بين حسابات التوافق ومنطق "الأغلبية".. 4 سيناريوهات تحكم المشهد الشيعي بالعراق

time reading iconدقائق القراءة - 7
جانب من جلسة مجلس النواب العراقي الأولى في بغداد - 10 يناير 2022 - twitter.com/Parliament_iq
جانب من جلسة مجلس النواب العراقي الأولى في بغداد - 10 يناير 2022 - twitter.com/Parliament_iq
بغداد-باسل حسين

ليس من المبالغة القول، إن المشهد السياسي الشيعي في العراق يعاني انقساماً شديداً واستقطاباً حاداً غير معهود سابقاً.

وينقسم المشهد بين طرفين، الأول هو الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر، والثاني الإطار التنسيقي المكون من قوى سياسية عدة أبرزها "تحالف الفتح" الذي يرأسه هادي العامري ويضم الأحزاب السياسية الأقرب إلى إيران مثل "بدر" ويرأسها العامري، و"عصائب أهل الحق" برئاسة قيس الخزعلي، و"السند" برئاسة أحمد الأسدي، و"النهج الوطني" برئاسة عمار طعمة، و"تحالف قوى الدولة" بزعامة عمار الحكيم.

والتحالف المذكور مكون من "حزب الحكمة" الذي يرأسه الحكيم أيضاً، و"ائتلاف النصر" الذي يرأسه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، و"ائتلاف دولة القانون" الذي يرأسه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، و"العقد الوطني" برئاسة فالح الفياض.

حتى الساعة لم تنفع جميع الحوارات الداخلية، وحتى التدخل الإيراني في رأب الصدع أو تقريب وجهات النظر بين هذه القوى والمكونات، لاسيما مع إصرار زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر على الذهاب بعيداً في خيار الأغلبية السياسية (الأغلبية الوطنية) من دون الالتفات إلى التهديدات أو الضغوط التي تمارس عليه.

الصدر.. تفاوض من موقع أعلى

يمتلك الصدر عناصر عدة تجعل منه الطرف الأقوى في أي مفاوضات مع الإطار التنسيقي، لعل أهمها أولاً، أنه الفائز الأول (على الصعيد الوطني أو السياسي الشيعي) في الانتخابات بـ(73 مقعداً). 

الصدر قال في كلمته المتلفزة الأخيرة، إن تيار الكتلة الصدرية هي "الكتلة الأكبر شيعياً". ثانياً إنها كتلة واحدة صماء صلدة وليست عبارة عن آراء أو كتل متعددة كما هو الإطار التنسيقي. ثالثاً أنه الوحيد القادر على تحريك الشارع متى وأينما أراد، ولا يضاهيه أحد من الأحزاب السياسية الشيعية المنافسة له.

رابعا لديه (الصدر) أذرع مسلحة متمثلة بـ"سرايا السلام" التي تشكل له قوة ردع أمام أي فعل تحرك من قوى السلاح في الإطار التنسيقي. خامساً، دعمت قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة، في ما يتعلق بالانتخابات، وفي مشروعية الجلسة الأولى، موقف مقتدى الصدر إزاء الإطار التنسيقي. سادساً، تزايد الاعتراف الإقليمي والدولي بنتائج الانتخابات ومساراتها والمطالبة باحترام مخرجاتها.

كل ما تقدّم من عناصر، يعطي أفضلية كبرى للكتلة الصدرية وزعيمها، ويكسبهما أيضاَ موقع أعلى تفاوضياً.

محنة "الإطار التنسيقي"

في المقابل، يزداد موقف الإطار التنسيقي ضعفاً وانكساراً، لاسيما أن هناك مجموعة عوامل تضعف من موقفه التفاوضي إزاء الكتلة الصدرية، منها أنه ليس تحالفاً أو حزباً واحداً، بل تشكيل لتنسيق المواقف مكون من عدة تحالفات وأحزاب لها مصالح ورؤى مختلفة. لذا، فإن احتمالية انفراط عقده أمر يكاد يكون حتمياً، مع اقتراب تشكيل الحكومة.  

تجدر الإشارة إلى أن زعيم "التيار الصدري"، كشف أن رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري، وافق على الانضمام إلى مفاوضات تشكيل الحكومة من دون مشاركة زعيم "دولة القانون (نوري المالكي)، إلا أنه تراجع في ما بعد، ما يشي بأن الأحزاب المنضوية في الإطار التنسيقي، ستفضل مصالحها الحزبية في النهاية، وأن التقاطع في المصالح، سيؤدي بها إلى الاختلاف في المواقف. 

وسيزداد هذا الاختلاف والخلاف حدة كلما اقتربنا من تشكيل الحكومة بما يخلق توقعاً مفاده أن قسماً منها سيتحالف مع حزب الكتلة الصدرية لتشكيل الحكومة، حفاظاً على مصالحه الحزبية، بما يفضي إلى ترك زعيم "دولة القانون" في المعارضة الإجبارية وحيداً.

