دبي -الشرق
سعى الرئيس الأميركي جو بايدن، ونظيره الألماني أولاف شولتز، إلى تشكيل جبهة موحدة لمواجهة التحديات، الاثنين في البيت الأبيض، إلا أن ثمة نقطة رئيسية واحدة شائكة ولا تزال عالقة، برغم تعهدات الرئيسين بالوحدة، وهي مستقبل خط أنابيب الغاز الطبيعي "نورد ستريم 2".
وفي اجتماع بالبيت الأبيض، خلال مقابلة إعلامية مع برنامج "The Lead with Jake Tapper"، على شبكة "سي إن إن" الأميركية، كشف المستشار الألماني عن الفجوة الواضحة التي لا تزال تفصل بين موقفه بشأن خط أنابيب الغاز الطبيعي العملاق من جانب، وموقف نظيره الأميركي من جانب آخر.
وخلال المؤتمر الصحافي، الذي أعقب اجتماع المكتب البيضاوي، كان بايدن واضحاً في أن "هذا المشروع لن يمضي قدماً حال أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا".
وكان هذا هو الموقف الذي اتخذه بايدن ومسؤولوه منذ أسابيع، والذي شكل محور النقاش مع حكومة شولتز الجديدة، وفقاً لما قاله مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة الأميركية لـ"سي إن إن".
لكن على الجانب الآخر، رفض شولتز حتى مجرد ذكر اسم المشروع في المؤتمر الصحافي، كما رفض إعلان التزامه بوقف خط الأنابيب في حال أقدمت روسيا على غزو جارتها، وهو الموقف ذاته الذي أثار مشكلات لوزيرة خارجيته أثناء زيارتها إلى أوكرانيا.
مراسلة "الشرق" في واشنطن، قالت إن شبكة "سي إن إن" نقلت عن مصادر أن الرئيس الأوكراني رفض عقد اجتماع مع وزيرة خارجية ألمانيا، بعد أن رفضت ألمانيا التعهد بوضوح بأنها ستوقف خط أنابيب "نورد ستريم 2" في حال اجتاحت روسيا أوكرانيا.
معضلة شولتز
وخلال البرنامج، قال المستشار الألماني لمقدم برنامج "سي إن إن": "لا أعلم إن كان هذا حدث"، لكنه لم يتعهد بوضوح بوقف المشروع، وتجنب مجدداً الإفصاح عن نواياه حيال "نورد ستريم"، قبل أن يؤكد تعهده بالبقاء في الصف الأميركي.
وقال شولتز: "جميع الخطوات التي سنتخذها سنقوم بها معاً. كما قال الرئيس الأميركي، نحن نتجهز لذلك. يمكنك أن تتفهم ذلك، وأن تكون على يقين تام بأن ألمانيا ستكون يداً بيد مع جميع حلفائها، وأولهم الولايات المتحدة، وسنتخذ الخطوات ذاتها. ولن تكون هناك خلافات بشأن هذا الموقف".
وخلال المؤتمر الصحافي، قطع شولتز على نفسه بالتعهد ذاته قائلاً: "أقول لأصدقائنا الأميركيين، سنكون يداً واحدة، وسنتحرك معاً، وسنتخذ جميع الخطوات الضرورية جميعاً وفي الوقت ذاته".
ويبرز خط أنابيب "نورد ستريم 2"، الذي يمتد تحت مياه بحر البلطيق لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، دون المرور بأوكرانيا، معضلة شولتز في مواجهة موسكو وأوروبا.
وتعتمد ألمانيا بدرجة كبيرة على الطاقة الروسية، ما يجعل من الصعب فرض عقوبات كبيرة دون وقف إمدادات النفط والغاز في أشهر الشتاء الباردة.
وتبحث الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، من آسيا إلى الشرق الأوسط، وحتى لدى الموردين الأميركيين المحليين، عن إمدادات بديلة للطاقة يمكن تحويلها إلى أوروبا، لكن لم يتضح بعد مدى النجاح الذي حققته هذه المبادرة.
وتعارض الولايات المتحدة خط الأنابيب، إذ أعلنت بوضوح أن هذا المشروع لن يمضي قدماً في حال قرر بوتين غزو أوكرانيا. وقال بايدن، الاثنين: "إذا أقدمت روسيا على الغزو، أي إذا عبرت دباباتها، أو قواتها حدود أوكرانيا مرة أخرى، فلن يكون هناك نورد ستريم 2.. سننهي هذا المشروع".
لكن شولتز رفض تحديد ما هو مستعد للقيام به لوقف "نورد ستريم 2"، مكتفياً بالقول إن ألمانيا ستضطلع بالخطوات ذاتها التي تتخذها الولايات المتحدة لمعاقبة روسيا.
