بدا أن مطلب الأسير الفلسطيني هشام أبو هواش بسيطاً وسهلاً، وهو تحديد مدة اعتقاله. لكنه وجد نفسه مضطراً لخوض إضراب مفتوح عن الطعام أوصله إلى حافة الموت، قبل أن تستجيب السلطات الإسرائيلية له.
واعتقل أبو هواش (40 عاماً) في 26 أكتوبر الماضي، بشكل إداري قابل للتجديد لمدة 4 شهور. ومن تجربته الشخصية، كان يعلم أن اعتقاله هذا قد يستمر لسنوات طويلة، فقد أمضى في السابق 52 شهراً في اعتقال من نفس النوع، لذلك قرر وضع حد لهذا باللجوء إلى إضراب مفتوح عن الطعام استمر 141 يوماً.
ولم تقبل السلطات تحديد فترة اعتقاله، سوى بعد أن أبلغه الأطباء في المستشفى الإسرائيلي الذي نقل إليه إثر تدهور حالته الصحية، أنه وصل إلى درجة الاحتضار.
"قانون الانتداب البريطاني"
وتستخدم السلطات الإسرائيلية منذ العام 1967، قانون الطوارئ الذي فرض في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، والذي يتيح لها اعتقال أشخاص لفترات قابلة للتجديد، دون سقف زمني محدد.
ويسمح هذا القانون للسلطات المختصة اعتقال أي شخص لديه ملف سرّي بشأنه، لفترة تصل حتى 6 أشهر قابلة للتجديد، إلى ما لا نهاية.
وأمضى بعضهم سنوات طويلة في هذا النوع من الاعتقال دون أن يعرفوا نهاية له، مثل الباحث عبد الرازق فراج الذي أمضى 20 عاماً في السجون غالبيتها في الاعتقال الإداري. ومنهم الباحث أحمد قطامش الذي قضى حوالى 14 عاماً، وما زال اعتقاله مستمراً.
ويتعرض بعض الفلسطينيين للاعتقال الإداري بلا توقف منذ سبعينيات القرن الماضي، مثل المحامي بشير الخيري الذي تجاوز السبعين من العمر ويخضع حالياً للاعتقال الإداري.
وقال خالد فراج، شقيق عبد الرازق لـ"الشرق"، إن عائلته لم تعرف نهاية لاعتقاله المستمر، مضيفاً: "السلطات تعتقل عبد الرازق، وتجدد اعتقاله، وأحياناً تُطلق سراحه لبضعة أشهر ثم تعيد اعتقاله على ذات الملف والتهم، دون محاكمة". مشيراً إلى أن الأسير "لم يشاركنا غالبية مناسباتنا العائلية، فهو دائماً في الأسر".
مقاطعة المحاكم الإسرائيلية
ولجأ الكثير من الأسرى الفلسطينيين إلى القضاء العسكري للاعتراض على هذا الاعتقال، لكن القضاة كانوا يستجيبون لتعليمات رجال الأمن الذين يقدمون لهم من وراء الكواليس تقارير أمنية غير خاضعة للمداولات القضائية. وقرر الأسرى الإداريون مؤخراً مقاطعة المحاكم الإسرائيلية لعدم وجود جدوى من وراء اللجوء اليها.
وقالت المتحدثة باسم نادي الأسير الفلسطيني، أماني سراحنة لـ"الشرق"، إن الأسرى الإداريين وجدوا أن المحاكم العسكرية جزءاً من النظام الأمني الإسرائيلي، لذلك اتخذوا قراراً جماعياً بمقاطعتها.
ويبدو أن الأسرى وجدوا في الإضراب عن الطعام وسيلة أفضل من القضاء العسكري الإسرائيلي لمواجهة الاعتقال الإداري.
وقالت سراحنة، إن 60 معتقلاً إدارياً خاضوا الإضراب المفتوح عن الطعام لفترات طويلة من أجل تحديد فترة اعتقالهم، وأنهم نجحوا في ذلك بعد أن دفعوا ثمناً كبيراً من صحتهم.
