قوبل رحيل الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن البيت الأبيض بارتياح كبير في دول إفريقية عدة، بحسب تقارير، إذ شهدت علاقات الولايات المتحدة بالقارة السمراء أسوأ تراجع لها في عهده، وقد كان واضحاً منذ وصوله إلى السلطة في عام 2017، أن إفريقيا ليست ضمن أوليات ترمب، وتجلى ذلك أكثر بعدم زيارته لأي دولة إفريقية طيلة 4 سنوات من ولايته.
لكن، على عكس ما كان عليه الحال في ظل إدارة ترمب، تبدو رياح التغيير قادمة في عهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن، وهو ما عبر عنه السيد الجديد للبيت الأبيض مراراً وتكراراً، بل وترجمه أيضاً في قرارات وتعيينات إدارته، الأمر الذي قد يشكّل، على الأرجح، بداية انطلاقة جديدة لسياسة الولايات المتحدة تجاه القارة الإفريقية.
وظهر ذلك جلياً في إعلان إدارة الرئيس جو بايدن، يوم الجمعة الماضي، دعمها القوي للمرشحة النيجيرية نغوزي أوكونجو-ايويلا لقيادة منظمة التجارة العالمية، وتعد هذه الخطوة ابتعادا آخر عن سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي شل هذه المنظمة الدولية وعارض تعيين وزيرة المالية النيجيرية السابقة رغم دعم العديد من الدول الأخرى لها لتولي إدارة المنظمة.
وقالت الممثلة التجارية للولايات المتحدة كاثرين تاي في بيان، إن أوكونجو-ايويلا تتمتع بـ" سعة معرفة" في الاقتصاد والدبلوماسية الدولية، مشيرة الى أن "لديها خبرة مثبتة في إدارة منظمة دولية كبيرة".
كيف كانت سياسة ترمب؟
منذ أن حسم نتائج انتخابات 2016 لصالحه، كان من الواضح أن قارة إفريقيا ليست ضمن أولويات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو ما تبيّن سريعاً عبر سلسلة إجراءات أفضت إلى فك الارتباط بين التزامات واشنطن والدول الإفريقية.
في الشأن السياسي، كان لحقبة ترمب أقل تمثيل دبلوماسي في القارة السمراء، حيث يقول وزير الأشغال العامة السابق في ليبيريا، جيود مور، في مقال نشره بموقع "كوارتز" الأميركي، إنه بعد عامين من رئاسته، لم يكن لدى ترمب سفراء في نصف دول القارة تقريباً، مضيفاً أن أعلى منصب معني بالشأن الإفريقي في الإدارة الأميركية ظل شاغراً أو مشغولاً من قبل مسؤول مؤقت.
وإضافة إلى كونه الرئيس الأميركي الوحيد، منذ عهد رونالد ريغان، الذي لا يزور القارة الإفريقية إطلاقاً خلال ولايته، لم يلتق ترمب سوى 3 رؤساء أفارقة فقط في البيت الأبيض منذ عام 2016، وهم رؤساء مصر ونيجيريا وكينيا، في حين أن سلفه باراك أوباما قام في عامه الأول، وتحديداً في 4 يونيو 2009 بزيارة تاريخية إلى مصر، إحدى أكبر الدولة الإفريقية.
وأشار مور إلى أن إدارة ترمب اقترحت تخفيضات كبيرة في برامج الدعم الخاصة بقارة إفريقيا، لافتاً إلى التداعيات الكارثية لقرار ترمب حجب المساهمة عن تمويل وكالات الأمم المتحدة والانسحاب من منظمة الصحة العالمية في خضم جائحة كورونا، حيث كان لذلك عواقب وخيمة على إفريقيا، ورغم إطلاق ترمب مبادرة "ازدهار إفريقيا" عام 2018، إلا أن شيئاً منها لم يتحقق.
العلاقات الاقتصادية هي الأخرى شهدت تراجعاً كبيراً خلال رئاسة ترمب، إذ انخفض حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وقارة إفريقيا، إلى 41 مليار دولار في عام 2018، بعد أن كان 100 مليار دولار في عام 2008، كما انخفض حجم الاستثمار الأميركي المباشر من 50.4 مليار دولار في العام 2017 إلى 43.2 مليار دولار في عام 2019.
وبدا ترمب أكثر إصراراً في المضي باستراتيجية فك الارتباط بين واشنطن وإفريقيا، وذلك عندما أعلن خطة تقليص عدد القوات الأميركية التي تقوم بمهام مكافحة الإرهاب في القارة بنسبة تقارب 25%، وقد سحب بالفعل قواته من الصومال في يناير 2021، بل وحاول تقييد الأمم المتحدة من تمويل عمليات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي.
واستمر الوضع على ذلك المنوال حتى وصلت درجة استياء الدول الإفريقية من ترمب إلى ذروتها في بداية عام 2018، عندما سرّب نائب ديمقراطي محادثة لترمب خلال اجتماع في البيت الأبيض مع أعضاء من مجلس الشيوخ حول الهجرة، وصف خلالها الدول الإفريقية بأنه "قذرة"، حيث أثار ذلك انتقادات واسعة للرئيس الأميركي السابق.
