كشفت مصادر عسكرية في شرق ليبيا وغربها لـ"الشرق"، أنه بدأ، الأربعاء، تجميع المقاتلين الأجانب في معسكرات، تمهيداً لنقلهم خارج البلاد قبل الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر المقبل.
وأكد مصدر عسكري بارز في القوات المسلحة الليبية، البدء الفعلي في عمليات انسحاب المقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، تنفيذاً لمهام لجنة 5+5 بالتنسيق مع الدول الفاعلة في الملف الليبي.
وأوضحت مصادر في طرابلس، أن تجميع المقاتلين السوريين يجري في "معسكر اليرموك" (المعروف سابقاً بـ"لواء 32 معزز")، الواقع في منطقة الهضبة في العاصمة، بانتظار التعليمات لنقلهم إلى مطار معيتيقة لإخراجهم من ليبيا، من دون تحديد وجهتهم حتى الآن.
وقال المصدر إن عمليات الخروج "ستكون تدريجية"، تحسباً لأي هجمات قد تستغل الفراغ الذي سيخلفه انسحاب هؤلاء المقاتلين.
5 آلاف سوري
ووفق المصدر، يتم نقل عدد من المقاتلين السوريين التابعين لمجموعة "العمشة" إلى "معسكر اليرموك" من "قاعدة الوطية" العسكرية التي سيطرت عليها قوات موالية لحكومة الوفاق السابقة، بالتعاون مع مقاتلين سوريين وأتراك العام الماضي.
وقال مصدر أمني في طرابلس لـ"الشرق"، إنه تم خلال الأسبوع الماضي نقل وإخراج نحو 5 آلاف مقاتل سوري من مجموعات مختلفة، حيث تم نقلهم على دفعات عبر طائرات شحن تركية، مضيفاً أنه "من المتوقع أن تبقى مجموعة أخرى في قاعدة الوطية، وذلك إلى حين إجراء الانتخابات أو إخراجهم قبل موعدها بفترة زمنية بسيطة".
وبالتزامن مع هذه الأنباء، أظهرت مواقع لتتبع حركة الطائرات، أن طائرات شحن عسكرية تركية حطت في "قاعدة الوطية" 4 مرات بين 13 و22 سبتمبر الجاري، ومرة واحدة في مصراتة.
تقدم قد تتبعه تحركات
وقالت نجوى وهيبة، المتحدثة باسم المجلس الرئاسي الليبي، لـ"الشرق" رداً على سؤال حول مصير المقاتلين الذين استقدمتهم تركيا إن "الوجود العسكري الأجنبي سواء كان عبر مقاتلين أجانب أو مرتزقة أو أياً كان تصنيفهم أمر مرفوض ويجب أن ينتهي عاجلاً أو آجلاً".
وأوضحت أن "الحديث يجري عن تقييدات قانونية، وليس أي دوافع أخرى، بناءً على مخرجات جنيف التي تمنع السلطات الحالية من تجميد اتفاقيات طويلة الأمد أبرمتها السلطات من قبل، فهذا أمر قانوني ولكن الإرادة السياسية تبحث خروج كل القوات إذا وجدت آلية متوافق عليها، وهذه المشكلة ليست مشكلة ليبية ولكن خطرها إقليمي".
وأضافت أن التوصل لهذه الآلية يتطلب "تعاوناً وإشرافاً دولياً وهذا ما يتم نقاشه مع اللجنة العسكرية المشتركة التي قدمت مقترحات بالفعل، واجتمعت مع القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا أمس".
وأكدت "وهيبة" أن هناك "تقدماً إيجابياً ربما تتبعه تحركات على الأرض وهذا الأمر من المبكر الحديث عنه"، مضيفة أنه "حتى التغير في مستوى النقاش يعد تقدماً، فعندما يكون هناك طرف يضع شروطاً للخروج فهذا اعتراف بوجود قوات له".
نفي تركي: وجودنا مستمر
في المقابل، قالت مصادر مطلعة مقربة من الحكومة التركية لـ"الشرق"، إن "الوجود التركي في ليبيا جاء بناء على اتفاقيات رسمية، وهناك اعتراف أممي بهذه الاتفاقيات".
وتابعت المصادر أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها رصد طائرات شحن تركية متجهة إلى ليبيا، فهناك مدرّبون ومستشارون عسكريين، وبالتالي تحركات هذه الطائرات تأتي ضمن هذا الإطار.