وأضافت: "لقد أصدرت السلطات الإسرائيلية العام الماضي 1559 أمر اعتقال إداري أو تجديد اعتقال إداري، وهذا رقم كبير".
تدّخل مصري
ونشأت حركة تضامن شعبية واسعة مع الأسرى الذين أضربوا عن الطعام، شملت مسيرات شعبية ومظاهرات ووقفات احتجاجية.
وهددت الفصائل في قطاع غزة مؤخراً بإطلاق الصواريخ على إسرائيل حال وفاة الأسير هشام أبو هواش، ما استدعى تدّخل مصر إلى جانب السلطة الفلسطينية وأطراف أخرى بهدف منع حدوث تدهور أمني.
وغالباً ما تتجاهل السلطات الإسرائيلية مطالب المعتقلين المضربين عن الطعام في المراحل الأولى من الإضراب، فيما يبدو بهدف دفعهم للتراجع أمام ضغط الجوع وتدهور الوضع الصحي.
لكن عندما يدخل المعتقل مرحلة الخطر الشديد على الحياة تقوم بنقله إلى المستشفى، وإخضاعه لرقابة طبية حثيثة فيما يبدو بهدف تجنّب وفاته، وما قد ينجم عنها من تداعيات أمنية وسياسية.
وفي حالة أبو هواش، تدّخل الرئيس محمود عباس، وأجرى من خلال مدير المخابرات العامة ماجد فرج، اتصالات مع رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، أسفرت عن اتفاق على تحديد فترة اعتقال الأسير أبو هواش.
"حافة الموت"
وقال رئيس نادي الأسير قدورة فارس لـ"الشرق"، إن "الأسرى الذين أضربوا عن الطعام حتى وصلوا على مشارف الموت، خاضوا الإضراب نيابة عن كل الشعب الفلسطيني الذي يتعرض أبناؤه لهذا النوع من الاعتقال التعسفي".
وأضاف: "أي فلسطيني معرض للاعتقال من دون محاكمة استناداً إلى شبهات أو إلى رغبه ضباط الأمن الإسرائيليين بالتجريب أحياناً، والانتقام أحياناً أخرى، لذلك عندما يتصدّى أحد لهذا الاعتقال بالإضراب المفتوح عن الطعام فإنه يتصدى للقانون التعسفي الذي يتيح للسلطات ذلك، ويلفت نظر كل العالم إلى ضرورة وقف تطبيقه".
وروى معتقلون عاشوا الإضراب الطويل المفتوح عن الطعام لـ"الشرق"، تجاربهم المريرة في ذلك والتي غالباً ما وضعتهم على حافة الموت.
وقال طارق قعدان الذي خاض إضرابات مفتوحة عن الطعام، آخرها لمدة 85 يوماً متواصلة: "لم أكن أنام، النوم كان يحدث خلسه، ولدقائق معدودة، من شدة الجوع والألم، الجوع هو العدو الأول للنوم".
وأوضح: "لقد شعرت بدنو الأجل مرّات ومرّات، لكن لم يكن لدي خيار آخر، فأنا أمضيت الثلاثين عاماً الأخيرة في المعتقلات، كنت أتعرض للاعتقال الإداري كل عام، حياتي شلت تماماً. لم أتمكن من العمل، ومن العيش مع عائلتي، لدي ابن مصاب بالشلل، وهو بأمس الحاجة لي، ولم أتمكن من العيش معه ومساعدته في هذه الحياة الصعبة جراء الاعتقال المتكرر المتواصل".
وتركت الإضرابات الطويلة المتكررة عن الطعام آثاراً بالغة السوء على الصحة العامة للأسرى. وقال طارق: "أعيش حياتي اليوم بلا عافية، بلا حيل (طاقة)، بلا قوة.. العضلات عندي لم تعد إلى وضعها الطبيعي، وعندي نقص في كل أنواع الفيتامينات، أعيش مع شعور دائم بالضعف الجسدي".
وخضع العديد منهم لعمليات جراحية لفتح انسدادات وإزالة التصاقات في الأمعاء وإزالة المرارة وغيرها.
اقرأ أيضاً: