
أثارت صفقة الغواصات النووية، التي عقدتها كل من أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، الأسبوع الماضي، مخاوف من تسببها في تسريع وتيرة سباق التسلح في آسيا، حتى قبل وقت طويل من دخول هذه الغواصات الخدمة، بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نشرته الثلاثاء.
وأضافت الصحيفة أنه رداً على هذه الصفقة قد تلجأ الصين إلى تصعيد سياساتها في التحديث العسكري، خصوصاً في ما يتعلق بالتكنولوجيا القادرة على مجابهة هذه الغواصات.
كما أن إصرار إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على منافسة القوة الصينية في آسيا، قد تدفع صفقة الأسلحة الجديدة كبار المنفقين العسكريين الآخرين، مثل الهند وفيتنام، إلى المسارعة في تنفيذ خططهم التسليحية.
وفي السياق ذاته، تواجه دول مثل إندونيسيا وماليزيا وغيرهما، والتي تحاول البقاء في المنتصف، وهي منطقة يحتمل أن تكون أكثر تقلباً، ضغوطاً متزايدة للاختيار بين بكين أو واشنطن، على غرار ما فعلته أستراليا.
ونقلت الصحيفة عن دينو باتي جلال، السفير الإندونيسي السابق لدى الولايات المتحدة، قوله إن "ثلاث دول تدق طبول الاستعراض العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ما يعزز السردية التي تقدمها الصين، بأن الغرباء لا يتصرفون بما يتماشى مع تطلعات دول المنطقة".
وأضاف: "يكمن القلق في أن هذا يمكن أن يشعل فتيل سباق تسلح سابق لأوانه، ما لا تحتمله المنطقة الآن، ولا في المستقبل القريب".
ورغم أن هذه الغواصات "لن تصل إلى تلك المياه قبل عقد على الأقل، فإن الأمواج الجيوسياسية التي أثارها الإعلان عن الصفقة كانت فورية، ما منح الصين الوقت من أجل التخطيط لتحركات عسكرية مضادة".
اليابان وتايوان.. وغضب الصين
وسارعت اليابان وتايوان، الحليفتان القويتان للولايات المتحدة، إلى الموافقة على هذه الصفقة الأمنية، فيما أعربت حكومات آسيوية عن تخوفاتها من إثارة الغضب الصيني.
وفي هذا الإطار، قال بن بلاند، مدير برنامج جنوب شرق آسيا، بمعهد لوي لـ"نيويورك تايمز"، إن "كثيراً من القادة في منطقة جنوبي شرق آسيا يريدون أن تبقى الولايات المتحدة ركيزة أمنية".
وتابع: "لكنهم يخشون أيضاً من أن تدفع هذه المقاربة الصارمة التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها مثل أستراليا والصين إلى الاستجابة بالمثل، ما سيؤدي إلى احتدام دائرة التصعيد المرتكزة على جنوبي شرق آسيا".
ولكن، حتى قبل توقيع هذه الصفقة، كانت بعض الحكومات نشرت بوارج وغواصات وصواريخ جديدة، بدافع القلق من التعزيزات العسكرية الصينية المتسارعة، والمطالبات الإقليمية المثيرة للنزاعات.
الإنفاق العسكري
ووفقاً لـ"المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، فإن 42% من حجم الإنفاق العسكري في آسيا يعود إلى الصين وحدها.
وبدأ صانعو القرار اليابانيون النظر في زيادة حجم الإنفاق العسكري عن 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو السقف الذي احتفظت به البلاد لنفسها منذ سبعينيات القرن الماضي.
كما قامت كوريا الجنوبية، التي تركز على التهديدات القادمة من الجارة الكورية الشمالية، بزيادة ميزانيتها الدفاعية بنسبة 7% سنوياً في المتوسط، منذ عام 2018.
الهند أيضاً، زادت من حجم إنفاقها العسكري مع تصاعد التوترات مع الصين، رغم أن الضربة الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد بسبب جائحة كورونا قد تعرقل هذا التوجه.
وفي هذا الإطار، نقلت "نيويورك تايمز" عن قائد القوات الجوية الهندية قوله، في وقت سابق الشهر الجاري، إن بلاده تخطط لشراء "350 طائرة عسكرية أخرى مجمعة محلياً على مدى العقدين المقبلين".
وتعمل اليابان على تطوير الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، والتي يمكنها أن تهدد سفن البحرية الصينية في حال نشوب صراع.
كما اقترحت تايوان، الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، والتي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها، ميزانية عسكرية بقيمة 16.8 مليار دولار للعام المقبل، بما في ذلك 1.4 مليار دولار لشراء مزيد من المقاتلات النفاثة.
وتتعهد إدارة بايدن بمساعدة الدول الأسيوية على مواجهة التعزيزات العسكرية الصينية، ما تبرزه الاتفاقية الجديدة مع أستراليا.
ومن المرجح أن تتم مناقشة هذه الأجندة في البيت الأبيض هذا الأسبوع، عندما يستضيف بايدن قادة آخرين من "المجموعة الرباعية"، التي تضم إلى جانب الولايات المتحدة، أستراليا واليابان والهند.
"تهديد متفاقم"
وفي فعالية نظمها "معهد بروكينجز للأبحاث"، الأسبوع الماضي، قال الجنرال جون هايتن، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية إن "الصين تعد التهديد المتفاقم الذي يجب أن يثير قلقنا، ليس اليوم فحسب، وإنما على المدييْن القريب والبعيد".
لكن العديد من الحكومات في جميع أنحاء القارة الآسيوية، وبخاصة في جنوب شرقي آسيا، تأمل في تجنب اتخاذ نفس القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، الأسبوع الماضي، بإعلان الدخول في "شراكة أبدية" مع الولايات المتحدة.
فقد آثرت الهند، المترددة بين صراعاتها الحدودية مع الصين من جانب، وجهودها لترميم علاقاتها معها من جانب آخر، الصمت عن هذا الاتفاق، وكذلك فعلت كوريا الجنوبية، التي تريد أن تحافظ على علاقات مستقرة مع الصين.
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الإندونيسية إنها "تشعر بقلق بالغ إزاء سباق التسلح المستمر"، كما أعربت ماليزيا أيضاً عن قلقها.
وقال لي هسين لونج، رئيس وزراء سنغافورة، التي تربطها علاقات جيدة بكل من بكين وواشنطن على الصعيد الدبلوماسي لنظيره الأسترالي، إنه "يأمل أن تسهم هذه الشراكة بإيجابية في توطيد السلام والاستقرار في المنطقة"، وفقاً لصحيفة "ستريتس تايمز".
وقد يبدو أن خطة أستراليا لبناء ما لا يقل عن 8 غواصات تعمل بالطاقة النووية لا تحدث فرقاً كبيراً في حسابات بكين، ففي ظل وجود نحو 360 بارجة حربية، تعد البحرية الصينية الأكبر في العالم من حيث العدد، كما أنها تمتلك حوالي 12 غواصة تعمل بالطاقة النووية.
ومن المرجح أن يرتفع عدد الغواصات النووية في أسطولها إلى 21 غواصة، بحلول عام 2030، وفقاً لمكتب الاستخبارات البحرية الأميركي.
وعلى الجانب الآخر، تمتلك الولايات المتحدة حوالي 300 سفينة بحرية، من بينها 68 غواصة تعمل بالطاقة النووية.
لكن درو ثومسون، المسؤول السابق عن العلاقات مع الصين في البنتاجون، قال لـ"نيويورك تايمز"، إن "وضع الغواصات بالقرب من البحار القريبة من الصين واليابان وشبه الجزيرة الكورية، يمكن أن يمثل رادعاً قوياً ضد العسكرية الصينية".
وأضاف ثومسون، الذي يشغل الآن منصب كبير الباحثين الزائرين في جامعة سنغافورة الوطنية: "انتهت حروب الشرق الأوسط، ونحن الآن في حقبة ما بين الحروب".
وتابع: "ستمثل الحرب القادمة صراعاً محتدماً ضد منافس متكافئ، أو قريب من ذلك، ربما يشمل الصين، وسيكون على الأرجح في شمالي شرق آسيا".
معاقبة أستراليا
وبعد إدانتها اتفاقية الغواصات التي وُقعت الأسبوع الماضي، لم تخض الحكومة الصينية في أحاديث أخرى، لكن من المؤكد أن القادة الصينيين يبحثون خيارات التحركات العسكرية والدبلوماسية المضادة، بما في ذلك طرقاً جديدة لمعاقبة الصادرات الأسترالية، التي تعرضت بالفعل للحظر ولرسوم عقابية بسبب تدهور العلاقات في السنوات الماضية.
ويمكن أيضاً أن تسرع بكين وتيرة جهودها لتطوير التقنيات، التي تحدد مواقع الغواصات النووية وتدمرها، قبل أن تحصل عليها أستراليا بوقت طويل، إذ شدد خبراء كُثر على أن احتمالات السباق التكنولوجي تفوق بكثير احتمالات سباقات التسلح التقليدية".
كما أن إنتاج الصين من البوارج البحرية والطائرات المقاتلة يتسم فعلياً بالسرعة، إلا أن التكنولوجيا الصينية المضادة للغواصات أقل تقدماً.
وعلى المدى القريب، قد يكثف المسؤولون الصينيون جهودهم لتدشين معارضة إقليمية لخطة الغواصات، والتحالف الأمني الجديد المسمى بـ"الأوكوس"، ويضم أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.