وأضافت أن "هناك اتفاقاً عسكرياً بين تركيا وليبيا، وبالتالي طلب خروج القوات الأجنبية لا ينطبق على تركيا، ولن تخرج هذه القوات إلا بفسخ هذا الاتفاق".
ونفت المصادر أن تكون الطائرات التركية تقوم بسحب مقاتلين من ليبيا، مضيفة أن "جهات إعلامية عدة قالت إن تركيا نقلت مقاتلين غير أتراك إلى ليبيا، وتركيا لا تعترف بهذه الادعاءات، وإذا تم إثبات أن مقاتلين غير أتراك وتابعين لتركيا موجودون في ليبيا، فمن الطبيعي أن يطلب منها سحبهم، لكن حتى الآن لا يوجد دليل يثبت ذلك"، بحسب تعبير المصادر.
النواب: "اتفاق باطل"
وقال عبد الله بلحيق، الناطق باسم مجلس النواب الليبي لـ"الشرق"، إنه "يجب إخراج المرتزقة الذين جلبتهم تركيا إلى ليبيا"، عقب الاتفاق الذي وقعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي السابق، فايز السراج، في نوفمبر 2019، والذي بموجبه طلب السراج من أردوغان، بعد شهر، إرسال وحدات جوية وبحرية وبرية إلى ليبيا.
وأضاف بلحيق أن "تركيا تضغط لمحاولة تبرير وجود قواتها بهذا الاتفاق الباطل دستورياً"، معتبراً أن السراج "لم يكن يمتلك صلاحية توقيع الاتفاق مع تركيا وفقاً للإعلان الدستوري" الليبي لعام 2011.
"انسحاب متزامن" في الشرق
وفي الوقت نفسه، أكدت مصادر عسكرية في الشرق الليبي، لـ"الشرق"، بدء تجميع عناصر من قوات "فاجنر" الروسية في قاعدة الجفرة العسكرية (التي تبعد عن بنغازي قرابة 830 كيلومتراً)، من أجل نقلهم خارج ليبيا إلى وجهة من المرجح أن تكون مالي، مع الإبقاء على عدد آخر من المقاتلين في قاعدة الجفرة.كما أكد المصدر أن النقل سيتم تدريجياً، وربما يستغرق شهرين، لأسباب أمنية.
وأكد مصدر من لجنة 5+5 العسكرية لـ"الشرق"، أن اجتماعاً مع قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا "أفريكوم" الجنرال ستيفان تاونسند، في طرابلس، الثلاثاء، تطرق إلى إخراج المقاتلين الأجانب من ليبيا ضمن جدول زمني، على أن يكون قبل عملية الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر المقبل.
وقال المصدر إن الاجتماع المقبل قد يكون في بنغازي "من أجل إظهار أن اللجنة العسكرية تعمل من كافة الأراضي الليبية".
"أفريكوم": ندعم خروج المقاتلين
وقالت القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا في تصريح لـ"الشرق"، إن "التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا غير مرحب به ولا يفيد".
وأضافت أنها تواصل دعم التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار "بما في ذلك انسحاب جميع القوات والمقاتلين الأجانب"، بجانب دعم الجهود الدبلوماسية للسفير ريتشارد نورلاند المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، لضمان عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر المقبل، كخطوة رئيسية نحو حكومة وطنية مستقرة وموحدة، مُنتخبة من الليبين.
ويأتي بدء انسحاب المقاتلين الأجانب من ليبيا، بعد تشديد المطالبة من قبل الحكومة والمجلس الرئاسي الليبي للمجتمع الدولي بـ"تحمل مسؤولياته" لإخراج هؤلاء المقاتلين، لما يشكلونه من "خطر على العملية السياسية وجهود وقف إطلاق النار".
وقال رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الجمعة، إن "مشكلة القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب لا تزال تحدياً حقيقياً"، داعياً المجتمع الدولي إلى "تحمل مسؤولياته" في هذا المجال.
كذلك، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، أمام مجلس الأمن الخميس، إن "استمرار وجود المقاتلين الأجانب على الأراضي الليبية أمر مرفوض، ويشكل خطراً حقيقياً أمام العملية السياسية الجارية حالياً وجهود استمرار وقف إطلاق النار، واستكمال توحيد المؤسسة العسكرية". وشدد على ضرورة انسحابهم "فوراً وبشكل متزامن".