
مع انطلاق الانتخابات التشريعية المبكرة العراقية، الجمعة، يأمل العراقيون في فتح صفحة جديدة بتاريخ بلادهم، بعد عقود من الحروب والنزاعات والأزمات المتتالية.
وفتحت مراكز الاقتراع العراقية أبوابها معلنة بدء التصويت الخاص، في أول انتخابات تشريعية مبكرة تشهدها العراق منذ 2003، على أن يعقد الاقتراع العام الأحد 10 أكتوبر.
تاريخ من الأزمات
منذ استقلال العراق عن بريطانيا عام 1932، حفل تاريخه الحديث بالانقلابات والصراعات والحروب، كان أولها الانقلاب العسكري عام 1958، الذي أطاح بالنظام الملكي وأقام الجمهورية، وتولى الضابط عبدالكريم قاسم رئاسة الوزراء، تلاه انقلاب عسكري آخر بقيادة عبدالسلام عارف عام 1963، وبعدها بخمس سنوات وقع انقلاب جديد، نفذه حزب البعث وضباط مقربون من الرئيس عارف.
تولى الضابط أحمد حسن البكر الرئاسة، وكان نفوذ صدام حسين الذي عيّن نائباً للرئيس بارزاً، حتى تنحى البكر عن منصبه عام 1979، وخلفه صدام على رأس السلطة.
وبعد شهور من تولي صدام الحكم، نشبت الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرت بين عام 1980 و1988. وفي أغسطس 1990، غزا الجيش العراقي الكويت، وأعلن صدام ضمها للأراضي العراقية، فتشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، استطاع تحرير الكويت في فبراير 1991.
وأعقب غزو الكويت انتفاضة شعبية واسعة في المناطق الكردية بشمال العراق، إضافة إلى جنوب البلاد، لكن القوات الحكومية نجحت في قمعها بالقوة، وتدخلت الولايات المتحدة لفرض منطقة حظر جوي في شمال وجنوب العراق.
وعلى مدار 12 عاماً بعد غزو الكويت، عاش العراق تحت وطأة حظر جزئي لتصدير النفط وعقوبات دولية، كما شنت الولايات المتحدة وبريطانيا غارات على مواقع عسكرية في 1998 و2001، بهدف تدمير القدرات العسكرية وبرامج الأسلحة الكيماوية العراقية.
لكن نظام صدام لم يسقط سوى عام 2003، حين غزا الجيش الأميركي وحلفائه البلاد، بزعم وجود أسلحة نووية، لم يتم العثور عليها. وفي نهاية العام ألقي القبض على صدام، وتم إعدامه في ديسمبر 2006 بعد إدانته بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".
نقطة فارقة
ومثّل سقوط بغداد في 9 أبريل 2003، نقطة فارقة في تاريخ العراق، إذ انتقلت السلطة إلى إدارة انتقالية برئاسة الحاكم الأميركي بول بريمر.
وفي العام التالي انتقلت السلطة إلى العراقيين، ثم توافق السياسيون على دستور جديد، سنّ نظاماً اتحادياً، وشرّع الحكم الذاتي لإقليم كردستان شمال البلاد.
ومنح دستور 2004 السلطات الأكبر إلى رئيس الوزراء "الشيعي"، بينما حصل السنة على رئاسة البرلمان، وحصل الأكراد الذين يشكلون نحو 20% من الشعب العراقي، على رئاسة الجمهورية.
أول انتخابات
وفي ديسمبر 2005، أعلن عن نتائج أول انتخابات بعد الغزو، فاز فيه تحالف أحزاب شيعية. لكن نزاعاً طائفياً اندلع بعد 3 أشهر من إعلان نتائج الانتخابات، بعد تفجير ضريح شيعي في مدينة سامراء، واستمرت أعمال العنف حتى عام 2008، وراح ضحيتها المئات.
وبعد 8 سنوات من الغزو، غادر آخر الجنود الأميركيين العراق في ديسمبر 2011، بعد مقتل 4500 أميركي و100 ألف مدني، في الفترة بين 2003 و2011، وفق ما ذكرته وكالة "فرانس برس" للأنباء. وكان 142 ألف جندي أميركي قد دخلوا العراق منذ بداية الغزو حتى عام 2011.
لكن القوات الأميركية احتفظت بقواعد عسكرية داخل البلاد، ولا توجد أرقام رسمية عن عددها، لكن تقارير صحافية قدرتها بين 12 و14 قاعدة عسكرية.
الآمال العراقية بالاستقرار بعد خروج القوات الأميركية، تبددت عام 2014 حين سيطر تنظيم "داعش" على مناطق واسعة من شمال ووسط البلاد، تشكل أكثر من ثلث مساحة العراق، لكن الجيش العراقي بمساعدة تحالف دولي تمكن من دحر التنظيم لاحقاً، ليعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في ديسمبر 2017 "انتهاء الحرب على داعش".
أزمات معيشية
وبعيداً عن أعمال العنف والمواجهات العسكرية، يواجه العراق أزمات معيشية واقتصادية حادة، حيث تواجه البلاد أزمة كهرباء وطاقة حادة وتشهد انقطاعات متكررة للكهرباء، رغم امتلاكها ثاني أكبر احتياطي نفطي من بين دول منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".
ووفق الأمم المتحدة، فإن ثلث العراقيين فقراء، وزادت جائحة فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط العام الماضي من سوء الوضع. كما يعاني العراق كذلك من فساد مزمن متفشّ في كل مفاصل المجتمع، وكلّف الدولة أكثر من 410 مليارات يورو منذ العام 2003، وفق أرقام رسمية عراقية.
ونتيجة للوضع الاقتصادي المتردي، انطلقت حركة احتجاجية في الأول من أكتوبر عام 2019، وطالب المتظاهرون بـ"إسقاط النظام"، وبعد شهرين من ضغط الشارع استقال رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، الذي تولى السلطة بعد الانتخابات التشريعية عام 2018.
وفي أبريل 2020 كلف مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة، ووعد بتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، والتي انطلقت الجمعة.
ساحة للاستقطاب
وتحوّل عراق ما بعد صدام إلى ساحة للاستقطاب الدولي والإقليمي، كما يعاني من تداعيات العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي بلغت ذروتها بعد يناير 2020، مع مقتل قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، بضربة أميركية جوية في بغداد، وردت إيران بضربات صاروخية على قواعد عسكرية أميركية.
وتأتي الانتخابات التشريعية المبكرة قبل أسابيع من وضع الولايات المتحدة حداً لـ"مهمتها القتالية" في العراق، بحلول نهاية العام الجاري، تنفيذاً لقرار أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن في 26 يوليو الماضي.