نهج جديد
على عكس سلفه، تبدو استراتيجية الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، أكثر انفتاحاً نحو القارة الإفريقية، وهو ما أكده خلال حملته الانتخابية، حيث تشير أجندته المنشورة في الموقع الإلكتروني الرسمي لحملة "بايدن هاريس"، إلى الالتزام الواضح تجاه إفريقيا، القائم على الاحترام المتبادل، وذلك بالاستناد إلى خبرته الطويلة في السياسة الخارجية الممتدة لعدة عقود.
وتعهّد بايدن بإعادة وتنشيط العلاقات الدبلوماسية مع الحكومات الإفريقية والمؤسسات الإقليمية في القارة، بما في ذلك الاتحاد الإفريقي، وانتهاج استراتيجية تؤكد دعم واشنطن للمؤسسات الديمقراطية، وتعزيز السلام والأمن الدائمين، وتحقيق النمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار والتنمية المستدامة.
وقال الرئيس الأميركي أيضاً خلال حملته الانتخابية، إنه سيتخلص على الفور من سياسات الهجرة غير الإنسانية لإدارة ترمب، وذلك وفق ما توضح خطته تجاه المهاجرين الأفارقة في الولايات المتحدة، والتي نُشرت في موقع حملته بعنوان "أجندة بايدن هاريس للشتات الإفريقي".
وفي أحدث تصريحاته المتعلقة بالقارة السمراء، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن، بتحقيق شراكة مع إفريقيا، معرباً عن أمله بحضور قمة الاتحاد الإفريقي التي تعقد افتراضياً نهاية هذا الأسبوع، بسبب جائحة كورونا.
وفي رسالة بالفيديو، يوم الجمعة الماضي، قال بايدن إنه سيحرص على العمل مع الأفارقة بشأن أولوياته الرئيسية لمكافحة فيروس كورونا وتغير المناخ، وكذلك تعزيز الدبلوماسية لإنهاء النزاعات بالقارة، مضيفاً أنه "لن يكون أي من هذا سهلاً، لكن الولايات المتحدة مستعدة الآن لتكون شريككم في التضامن والدعم والاحترام المتبادل".
وأكّد بايدن أنه يريد العمل مع إفريقيا على "مستقبل ملتزم بالاستثمار في المؤسسات الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان لجميع الناس، النساء والفتيات وأفراد مجتمع الأقليات الجنسية وذوي الإعاقة والأشخاص من كل الخلفيات العرقية والديانات".
واعتبرت دراسات عدة سابقة، أن الرؤساء الديمقراطيين أكثر استجابة للتطلعات والمصالح الإفريقية من الجمهوريين، وهو ما قد يُفسر دعم غالبية الأميركيين من أصل إفريقي للحزب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية.
مواجهة النفوذ الصيني
وسيكون أمام الرئيس الأميركي الجديد تحديات كبيرة تتعلق بإعادة ملء الفراغ الذي خلفته إدارة دونالد ترمب في القارة الإفريقية، والذي يبدو أن الصين ملأته بشكل كبير، من خلال مشروعات ضخمة نفذتها في الدول الإفريقية، غيرَ أن باستطاعة إدارة بايدن استغلال نقاط القوة التي قد تصب في مصلحة الولايات المتحدة، ولا سيما الاعتماد على سياسة المنح التي تتبعها عادةً واشنطن، على عكس بكين التي تتجه غالباً نحو الديون.
وقد استطاعت المشروعات الصينية في القارة الإفريقية منذ عام 2000، إنشاء أكثر من 6 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، ومثلها من الطرق، وحوالي 20 ميناءً، وأكثر من 80 محطة طاقة كبيرة، ومجمعات صناعية، فضلاً عن أنها وفرت أكثر من 120 ألف منحة دراسية.
كما ستواجه إدارة بايدن تحديات أخرى خلال مجاراة النفوذ الصيني في إفريقيا، ويتمثل في مبادرة "الحزام والطريق" التي تمثل جزءاً رئيسياً من خطة انتشار بكين في المنطقة، وهي مبادرة تهدف إلى توسيع التجارة العالمية من خلال إنشاء شبكات من الطرق والموانئ والمرافق الحيوية الأخرى عبر دولة عدة في قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا.
إدارة بايدن وإفريقيا
ومن المتوقع أن تلعب اختيارات بايدن لأعضاء فريقه دوراً محورياً في إعادة تجسير الفجوة في العلاقات الأميركية الإفريقية، ولعلّ من أبرز الأسماء في الإدارة الجديدة، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والمعروف بدعمه الكبير للشراكة مع إفريقيا.
وكذلك اختيار ليندا توماس غرينفيلد لمنصب المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، وهي من أصول إفريقية، وشغلت في عهد أوباما منصب مساعدة وزير الخارجية لمكتب الشؤون الإفريقية، وقد تشغل ميشيل غافن، المنصب ذاته في عهد بايدن، حيث عملت سابقاً في العديد من دول القارة، وهناك أيضاً سوزان رايس المرشحة لمنصب رئيسة مجلس السياسة الداخلية، وهي الأخرى عملت في الملف الإفريقي لدى عدة إدارات سابقة.
وفي ضوء الملامح الأولى التي بدأت تتضح لسياسة الرئيس الأميركي الخارجية، وتأكيده على عودة الولايات المتحدة إلى المسرح الدولي وترميم علاقاتها مع حلفائها، انطلاقاً من مصالحها ومسؤولياتها والتزاماتها، يُرجح البعض أن هناك العديد من الأسباب الجوهرية للاعتقاد بأن استراتيجية جو بايدن، ستكون أفضل حالاً بالنسبة للقارة السمراء.