
أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاثنين، إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، "لأول مرة منذ سنوات"، بحسب ما ورد في الصفحة الرسمية للسيسي على فيسبوك.
ويعطي قانون الطوارئ صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية والحكومة. ويسمح القانون باتخاذ إجراءات استثنائية بموجبه، من بينها وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة. كما يتيح إحالة المتهمين إلى محاكم أمن الدولة وغيرها من الإجراءات التي اتبعت في مصر في فترات متفرقة منذ صدور القانون في عام 1958. فما الذي يعنيه إلغاء حالة الطوارئ؟ وما هي التبعات القانونية لهذا القرار؟
إعلان مفاجئ
جاء قرار الرئيس المصري من دون تمهيد سابق، وفي صورة إعلان مفاجئ قال فيه السيسي عبر صفحته الرسمية على فيسبوك: "يسعدني أن نتشارك معاً تلك اللحظة التي طالما سعينا لها بالكفاح والعمل الجاد، فقد باتت مصر بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء، واحة للأمن والاستقرار في المنطقة، ومن هنا فقد قررت، ولأول مرة منذ سنوات، إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد".
وتابع: "هذا القرار الذي كان الشعب المصري هو صانعه الحقيقي على مدى السنوات الماضية بمشاركته الصادقة المخلصة في كافة جهود التنمية والبناء. وإنني إذ أعلن هذا القرار، أتذكر بكل إجلال وتقدير شهداءنا الأبطال الذين لولاهم ما كنا لنصل إلى الأمن والاستقرار".
تاريخ حالة الطوارئ
أعلنت حالة الطوارئ في مصر منذ حرب يونيو 1967، واستمرت حتى نهاية حكم الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، الذي قام بإلغائها لمدة 18 شهراً، إذ إنها عادت مجدداً بعد اغتياله.
وطوال فترة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، لم يتم إلغاء حالة الطوارئ على مدى 30 عاماً كاملة، وكان إلغاؤها من بين أبرز مطالب المتظاهرين في "ميدان التحرير" خلال ثورة يناير عام 2011. ولكن أعيد فرضها في العام ذاته بعد اقتحام "محتجين" مقر السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وجرى تجديد العمل بها حتى مايو من عام 2012.
ولم يتم العمل بحالة الطوارئ خلال حكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، إلا في حالة واحدة شملت مدن محافظات قناة السويس بعد أحداث عنف شهدتها في ذكرى "ثورة يناير" في عام 2013 لمدة شهر.
وعاد فرض قانون الطوارئ مع أحداث العنف التي شهدتها البلاد عقب الإطاحة بحكم مرسي، وفرضها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ نهاية 2014 في سيناء بسبب تزايد الأعمال "الإرهابية". واتسعت لتشمل جميع أنحاء البلاد منذ أبريل 2017، بعد حادثة استهداف كنيستين بمحافظتي الإسكندرية وطنطا. ومنذ ذلك الحين يجري تجديدها كل ثلاثة أشهر بموافقة مجلس النواب.
دلالات القرار
وقال الخبير الأمني اللواء حمدي بخيت، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي لمجلس النواب المصري، لـ"الشرق" إن مد حالة الطوارئ أو إلغاء مدها "يتم وفقاً لقياسات معينة للحالة الأمنية تضعها الأجهزة الأمنية". وأوضح أن إلغاء حالة الطوارئ "يعني أن مصر تعيش حالة من الاستقرار تسمح لها باتخاذ مثل هذا القرار بعد سنوات من فرضها، بسبب مداهمة الإرهاب لأراضينا أو تعرض بعض الأهداف الحيوية للهجمات".
ورأى بخيت أنه "سيكون للقرار مردود جيد على مصر وتحسين صورتها الدولية وزيادة فرص الاستثمارات الأجنبية في البلاد".
وفي ما يتعلق بالإجراءات التي اتخذت في السنوات الماضية بموجب قانون الطوارئ كحظر التجوال في بعض المناطق أو الإحالة للنيابة ومحاكم أمن الدولة العليا، قال الخبير الأمني المصري، إنها "تنتهي بموجب إلغاء مد حالة الطوارئ ويتوقف العمل بها ويتم الرجوع للإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون العادي"، موضحاً أن "بعض المداهمات أو الإجراءات التي كانت تتخذ بموجب حالة الطوارئ لم يعد لها وجود وفي حالة ارتكاب أي مخالفات سيتم التعامل مع مرتكبيها بالطرق القانونية العادية ولن تتم إحالتهم لمحكمة أمن الدولة".
