
ذكرت وكالة "رويترز"، نقلاً عن مسؤولين ومحللين، أن إيران تتجه لاتخاذ موقف متشدد عند استئناف المحادثات النووية المرتقبة يوم 29 نوفمبر في فيينا، لأنها "تراهن على امتلاكها اليد العليا" لتخفيف العقوبات، مقابل فرض قيود على ما تملكه من تكنولوجيا نووية متطورة.
وتحاط المفاوضات بين إيران والقوى الدولية هذه المرة بقلق كبير حيال مخاطر عدم جدواها في إحياء اتفاق عام 2015، إذ قد ينطوي فشلها على خطر نشوب حرب جديدة في المنطقة.
وما يعزز هذه المخاطر أن إسرائيل، العدو اللدود لإيران، تجد نفسها مدفوعة لانتهاج سياسة متشددة إذا عجزت الدبلوماسية عن كبح جماح نشاط طهران النووي، الذي طالما اعتبره الغرب ستاراً لتطوير قنابل نووية.
وفي وقت تنفي طهران تماماً السعي لتطوير أسلحة نووية، لكنها تؤكد استعدادها لخوض حرب للدفاع عن برنامجها النووي. وقال محللون ومسؤولون إن المتشددين في إيران، بقيادة المرشد علي خامنئي، يعتقدون أن اتباع نهج متشدد يمكن أن يجبر واشنطن على قبول "أقصى مطالب" طهران.
وقال مسؤول إيراني من غلاة المحافظين طلب عدم ذكر اسمه: "منشآتنا النووية قائمة وتعمل.. يمكننا العيش بالاتفاق أو بدونه.. الكرة في ملعبهم.. وإحراز تقدم يعني رفع جميع هذه العقوبات المجحفة.. لم تتخل إيران عن الاتفاق".
انتهاكات للاتفاق
في عام 2018 بدأت إيران انتهاك القيود النووية المنصوص عليها في اتفاق 2015، رداً على قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالانسحاب وإعادة فرض عقوبات صارمة أضعفت الاقتصاد الإيراني.
وفي محاولة واضحة للضغط على الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن لرفع العقوبات، قامت إيران بتسريع هذه الانتهاكات عبر إعادة بناء مخزوناتها من اليورانيوم المخصب وتنقيته إلى درجة أعلى، وتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة لتسريع الإنتاج.
وفي تصعيد واضح فرضت إيران أيضاً قيوداً على التصريح الممنوح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بموجب الاتفاق النووي، لتقتصر زياراتهم على المواقع النووية المعلنة فحسب.
وذكر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في تغريدة عبر تويتر، أن طهران مستعدة "لإبرام اتفاق جيد"، لكن بعض الدبلوماسيين الغربيين، قالوا إن أي اتفاق مرهون باستعداد إيران لإبداء مرونة عند استئناف المفاوضات.
وأضافوا أن الإخفاق في التوصل إلى اتفاق بحلول عام 2022، سيقلل من احتمالات إحياء الاتفاق بسبب نقطة فنية مهمة، هي بحسب قولهم "كلما ظلت إيران خارج الاتفاق اكتسبت خبرات نووية أكبر، وهو ما يقلص الوقت الذي قد تحتاجه لصنع قنبلة إذا أرادت ذلك.
وقال المحلل المتخصص في الشؤون الإيرانية بـ"معهد توني بلير للتغيير العالمي"، كسرى أعرابي، إن خامنئي وحلفاءه من غلاة المحافظين "مقتنعون تماماً بأنهم يستطيعون تخويف الولايات المتحدة والحصول على المزيد من التنازلات دون مواجهة تداعيات، باستخدام تكتيك يعتمد على تعطيل المحادثات مع تعزيز الخبرات الذرية، ومواصلة دعم حلفاء عبر جماعات شبه عسكرية في المنطقة".
إخفاق أم نجاح؟
مصدران إيرانيان مقربان من مركز السلطة في البلاد، قالا لـ"رويترز"، إن توقف المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن بعد انتخاب إبراهيم رئيسي، المنتمي إلى المحافظين، يُعد مؤشراً على أن احتمالات فشل المفاوضات أكبر من فرص نجاحها.
وقال مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ، إن المفاوضات سيكون مصيرها الفشل "إذا كان موقف إيران في بداية المحادثات، هو موقفها الأساسي الذي لا تنازل بعده".
وأضاف: "إذا أصرت (إيران) على مطالبها القصوى، فمن المرجح ألا تحصل على تخفيف العقوبات ولا الضمانات التي تطلبها".
ومع استمرار وجود خلافات كبيرة بين طهران وواشنطن، بعد 6 جولات من المحادثات غير المباشرة بشأن بعض القضايا المهمة، مثل وتيرة ونطاق رفع العقوبات وكيفية تراجع إيران عن الخطوات النووية التي اتخذتها، فإن فرص إبرام اتفاق تبدو بعيدة المنال.
وتصر إيران على الرفع الفوري لجميع العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، عبر عملية قابلة للتحقق.
وقالت واشنطن إنها سترفع العقوبات "التي لا تتسق مع اتفاق 2015 النووي"، إذا استأنفت إيران التزامها بالاتفاق، ملمحة بذلك إلى أنها ستُبقي على بقية العقوبات المفروضة، وفقاً لإجراءات متعلقة بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان.
كما تطلب طهران ضمانات "بعدم تراجع أي إدارة أميركية" عن الاتفاق مجدداً، لكن بايدن لا يمكنه التعهد بذلك، نظراً لأن الاتفاق النووي تفاهم سياسي غير ملزم، وليس اتفاقية ملزمة من الناحية القانونية.
والاتفاق الذي جرى التفاوض بشأنه خلال حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، ليس معاهدة، نظراً لأنه لم يكن هناك أي مجال أمام جو بايدن بالحصول على موافقة مجلس الشيوخ الأميركي عليه.
"لا جدوى من الاستمرار"
والأمور ليست أفضل حالاً بالنسبة لبايدن. فبموجب الدستور الأميركي يحتاج التصديق على المعاهدات موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ المئة. ونظراً لأن المجلس منقسم الآن إلى 50 ديمقراطياً و50 جمهورياً، فإنه لا توجد طريقة مقبولة يمكن لبايدن أن يحقق بها هذه النسبة المطلوبة.
ويرفض الكثير من الجمهوريين الاتفاق النووي، كما يعارضه بعض الديمقراطيين، لكن المبعوث الأميركي الخاص بإيران، روب مالي، قال الشهر الماضي: "نعتزم الالتزام بالاتفاق إذا عدنا إليه".
وذكر المحلل في مجموعة أوراسيا، هنري روم، إن الكثير من المحافظين في إيران مقتنعون بأنه طالما أن الاتفاق أخفق مرة "فلا جدوى من استمرار العمل به، ما لم يجر تغييره على نحو جذري".
وعلى الرغم من العقوبات الأميركية، وفرت الصين شريان حياة مالياً لإيران، عن طريق استيراد إمدادات نفط إيرانية ظلت عند أكثر من نصف مليون برميل يومياً في المتوسط، خلال الأشهر الثلاثة الماضية.