فضلاً عن ذلك، ليس لقوى "الإطار التنسيقي" القدرة على تحشيد الشارع، وقد تم إثبات ذلك حين تظاهر أنصاره ضد نتائج الانتخابات، وهو ما كشف هذا الضعف.

كما أن التهديد باستخدام القوة، سيقابله رد مقابل من "التيار الصدري"، بل ويزيد من عزلة تلك القوى مجتمعياً ويضعف موقفها الداخلي والدولي.

تراجع الدور الإيراني

على غير عادته، جاء التدخل الإيراني متأخراً بعض الشيء هذه المرة، بحيث بدا وكأنه يلاحق الحدث العراقي أكثر مما يصنعه أو يساهم في صناعته كما جرى في الدورات الانتخابية السابقة.

والحقيقة أن المراقب للمشهد العراقي، يرى بوضوح، أن الدور الإيراني في العراق أصابه الاضطراب والتشتت، نتيجة حدثين رئيسيين، الأول "حراك تشرين" الشبابي الذي طالب بفك التبعية لإيران ومنعها من التدخل في شؤون العراق الداخلية، والذي تجسد في رفع شعار "إيران برة برة بغداد تبقى حرة" وإحراق قنصليات إيرانية في أكثر من محافظة عراقية، إضافة إلى تزايد الرفض المجتمعي للنفوذ الإيراني. 

والثاني، غياب قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" قاسم سليماني، وعدم قدرة إيران على تعويضه بشخصية أخرى، لاسيما وأن اسماعيل قاآني (خلفه) لا يمتلك الكاريزما ذاتها، وليس ملماً بالشأن العراقي على نحو كيير، علماً أنه كان بعيداً عن العراق بوصفه مسؤولا ًعن الملف الأفغاني.

وجسد عدم امتثال القوى المرتبطة بإيران أحياناً، وتمردها على القرارات الإيرانية، وتزايد صراعاتها البينية، أحد أهم الدلالات على تراجع الدور الإيراني، فضلاً عن شواهد أخرى.

يضاف إلى ذلك، انشغال طهران بمفاوضات فيينا مع المجتمع الدولي، ومحاولاتها إرسال رسائل إيجابية بأنها قادمة على تعديل سلوكها في المنطقة.

نتائج الانتخابات المبكرة، كانت شاهداً آخر على تراجع النفوذ الايراني مجتمعياً وسياسياً، إذ عاقب الجمهور العراقي، والشيعي تحديداً عبر الصندوق الانتخابي القوى السياسية المرتبطة بإيران، لاسيما "القوى الولائية" القريبة من طهران، والتي هزمت هزيمة كبرى دفعت طهران إلى التفكير الجدي بعدم تحدي النتائج على نحو قد يزيد من خسائرها.

إلا أن وتيرة التدخل الإيراني، ازدادت بعد عقد الجلسة الأولى وانتخاب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ونائبيه، إذ زار قاآني العراق ومعه السفير الإيراني الأسبق حسن دنائي، الذي فر من العراق أكثر من مرة، من أجل الضغط على زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بالتراجع عن فكرة "الأغلبية الوطنية"، واستبعاد نوري المالكي وكتلته (دولة القانون) من المشاركة في الحكم.

اللافت كان أن الصدر عمد عقب كل اجتماع مع الجانب الإيراني إلى التأكيد عبر التغريد:" لا شرقية ولا غربية حكومة أغلبية وطنية". 

ولا يبدو أن الضغوط الإيرانية ستسفر عن شيء كبير، وبالتالي ستعمد إلى التكيف مع الوضع العراقي كما هو.

سيناريوهات المشهد السياسي الشيعي

  • المضي بخيار "الأغلبية الوطنية" مع قبول بعضاً من أطراف الإطار التنسيقي وإبعاد بعضها الآخر، لا سيما "دولة القانون" وزعيمها نوري المالكي.
  • المضي بخيار "الأغلبية الوطنية" مع استبعاد جميع قوى "الإطار التنسيقي"، أو أن يتخذ "الإطار" قراره من تلقاء نفسه بعدم الاشتراك في الحكومة.
  • العودة إلى التوافق واشتراك الكتلة الصدرية وجميع قوى "الإطار التنسيقي" في الحكومة.
  • أن تشكل قوى "الإطار التنسيقي" الحكومة وتذهب الكتلة الصدرية للمعارضة. 

ويبدو أن السيناريو الأول هو الأكثر ترجيحاً من بقية السيناريوهات الأخرى، فيما يأتي السيناريو الثاني بعده.

د.باسل حسين - رئيس مركز كلواذا للدراسات وقياس الرأي العام العراقي 

تصنيفات