ولدى تعرضه لضغوط من صحافي أميركي بشأن ما إذا كان هذا يعني "سحب القابس" الخاص بـ "نورد ستريم 2"، اعترض شولتز مرة أخرى، وبدا وكأنه يقلب عينيه في السؤال، قبل أن يقول: "سبق أن أكدت أننا نعمل معاً. إننا متحدون تماماً، ولن نتخذ خطوات في اتجاهات مختلفة. سنتخذ الخطوات ذاتها وسيكون الأمر بالغ الصعوبة على روسيا، وهو ما عليهم أن يتفهموه".
"غضب أوكراني"
لم يكن الإعلان الواضح والصريح عن وقف خط الأنابيب ما كان البعض في الولايات المتحدة يبحث عنه، كإشارة إلى عزم ألمانيا على مواجهة روسيا، فالجدل بشأن ما ستفعله برلين حيال هذا المشروع يثير لغطاً كبيراً في أوكرانيا أيضاً، التي تعارض المشروع لأنه لا يمر عبر أراضيها.
وعلى الرغم من إلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً له الاثنين، بين وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بربوك، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فجأة بسبب "خطأ في الجدول الزمني"، حسبما أُعلن رسمياً، فإن مصدراً مقرباً من الحكومة الأوكرانية أخبر "سي إن إن" بأن الاجتماع لم يُعقد بسبب إحجام برلين عن التخلي عن مشروع "نورد ستريم 2" في حال مضت موسكو قدماً في غزو أوكرانيا.
كما أشار المصدر أيضاً إلى أحد أسباب إلغاء الاجتماع رفض ألمانيا تقديم مساعدات عسكرية إلى كييف.
وفي المقابلة، قال شولتز إنه لا يعلم ما إذا كان الاجتماع تغير بسبب موقف ألمانيا من خط الأنابيب، لافتاً إلى أن بربوك ما زالت في كييف، حيث التقت وزير خارجيتها، وأنه (المستشار الألماني) بعث بها إلى هناك لتفقد الخطوط الأمامية ودراسة الوضع.
"استعادة الثقة"
من جهته، تجاهل الرئيس الأميركي فكرة أن ألمانيا يمكن أن "تستعيد الثقة" بالالتزام علانية بعبارات أكثر وضوحاً بإنهاء مشروع "نورد ستريم 2" في حال غزت روسيا أوكرانيا، مؤكداً أن "ليس هناك حاجة لألمانيا لاستعادة الثقة، فهي تتمتع بثقة الولايات المتحدة كاملة".
وأضاف: "ألمانيا أحد أهم حلفائنا في العالم ولا يوجد شك في الشراكة بيننا".
وأوضح بايدن أنه يعتقد أن قضية "نورد ستريم 2" يجب ألا تقف عائقاً في سبيل تحسين العلاقات مع ألمانيا، وأنه يدرك السياسات الحساسة التي يواجهها شولتز حيال هذا المشروع.
وأشارت تصريحات بايدن في المؤتمر الصحافي الذي عقد الاثنين، إلى "التفاهم الراسخ" بين الزعيمين بشأن خط الأنابيب، الذي لم يتم تشغيله بعد بسبب خضوعه لمراجعات بيئية.
لكن بايدن رفض أن يفصح عن الطريقة التي ستوقف بها الولايات المتحدة المشروع، إذ أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا، دون مساعدة ألمانيا، كما وعد قائلاً: "أعدكم.. سنكون قادرين على إنجاز ذلك".
مصداقية ألمانيا
وكان شولتز رفض إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، ولم يكشف خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب اجتماعاً بالمكتب البيضاوي، عن خططه لفرض عقوبات في حال الغزو الروسي.
لكن في ظهور مشترك بالبيت الأبيض، قال الرئيسان إن مخاوف المسؤولين الأميركيين من أن ألمانيا تتوارى عن الاضطلاع بدور قيادي ليست في محلها، وفقاً لما نقلته"سي إن إن".
ووصف بايدن، في المؤتمر المشترك، ألمانيا بأنها "تتمتع بمصداقية تامة، ويمكن الاعتماد عليها بشكل كامل"، مضيفاً: "ليس لدي أدنى شك في ألمانيا على الإطلاق"، في دعم واضح لضيفه في أول زيارة رسمية يقوم بها إلى واشنطن.
كان شولتز تولى السلطة في ألمانيا في ديسمبر، خلفاً للمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، التي خلف غيابها عن الأزمة الراهنة آثاراً واضحة على الدول الواقعة على ضفتي الأطلسي.
ووصل شولتز إلى البيت الأبيض في وقت حشد فيه بوتين 70% من جنوده وأسلحته على الحدود الأوكرانية لتنفيذ غزو شامل ضد جارته، بناء على تقديرات استخباراتية أميركية، رغم أن أحداً لا يعلم حقيقة نواياه على وجه الدقة.