صلاحيات "الطوارئ"
وقال أستاذ القانون الدستوي الدكتور صلاح فوزي لـ"الشرق"، إن نظم الطوارئ في العالم كله تنص على أنه إذا تم تهديد النظام العام للدولة، يمكن اللجوء إلى ما اصطلح على تسميته قانون حالة الطوارئ". وأشار إلى أنه "بناء على فرض حالة الطوارئ يتم العمل بالإجراءات والتدابير التي تنص عليها المادة 3 من القانون ومن يخالف هذه الإجراءات يتعرض لعقوبات تتراوح بين الحبس والحبس المشدد بعد محاكمته أمام محكمة أمن الدولة العليا".
تجدر الإشارة إلى أنه بحسب نص قانون الطوارئ المصري رقم 162 لعام 1958، فإن الحالات التي يتوجب الاستناد إليها لفرض الطوارئ، تشمل الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوع حرب، وحدوث اضطرابات داخلية أو كوارث عامة أو انتشار وباء، ما يعني تعرض الأمن العام في أراضي الجمهورية أو مناطق منها للخطر.
ويعطي قانون الطوارئ صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية والحكومة، إذ يسمح باتخاذ إجراءات استثنائية بموجبه، من بينها وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وإحالة المتهمين إلى محاكم أمن الدولة وحظر التجول في بعض المناطق ومراقبة الرسائل، أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، فضلاً عن تمكين الجيش من فرض الأمن.
كذلك يمنح القانون الرئيس والحكومة صلاحية تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، ومصادرة أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.
مصير إجراءات الطوارئ
وأشار أستاذ القانون صلاح فوزي إلى أنه إذا تم وقف مد حالة الطوارئ فإن كل الإجراءات التي نصت عليها يتم إيقاف تطبيقها.
أما في ما يتعلق بوقف تطبيق قرار حظر التجوال في بعض مناطق سيناء بموجب وقف مد حالة الطوارئ، فقال فوزي: "يتوقف هذا على ما إذا كان قرار رفع حالة الطوارئ يشمل كل الجمهورية أم أنه رفع جزئي مع استمرار حالة الطوارئ في بعض المناطق وفقاً للمتطلبات الأمنية"، لافتاً إلى أن "هذا ما سيحسم عند نشر نص قرار الرئيس في الجريدة الرسمية".
وأشار فوزي إلى أن الأشخاص الذين أحيلوا إلى محكمة أمن الدولة قبل صدور قرار الرئيس ستظل المحكمة المذكورة هي المختصة بالنظر في قضاياهم، مع استمرار اتباع الإجراءات المقررة في قانون الطوارئ، مضيفاً أن الحالات التي لم تكن أحيلت بعد للمحكمة ستحال إلى محاكم عادية وذلك بموجب المادة 19 من قانون الطوارئ.
وتنص المادة 19 على أنه عند انتهاء حالة الطوارئ تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظر القضايا التي تكون محالة إليها وتتابع نظرها وفقاً للإجراءات المتبعة أمامها، أما الجرائم التي لا يكون المتهمون فيها قد قدموا إلى المحاكم فتحال إلى المحاكم العادية المختصة وتتبع في شأنها الإجراءات المعمول بها أمامها.
رسالة للمجتمع الدولي
من جهته، رأى أستاذ القانون الدولي الدكتور أيمن سلامة أن إلغاء مد حالة الطوارئ في مصر "يحمل رسالة قوية للمجتمع الدولي، ويشكل رداً حاسماً ودستورياً على الاتهامات المتواترة بأن مصر تقيد أو تنتهك الحقوق أوالحريات، ويشكل صمام أمان للحقوق والحريات التي كانت معلقة بموجب تطبيق قانون الطوارئ كوضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة وغيرها من الإجراءات المنصوص عليها في المادة 3 من القانون 162 لعام 1958".
وقال سلامة لـ"الشرق" إن قرار وقف مد حالة الطوارئ جاء متزامناً مع قرار الرئيس السيسي رقم 420 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام القرار الجمهوري رقم 444 لسنة 2014 الخاص بتحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية والقواعد المنظمة لها، لافتاً إلى أن القرار يحدد بعض المناطق الحدودية في مختلف الاتجاهات والمحظور دخول المدنيين لها إلا بترخيص من القوات المسلحة المصرية بهدف تأمينها، وهو ما يعمل على حفظ استقرار مصر، لا سيما بعد إلغاء العمل بقانون الطوارئ والإجراءات الأمنية المصاحبة له.