمنية قصيرة جداً".
ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة، على اتصال مع المقاتلين المعارضين لطالبان في بنجشير وأماكن أخرى، قال بلينكن: "ينصب تركيزنا الآن على العمل مع المجتمع الدولي لوضع توقعات واضحة للحكومة في أفغانستان، ولإبلاغ هذه التوقعات إلى الحكومة والعمل على هذا الأساس".
الاعتراف بطالبان
ورداً على سؤال بشأن اعتراف الولايات المتحدة بطالبان، بعد أن تركت لها السيطرة على أفغانستان، قال بلينكن، "تقول طالبان إنها تسعى للحصول على الشرعية الدولية والدعم الدولي. وهذا سيعتمد كلياً على ما تفعله، وليس فقط على ما تقوله".
وأضاف، "سيعتمد مسار علاقتها بنا ومع بقية العالم على أفعالها، الآن قدمت طالبان سلسلة من الالتزامات، علناً وسراً، بما في ذلك ما يتعلق بحرية السفر، وفي ما يتعلق بمكافحة الإرهاب وعدم السماح باستخدام أفغانستان كنقطة انطلاق للإرهاب الموجه إلينا أو ضد أي شخص آخر، بما في ذلك التمسك بالحقوق الأساسية للشعب الأفغاني، لتشمل النساء والفتيات والأقليات، وعلى بعض الاستيعاب لأطياف المجتمع في الحكومة، وتجنب الأعمال الانتقامية. وهذه التزامات مهمة للغاية".
وتابع، "بالنسبة لنا والعديد من البلدان حول العالم، فإن طبيعة العلاقة مع الحكومة في المستقبل ستعتمد على الإجراءات التي تتخذها".
تصحيح المسار
وقال بلينكن، "سنرى من خلال أفعالها ما إذا كانت ستصحح المسار بشأن أي من حوادث السلوك التعسفي، سيكون هذا مهماً للغاية.. لكن لدينا التزاما دائما تجاه الشعب الأفغاني، وكذلك العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم. ونحن نعمل معاً ونبحث عن طرق لضمان هذا الالتزام دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً من خلال المساعدة".
وتابع، "كل هذه الأشياء تظل تحت تصرفنا إلى حد كبير، وكل تلك الأشياء التي نستخدمها بالتنسيق مع البلدان الأخرى لمواصلة دعم الناس في جميع أنحاء أفغانستان".
وقال، "أعتقد أن الناس في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أفغانستان، لديهم رغبات وطموحات أساسية، وآمال، بما في ذلك العيش بحرية، لا أعتقد أن هذا أمر فريد بالنسبة لنا أو لأي شخص آخر، أعتقد أن هذا طموح بشري أساسي.. وآمل أن تحافظ الحكومة المستقبلية في أفغانستان على تلك الحقوق الأساسية، وإذا كان الأمر كذلك، فهذه حكومة يمكننا العمل معها، وإذا لم يحدث ذلك، فلن نفعل ذلك".
شرعية طالبان
في سياق متصل، شدد بلينكن على ضرورة أن "تكتسب حركة طالبان شرعيتها من المجتمع الدولي، بعدما شكلت حكومة تضمّ شخصيات مطلوبة من جانب السلطات الأميركية".
وأكد بلينكن خلال مؤتمر صحافي عقده في القاعدة الأميركية في رامشتاين بألمانيا، أن الحكومة الانتقالية الأفغانية "تتألف حصراً من عناصر في حركة طالبان ومن متعاونين مقربين منها (...) نحن قلقون أيضاً بسبب انتماءات وسوابق بعض من هؤلاء الأشخاص" المدرجة أسماؤهم على لائحة عقوبات الأمم المتحدة، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".
الردّ على طالبان
وترأس بلينكن ونظيره الألماني هايكو ماس اجتماعاً وزارياً عبر الانترنت شاركت فيه 20 دولة لتنسيق الردّ الدولي على طالبان.
وقال بلينكن، "ناقشنا الطريقة التي سنضمن من خلالها أن تحترم طالبان التزاماتها وموجباتها، السماح للناس بالسفر بحرية احتراماً لحقوقهم الأساسية بما في ذلك النساء والأقليات، الحرص على ألا تُستخدم أفغانستان كقاعدة لهجمات إرهابية، عدم الانتقام من أولئك الذين اختاروا البقاء في أفغانستان".
من جانبه، شدّد هايكو ماس على ضرورة تقديم "مساعدة إنسانية" سريعة للسكان، ودعا طالبان إلى السماح للأمم المتحدة بالوصول إلى البلاد.
وقال الوزير الألماني، إن "إعادة فتح مطار كابول ستكون خطوة في هذا الاتجاه، إنها محطة مهمة جداً، نأمل في أن تُتوّج قريباً بالنجاح".
استئناف الرحلات
بدوره، أكد بلينكن أن الولايات المتحدة تفعل "كل ما في وسعها" لاستئناف رحلات الإجلاء من أفغانستان، واتّهم طالبان بمنع الرحلات من المغادرة بذريعة أن بعض الركاب ليس لديهم وثائق سفر قانونية.
وتقدّر الولايات المتحدة عدد المواطنين الأميركيين الذين لا يزال ينبغي إجلاؤهم من أفغانستان بنحو 100، إضافة إلى نحو 1000متعاون سابق مع الجيش الأميركي الذين يخشون تعرّضهم للانتقام من جانب طالبان.
وتمكّنت الولايات المتحدة من إجلاء أكثر من 120 ألف مواطن أميركي وأفغاني وأجنبي جواً منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة في 15 أغسطس الماضي، لكنهم تركوا وراءهم المئات.
ومع عدم وجود عسكري منذ نهاية أغسطس، اضطر الأميركيون للاعتماد على حسن نية طالبان للسماح بعمليات الإجلاء.
لمتابعة آخر مستجدات الأحداث في أفغانستان: