كرّست مسيرة نظمها انفصاليو كاتالونيا السبت، انقساماً في حراكهم، يُرجّح أن يطغى على الحوار المرتقب مع الحكومة المركزية في مدريد.
وإذا كان يوم 11 سبتمبر مقترناً بالهجمات التي شهدتها الولايات المتحدة في عام 2001، وباستيلاء الجنرال أوغوستو بينوشيه على السلطة في تشيلي، في عام 1973، فإنه يصادف في كاتالونيا، ذكرى سقوط برشلونة في أيدي القوات الإسبانية في عام 1714.
وفي ظلّ تقلّص تدريجي لأعداد المشاركين في المسيرة، بعدما بلغت ذروتها في عام 2014، مع 1.8 مليون شخص، يعكس ذلك مساراً تراجعياً، منذ فشل محاولة للانفصال عن إسبانيا، في عام 2017.
المسيرة التي نظمتها "الجمعية الوطنية الكاتالونية" ومنظمة "أومنيوم كولتورال" وهيئات انفصالية أخرى، هي الأولى بعدما أصدرت الحكومة الإسبانية عفواً عن 9 قياديين انفصاليين كاتالونيين، سُجنوا لدورهم في التحريض على محاولة الاستقلال الفاشلة عام 2017.
وشارك بعض هؤلاء القياديين في المسيرة السبت، وعكست تصريحاتهم تبايناً بشأن الحوار مع حكومة الاشتراكي بيدرو سانشيز، المرجّح الأسبوع المقبل، بعد تجميده منذ فبراير 2020.
خلاف كاتالوني
وبين هؤلاء القياديين، جوردي كويجارت، زعيم "أومنيوم كولتورال" الذي حضّ الحشد على مواصلة النضال من أجل الاستقلال، قائلاً: "أولئك الذين يطلبون منا طيّ الصفحة ولا يريدوننا أن نكافح من أجل تقرير المصير.. ما هي خطة إسبانيا بالنسبة إلى كاتالونيا؟ لا شيء. فقط القمع والمزيد من القمع"، وفق وكالة "رويترز".
أما جوردي سانشيز، الأمين العام لمنظمة "معاً من أجل كاتالونيا"، فاعتبر أن المحادثات عقيمة، علماً أنه من القياديين الذين عفت عنهم الحكومة المركزية. وقال: "نشكّك بشدة في موقف الحكومة الإسبانية ونتائج هذه المفاوضات". وأضاف في تغريدة على "تويتر": "دعوا روح لمّ الشمل، والمودّة المتبادلة والوفاق تكون مرشدنا... نحن نتقدّم نحو ما يوحّدنا".
وشددت رئيسة "الجمعية الوطنية الكاتالونية"، إليسيندا بالوزي، على أن "تقرير المصير ليس استجداءً، بل هو فعل ممارسة". وحضّت رئيس إقليم كاتالونيا، بيري أراغونيس، على "تحقيق الاستقلال".
لكن أراغونيس دافع عن الحوار، قائلاً: "كاتالونيا على وشك فعل أمر لم تحققه سابقاً: فتح مفاوضات مع الدولة الإسبانية، بين حكومتين، لمعالجة كيفية تسوية هذا الصراع. ونحن نفعل ذلك بالتزام من الجانبين، بأن المواطنين الكاتالونيين سيصوّتون على نتيجة هذه المفاوضات".
مطلبان "مستحيلان سياسياً"
وأشارت وكالة "أسوشيتد برس" إلى "توقعات منخفضة جداً بالتوصّل إلى حلّ سريع، لأن الانفصاليين الكاتالونيين يطالبون بتنظيم استفتاء مصرّح به على الاستقلال"، فيما ترى الحكومة المركزية أن التصويت "يجب أن يكون على اقتراح لتحسين العلاقات" بين الإقليم وبقية إسبانيا. كذلك رفضت مدريد مطلب كاتالونيا بعفو تام عن الانفصاليين الذين حوكموا بسبب محاولة الانفصال، في 1 أكتوبر 2017، بينهم الرئيس السابق لإقليم كاتالونيا، كارليس بوتشيمون، الفار إلى بلجيكا.
واعتبرت مجلة "ذي إيكونوميست" أن الاستجابة للمطلبين "مستحيلة سياسياً" بالنسبة إلى سانشيز، متسائلة عن إمكان التوصّل إلى تسوية، وماهيتها. ورأت أن الحوار "لن يكون لا سريعاً ولا سهلاً".
وينتمي أراغونيس إلى "حزب اليسار الجمهوري في كاتالونيا"، وهو حليف أساسي لحكومة سانشيز. وأوردت صحيفة "إلموندو" الصادرة في مدريد أن أراغونيس، وزعيم الحزب أوريول جونكيراس، تعرّضا لصافرات استهجان لدى وصولهما إلى المسيرة، مضيفة أن متظاهرين وصفوا الأخير بأنه "خائن". وعلّق جونكيراس: "طالما أن السجن لم يسكتنا، كذلك الأمر بالنسبة إلى الإهانات والتهديدات".
"استفتاء متفاوض عليه"
يتخذ أراغونيس موقفاً براغماتياً، إذ نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية عنه قوله: "إرادتنا في التفاوض حازمة وواضحة وصادقة، مثل هدفنا، وهو استقلال كاتالونيا". واستدرك: "أدافع عن مسار استفتاء متفاوض عليه، إذ يمكن أن يحصّل أكبر مقدار من الدعم ويجعل الاستقلال ممكناً".
وشدد على أن "تحسين الظروف المعيشية للكاتالونيين لا يتعارض مع السعي إلى الاستقلال"، وتابع: "نعتقد بأنه لن يكون هناك حلّ للصراع السياسي، إن لم يتم التصويت في استفتاء، لكننا ندرك أيضاً الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكاتالونيا". وزاد: "هناك فارق بين ما أريده، وكيف يمكنني الحصول عليه. الأمر المهم ليس تحديد موعد، بمقدار ما هو (تأمين) الشروط اللازمة لنيل" الاستقلال.
واعتبرت الصحيفة أن موقف أراغونيس يجعله أقرب إلى "الحزب القومي الباسكي"، الذي "يتمسك بالاستقلال بوصفه أفقاً مرغوباً فيه، فيما يتفاوض مع مدريد لنيل مزيد من الحكم الذاتي والفوائد للمنطقة".
في السياق ذاته، اعتبرت رئيسة بلدية برشلونة، أدا كولاو، أن الشروط اللازمة لتنظيم استفتاء على استقلال كاتالونيا على المدى القصير "ليست واقعية"، مضيفة أن المواطنين باتوا ينبذون "السخافات". واتهمت تنظيمات انفصالية بـ "التخلّي عن وعودها بشكل منهجي".
بيدرو سانشيز "ينقذ حكمه"
سانشيز دافع عن استئناف الحوار مع كاتالونيا، وكتب على "تويتر" أنه يريد "المضيّ نحو ما يوحّدنا، للعمل من أجل كاتالونيا إيجابية". وبرّر العفو عن القياديين الانفصاليين بـ"الحاجة إلى استعادة التعايش" بين مكوّنات البلاد، داعياً إلى "بداية جديدة" بين طرفَي النزاع.
على رغم ذلك، شددت الناطقة باسم الحكومة الإسبانية، إيزابيل رودريغيز، على أن السلطات "تبحث عن اتفاق مع كاتالونيا، لا عن استفتاء". وأضافت: "الإطار على طاولة الحوار هو دوماً ضمن القانون والدستور".
لكن معسكر اليمين رفض العفو عن الانفصاليين، في موقف تبنّته أيضاً المحكمة العليا الإسبانية، لأسباب قضائية وتتصل بحكم القانون، إذ أنها تعتبر استفتاء 2017 غير شرعي.
ورأت صحيفة "إيه بي سي" اليمينية أن "العفو ليس فعل سخاء إزاء المجرمين التائبين، بل استراتيجية سياسية حقيرة تجعل ملايين الإسبان يجثون غير قادرين على التعامل مع هذا الابتزاز". واعتبرت أن استراتيجية بيدرو سانشيز تتمثّل في "إنقاذ حكمه من خلال تأمين أصوات حزب اليسار الجمهوري الكاتالوني".
"تسوية إبداعية"
ونبّهت "ذي إيكونوميست" إلى أن سانشيز يجري "أضخم مجازفة خلال السنوات الثلاث التي قضاها" في رئاسة الحكومة، مشيرة إلى أن المعارضة اليمينية اتهمته بخيانة دولة القانون. ونقلت عن زعيم "الحزب الشعبي" المحافظ، بابلو كاسادو، وصفه سانشيز بأنه "ميت انتخابياً".
وذكّرت المجلة بقول جوردي بوجول، الذي وصفته بأنه "مؤسّس القومية الكاتالونية الحديثة"، إن الحركة الانفصالية "ليست قوية بما يكفي لتحقيق الاستقلال، لكنها تثير مشكلة خطرة جداً لإسبانيا".
وأشارت إلى "إجماع" بين أقاليم الأطراف، بما في ذلك كاتالونيا، على أن "الوضع الراهن يفيد مدريد". وأضافت: "عندما توفي (الديكتاتور فرنسيسكو) فرانكو في عام 1975، كان اقتصاد كاتالونيا أكبر بنسبة 25% من اقتصاد منطقة مدريد".
وأضاف: "بحلول عام 2018، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لمدريد نظيره في كاتالونيا. ويعزو الحزب الشعبي، الذي يحكم (في العاصمة) منذ عام 1995، ذلك إلى سياساته الملائمة للأعمال".
ونقلت عن خافيير فرنانديز لاسكيتي، وزير المال والخدمة المدنية في حكومة مدريد، قوله إن حكومة الإقليم أجرت تخفيضات ضريبية بلغ مجموعها 53 مليار يورو، منذ عام 2004. وأضاف: "نعتقد بأن هناك علاقة مباشرة بين خفض العبء الضريبي والنموّ الاقتصادي".
وختمت المجلة: "لو قُيّض لإسبانيا البدء من الصفر، فإن أفضل إجابة لألغاز أقاليمها ستكون النظام الفيدرالي على النمط الألماني. لكن ثمة فرصة ضئيلة لتحقيق ذلك. لا حلّ نهائياً للصراع الذي يقسم كاتالونيا إلى شطرين. ولكن تسوية إبداعية يجب أن تكون ممكنة. قد يعتمد نجاح إسبانيا مستقبلاً على ذلك".