"محادثات الأزمة"
وقبل اجتماع بايدن وشولتز، قال مسؤولون أميركيون إن الرئيسين سيقضيان معظم وقتهما معاً في مناقشة الأزمة الأوكرانية، بما في ذلك تجهيز "حزمة عقوبات مغلظة" ضد موسكو في حال مضت قدما في الهجوم على أوكرانيا.
وبحسب "سي إن إن"، عندما جلس الرئيسان على المكتب البيضاوي أمام المدفأة، قال بايدن إن الولايات المتحدة وألمانيا "تعملان معاً بخطى حثيثة لردع العدوان الروسي".
وأضافت الشبكة الإخبارية الأميركية، أن الحقائق المأساوية المتعلقة بالأزمة الأوكرانية أضفت على اجتماع الاثنين صبغة "محادثات الأزمة"، رغم أن بايدن كان يأمل في أن يستغل هذه الجلسة للتعرف إلى شولتز بشكل شخصي على نحو أعمق، في ضوء أنهما سيقضيان معاً مزيداً من الوقت على مدى السنوات المقبلة.
وأشارت "سي إن إن" إلى أن الزعيمين لم يسبق لهما أن التقيا قبل ذلك سوى مرة واحدة، حين رافق شولتز المستشارة الألمانية السابقة إلى قمة مجموعة العشرين، التي عقدت في أكتوبر الماضي.
وسعى بايدن إلى إصلاح العلاقات مع ألمانيا بعد أن اتهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ألمانيا علانية بالتنصل من التزاماتها الدولية.
إحباط أميركي
وخلَف الانطباع بأن ألمانيا لا يوجد لديها استعداد حقيقي أو ربما غير قادرة على فرض تدابير ردع جادة ضد روسيا، شعوراً بالإحباط لدى بعض المسؤولين الأميركيين، حيث أعرب أعضاء في الكونجرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، عن استيائهم.
كما ألمح بايدن إلى هذا الخلاف الشهر الماضي، حين قال إن "أي توغل طفيف" من قبل روسيا في أوكرانيا سيثير بعض الخلافات بين أعضاء الناتو بشأن الطريقة الأمثل للرد.
في أثناء ذلك، واجه شولتز ارتباطاً مزعجاً رسخ له سلفه في حزبه السياسي، الذي أقام علاقات وثيقة بصناعة الطاقة الروسية. إذ عمل جيرهارد شرودر، آخر سياسي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي يعتلي منصب المستشار الألماني، ضمن مجلس مديري العلاقات في "نورد ستريم 2".
والأسبوع الماضي، أعلنت شركة "غازبروم"، العملاقة المملوكة للدولة الروسية، تعيين شرودر في مجلس إدارتها أيضاً.
وقال شولتز، وفقاً لما نقلته "سي إن إن"، رداً على أسئلة بشأن وضع شرودر، إن الأخير "لا يتحدث باسم الحكومة، ولا يعمل لحسابها، وغير تابع لها، فأنا المستشار الآن".
ميركل وماكرون في الأزمة الأوكرانية
وأشارت الشبكة الإخبارية إلى أنه "لم يكن هناك سوى مستشار واحد آخر منذ أن غادر شرودر منصبه في 2005، وهي أنجيلا ميركل، التي ترك غيابها عن المسرح العالمي بعد 16 عاماً قضتها في منصب المستشار الألماني، أثراً غائراً، بينما يختبر بوتين الإرداة الغربية".
ولفتت "سي إن إن" إلى أنه حين غزت روسيا أوكرانيا في عام 2014، اضطلعت ميركل بدور مركزي كوسيط بين بوتين وحلفاء ألمانيا الغربيين، وتحدثت إلى الزعيم الروسي بإلحاح، فيما حثت القادة الآخرين على تصعيد العقوبات ضد موسكو بسبب ضمها شبه جزيرة القرم.
ولعبت ميركل دوراً محورياً في إطلاع واشنطن على المستجدات أولاً بأول، من خلال علاقتها الوثيقة التي أقامتها مع الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما.
لكن هذه المرة لم تشهد الأزمة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا اضطلاع المستشار الألماني بهذا الدور المحوري، وإنما برز بدلاً منه الرئيس الفرنسي.
وتحدث الرئيس إيمانويل ماكرون عدة مرات في أسبوع واحد مع نظيره الروسي، كما أجرى مكالمته الهاتفية الثالثة خلال هذا الأسبوع مع بايدن مساء الأحد. وزار ماكرون موسكو الاثنين، ويُتوقع أن يصل إلى كييف في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
وفي غضون ذلك، لم يضطلع شولتز بدور واضح في نزع فتيل الأزمة الأخيرة، ما أثار ضده انتقادات الألمان الذين اتهموه بالاختفاء من المشهد في لحظة التوتر. وفي محاولة واضحة لمحو آثار هذا الانطباع، سيزور شولتز أيضاً روسيا وأوكرانيا في وقت لاحق من هذا الشهر.
اقرأ أيضاً:
تصنيفات
