بينما لا يزال موقف وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بشأن الحرب في اليمن، مثار جدل على الساحة الداخلية اللبنانية، بعد أن تسبب في أزمة مع دول الخليج العربية، دخل لبنان في سجال جديد على خلفية تصريحات أطلقها وزير الخارجية عبد الله بو حبيب خلال مقابلة مع رويترز.
بو حبيب الذي يرأس "خلية الأزمة" التي تشكلت لبحث تطورات الأزمة مع السعودية، اعترف في المقابلة بأن حكومة بلاده "غير قادرة على تحجيم دور حزب الله"، لافتاً إلى أن "هذه مسألة إقليمية".
وقال إن "الحوار مع الرياض، هو السبيل الوحيد للمضي قدماً لحل الخلافات"، لكنه اعتبر أن المملكة "تُملي شروطاً مستحيلة من خلال مطالبة الحكومة بالحد من دور حزب الله"، المدعوم من إيران.
وتباينت آراء عدد من ممثلي القوى السياسية اللبنانية، استطلعت "الشرق" آراءهم بشأن تصريحات بو حبيب، ما بين منتقد لها ويراها تفاقم الأزمة مع دول الخليج، وآخرون رأوا ضرورة الالتزام بجهود خلية الأزمة في حل الأزمة.
"استقالة لن تغير شيئاً"
يرى النائب في البرلمان اللبناني عن كتلة المستقبل، سامي فتفت، أن هناك من يحاول إبعاد لبنان عن محيطه العربي، في وقت ينص اتفاق الطائف على عروبة لبنان، مؤكداً أن الانتماء لهذه الهوية هو "التزام".
وأضاف في تصريحاته لـ"الشرق"، "تصدر اليوم مواقف وتصريحات غير أخلاقية عن شخصيات في مراكز المسؤولية، ويجب أن تُحاسَب عليها. لا يجوز لوزراء أن يرتكبوا مثل هذه الأخطاء. أقلّه كان على هذين الوزيرين (جورج قرداحي وعبد الله بو حبيب) أن يستقيلا".
وطالب فتفت رئيسي الحكومة والجمهورية باتخاذ إجراءات "عقابية" بحق الوزيرين، والتعامل معهما بحزم وجدية، وقال: "ليس بهذه الطريقة تبدأ حكومة جديدة أعمالها.. عليها أن تصلح الوضع مع المملكة بعد أن دمرت العلاقات معها".
ولا يرى النائب أن استقالة الحكومة لن تُفيد في شيء حالياً، معرباً عن تخوّفه من أن "يمسك رئيس الجمهورية ميشال عون بزمام الأمور إذا حدث ذلك، وفي نفس الوقت يعتقد أن على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي "إيجاد حل براجماتي منطقي للخروج من الأزمة".
وتابع فتفت، "استقالة الحكومة كان واجباً، لكن لا يمكن تسليم البلاد كلياً إلى حزب الله وعون، لذلك على رئيس الحكومة أن يجد حلاً"، مضيفاً "كان هدف الحكومة الأساسي إجراء الانتخابات النيابية، وإنجاز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لكن تبيّن أنها فشلت".
ووصف مصطفى علوش نائب رئيس "تيار المستقبل"، في تصريحاته لـ"الشرق"، حديث وزير الخارجية اللبناني بأنه "خفيف جداً"، وقال "تجاهل (بو حبيب) الكثير من الحقائق بخصوص المساعدات التي قُدّمت إلى لبنان من السعودية، فضلاً عن مئات المشاريع التي نفذتها دول الخليج في لبنان".
واعتبر علوش، أن "التصريحات تؤكد أن بو حبيب لا يقوم بدوره كوزير خارجية. كما لا تليق بدبلوماسي لديه خبرة طويلة، وهو ما يؤكد أن جيل الدبلوماسيين الكبار أصبح من الماضي، ولم يبقَ إلا ما هو دون المستوى".
وأضاف "لم يعد لبنان قادراً على تحقيق ما هو مطلوب خليجياً. الدولة اللبنانية منتقصة السيادة والإمكانية، وليس باستطاعتها اتخاذ قرارات مفيدة للبلاد. كما أن وساطة الولايات المتحدة وفرنسا ستزيد الطين بلة"، بحسب وصفه.
وتابع علوش "أي حكومة ستستلم السلطة في ظل هيمنة حزب الله على القرار السياسي والأمني ستكون إما مثل هذه الحكومة أو أسوأ، لذلك الاستقالة لن تغيّر شيئاً".
"صمت أبلغ من الكلام"
أما النائب عن كتلة "التنمية والتحرير" (التابعة لحركة أمل) قاسم هاشم، فاعتبر أن "الصمت في هذه المرحلة أبلغ من الكلام"، وقال "يجب أن يكون هناك آليات معينة وأسلوب للتعاطي مع الموضوع لما فيه مصلحة لبنان".
وعن موقف الكتلة التي يمثلها، أوضح هاشم "نترك معالجة الموضوع لأصحاب الشأن، فالوضع لا يحتمل الكلام بل المزيد من المعالجات".
"الأولوية للدبلوماسية"
قال النائب عن "تكتل لبنان القوي" (التابع للتيار الوطني الحر) جورج عطا الله، في تصريحاته لـ"الشرق"، إن التيار اتخذ قراره بعدم التعاطي بالموضوع من خلال التجاذبات السياسية، معتبراً أن "ملفاً بهذا الحجم يتعلق بعلاقات دولتين، يُدار من خلال الحلول الدبلوماسية".
وأضاف "على ما يبدو أخفقت خلية الأزمة التي تشكلت في اختراق جدار الأزمة، وسط اتصالات مع دول عربية للوساطة في حل المشكلة"، مشيراً إلى أن التكتّل الذي ينتمي إليه متمسك بالبيان الوزاري، الذي يؤكد حرص لبنان على علاقاته الجيدة مع الدول العربية.
"الاعتذار والاستقالة"
النائب عن كتلة الجمهورية القوية (التابعة للقوات اللبنانية) وهبة قاطيشا، يرى أن تصريحات وزير الخارجية اللبنانية بدلاً من أن تخفف من وطأة الأزمة تسببت بتفاقمها، بحسب تعبيره.
وقال لـ"الشرق"، "نحن لم نرَ من السعودية إلا الخير، ليأتي هذان الوزيران ويخربان العلاقة معها، ما يدل على أنهما لا يعرفان مصلحة لبنان واللبنانيين، فالدول تتصرَّف بعلاقاتها السياسية وفقاً للمصالح الحيوية". واعتبر أنه "كان يجب على الوزيرين الاعتذار والاعتراف بالخطأ والاستقالة".
ووصف قاطيشا ما جرى بأنه "مخجل"، وأضاف "هما (قرداحي وبو حبيب) يمثلان حكومة 8 آذار، أي (محور) الممانعة، ويتصرفان لمصلحته في سلخ لبنان عن محيطه العربي وموقعه التاريخي، وأخذه نحو الهاوية لمصلحة هذا المحور، لكنهما لن ينجحا".
"تصريحات فوضوية"
ووصف مستشار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريّس، في تصريحاته لـ"الشرق"، التصريحات الأخيرة بـ "الفوضوية"، معتبراً أن "من شأنها أن تفاقم الوضع المتأزم".
وأضاف "على جميع المعنيين في الملف أن يدركوا حجم الأزمة وعمقها، ويختاروا المواقف التي تُخفف من حدتها، التي ربما تكون باستقالة وزير الإعلام كما طُرح الحل في البداية. وهناك مسار طويل يجب أن ينطلق من أن لبنان جزء من العالم العربي، وعضو مؤسس في جامعة الدول العربية، وكل محاولات سلخه عن تاريخه وموقعه الجغرافي يفترض أن تفشل".
ومن المقرر أن يجري رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، بعد عوته من قمة المناخ في اسكتلندا، جولة محادثات مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك سيلتقي سليمان فرنجية رئيس "تيار المردة" الذي يُمثله في الحكومة وزير الإعلام جورج قرداحي.
ومن المتوقع أن يسعى ميقاتي، خلال اللقاءات المرتقبة، إلى وضع استراتيجية من شأنها تحديد الخطوط العريضة للمقاربة، التي ستعالج الأزمة مع دول الخليج العربية، وذلك في ظل رهان على وساطة قطرية وعلى تحرك أميركي وفرنسي في نفس الصدد.
اقرأ أيضاً: