هل تخلت إندونيسيا عن الحياد في التنافس الأميركي-الصيني؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسوديفي مبنى وزارة الخارجية الأميركية بواشنطن- 3 أغسطس 2021 - REUTERS
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسوديفي مبنى وزارة الخارجية الأميركية بواشنطن- 3 أغسطس 2021 - REUTERS
دبي-عزيز عليلو

 أعادت صفقة بيع مقاتلات أميركية من طراز إف-15 أميركية لإندونيسيا، فتح ملف الصراع الأميركي الصيني على النفوذ في منطقة جنوب شرق آسيا.

وأعلنت الخارجية الأميركية الموافقة على بيع إندونيسيا 36 مقاتلة إف-15 مقابل 14 مليار دولار. وفي اليوم ذاته، وقّعت إندونيسيا عقداً مع فرنسا، حليفة واشنطن في الناتو، لشراء 42 مقاتلة رافال.

وقالت الخارجية الأميركية وفي بيان إن حيازة إندونيسيا هذه المقاتلات "ستعزز أمن شريك إقليمي مهمّ يمثّل قوة استقرار سياسي وتقدّم اقتصادي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، من دون أن تأتي على ذكر الصين التي يسعى الرئيس جو بايدن إلى التصدي لنفوذها الإقليمي المتنامي.

يأتي ذلك في وقت تحرص فيه إندونيسيا بشدة على الحفاظ على استقلاليتها في العلاقات الخارجية، دون الانحياز إلى واشنطن أو بكين، إذ أكد وزير الدفاع الإندونيسي برابوو سوبيانتو في نوفمبر الماضي، أن بلاده "تدرك مصالح الولايات المتحدة وأنها قوة عظمى بارزة (..) ولكننا أيضاً نعترف بمصالح الصين الشرعية، وندعم مكانة بكين الصحيحة كقوة عظمى".

فهل تمهد صفقتي التسلح مع واشنطن وباريس، لتغيير في سياسة الحياد التي تتبناها جاكرتا بخصوص الصراع الصيني الأميركي؟

صفقات بديلة

يرى برنت سادلر  مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) وخبير  في الشؤون السياسية والاستراتيجية في معهد "هيرتيج" الأميركي، أن صفقة التسلح الجديدة "غير مرتبطة" بالصراع الصيني الأميركي.

وقال سادلر لـ"الشرق"، إن "المسألة تعود إلى 2018، حين كانت إندونيسيا تستعد للمضي قدماً في شراء مقاتلات روسية، لكن واشنطن كانت قد فرضت عقوبات على روسيا بسبب ضمنها للقرم".

أمام في هذا الوضع، يضيف سادر، "كانت هناك محادثات بين مسؤولي الدفاع في واشنطن وجاكرتا من أجل توفير بديل للمقاتلات الروسية، وبالتالي، أعتقد أن هذه الصفقة كانت قيد المراجعة لسنوات".

وكانت إندونيسيا قد وقعت عقداً عام 2018 لشراء 11 مقاتلة سوخوي سو-35، غير أنه لم ينفذ بسبب قانون "كاتسا" الأميركي، الذي ينص على عقوبات تلقائية على أي بلد يعقد "صفقة كبيرة" مع قطاع الأسلحة الروسي.

ولفت سادلر  إلى أن " الصفقة التي أبرمتها إندونيسيا مع فرنسا تعتبر كذلك بديلاً مناسباً لفرنسا من أجل تثبيت وجودها في آسيا"، بعد الضربة التي تلقتها العام الماضي جراء فسخ أستراليا عقداً ضخماً لشراء غواصات فرنسية على وقع إعلان إنشاء تحالف "أوكوس" الإستراتيجي بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

"استغلال" الوضع

من جانبه، اعتبر محمد فايز فرحات، مدير مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية أن صفقة الطائرات الأميركية "ليست مؤشراً على أن موقف إندونيسيا من الصراع الصيني الأميركي في منطقة المحيط الهادي يشهد تحولاً".

وقال فايز لـ"الشرق"، إن "إندونيسيا تحاول دائماً الحفاظ على حيادها في المنطقة، ويتمحو دروها أساساً عبر رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التي لعبت من خلالها دوراً كبيراً في تبني استراتيجية  آسيان للمحيط الهادئ التي تركز على مفهوم الحياد"، مؤكداً أن "هذه المبادئ هي التي ما زالت تنبني عليها السياسة الخارجية لإندونيسيا".

واعتبر الخبير في الشؤون الأسيوية، أن "كل هذا لا يمنع من استغلال إندونيسيا لهذا التنافس في المنطقة لصالحها من خلال تعزيز قدراتها العسكرية، خصوصاً وأن إندونيسيا حريصة على استقرار منطقة البحر الصيني الجنوبي وحرية الملاحة في المنطقة، التي تستفيد منها البلاد".

وتابع: "هذه الصفقة لا تعبر عن تحول في موقف إندونيسيا، لأن أي تحول في موقفها وخروجها عن الحياد، ستتبعه خسائر في علاقاتها مع الصين".

ويعتمد الاقتصاد في إندونيسيا بشكل متزايد على الصين، إذ تعد الصين أكبر شريك تجارى لإندونيسيا وثانى أكبر مصْدر للاستثمار، مما يجعلها جزءاً هاماً من طموح إندونيسيا لتصبح اقتصاداً كبيراً ، بحسب مجلة "ذا ديبلومات" الأميركية. 

توتر في البحر الجنوبي

ولكن هذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام بين العملاقين الآسيويين المتجاورين بحرياً، إذ تصاعدت التوترات بين الصين وإندونيسيا خلال الفترة الأخيرة في الطرف الجنوبي الطرف الجنوبي من بحر الصين الجنوبي.

وفي ديسمبر الماضي، طلبت الصين من إندونيسيا التوقف عن التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في المنطقة البحرية، فيما اعتبرت إندونيسيا أن الطرف الجنوبي من بحر الصين الجنوبي هو منطقتها الاقتصادية الخالصة، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وسمّت المنطقة بحر "ناتونا الشمالي" في عام 2017.

وفي أغسطس 2020، نشرت إندونيسيا طائرات مقاتلة وسفناً حربية حول جزر ناتونا القريبة من بحر الصين الجنوبي، بعد دخول سفن صيد صينية.

ولا تتنازع الصين واندونيسيا من الناحية الرسمية السيادة على جزر ناتونا إذ يتفق الطرفان على أنها جزء من إقليم رياو الإندونيسي. كما أن جاكرتا لا ترفض مطالب بكين في بحر الصين الجنوبي.

لكن خلافات وقعت مراراً بين إندونيسيا والصين، بسبب حقوق الصيد حول جزر ناتونا حيث احتجزت جاكرتا صيادين من الصين وعززت وجودها العسكري هناك.

وبحسب  برنت سادلر، فإن سلوك الصين في البحر الجنوبي قد يكون ضمن أحد الأسباب التي تدفع إندونيسيا لتعزيز تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة.

وقال المسؤول السابق في "البنتاجون"، إن إندونيسيا "لا تريد  أن تكون في موقف تحتاج فيه إلى الاختيار بين عملاقين"، مضيفاً أنه "من المنطقي بالنسبة لإندونيسيا الحفاظ على التوازن في العلاقات مع بكين وواشنطن. لأن الاصطفاف مع طرف سيجعلها عدوة للآخر".

وأشار إلى أن "واشنطن لا تدفع إندونيسيا إلى الاصطفاف بجانبها وقطع العلاقات مع الصين". بالمقابل، يعتبر سادلر أن "الصين ونظراً لسلوكها، أصبحت تبدو لكل شركائها أنها غير موثوق بها نظراً لأنها تحاول فرض إملاءات في السياسة الخارجية على شركائها، وتعامل إندونيسيا كخصم لها في بعض الأحيان، كما هو الحال حين رفضت قيام إندونيسيا بالتنقيب عن النفط في بحر ناتونا الشمالي"، مضيفاً: "أعتقد أن هذا الأمر هو الذي دفع نحو تعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة".

مواجهة الصين

ويرى الطيار السابق في سلاح الجو الأميركي والباحث المتخصص في الأمن القومي والسياسة الخارجية بمعهد "هيرتيج"  جون فونابيل، أن تعزيز قدرات إندونيسيا الجوية بمقاتلات رافال الفرنسية و إف-15 الأميركية من شأنه أن يعزز قدرات إندونيسيا على صد تحركات الصين العدائية في سواحل إندونيسيا.

وقال فونابيل لـ"الشرق"، إن إندونيسيا تملك بالفعل سرباً كاملاً من طائرات سوخوي الروسية سو-27 وسو-30، التي تتمتع بقدرات عالية في المناورة، وأنظمة ردارات بمدى جيد، بالإضافة إلى سربين اثنين من طائرات إف-16 معدلة.

وتابع أن "شراء سربين آخرين من طائرات رفال وطائرات إف-15، سيكون إضافة جيدة لقوات إندونيسيا الجوية، ومن شأنه أن يحدّث قدراتها بشكل كبير"، موضحاً أن "قدرات رافال على جمع المعلومات الاستخباراتية تعد أقل من طائرات إف-15، لكنها تبقى إضافة جيدة للدفاع عن مصالح إندونيسيا، ومن شأنها أن تكبح أي تحركات عدوانية للصين".

وبالنسبة لإندونيسيا، يقول فونابيل إن الصفقات الجديدة تعد بديلاً مناسباً لطائرات سو-35 الروسية، إذ أن الطائرات الروسية تتطلب نفقات أكبر بعد البيع، من أجل التزود بقطع الغيار أو التدريب.

وأوضح فونابيل أن "صفقات الأسلحة التي تبرمها الدول مع الغرب عموماً أفضل من الصفقات المماثلة مع روسيا، من حيث جودة التكنولوجويا ومن حيث التدريب وتوفير إمكانية التصليح وإمدادت قطع الغيار، بالإضافة إلى جودة المحركات".

"تقارب نسبي" مع واشنطن

واعتبر ساتورو ناجاو، كبير الباحثين في منتدى اليابان للدراسات الاستراتيجية أنه وبينما تحرص إندونيسيا على تنويع شركائها العسكريين، بإبرام صفقات مع روسيا واليابان بالإضافة إلى فرنسا والولايات المتحدة، فإنها أصبحت تنهج سياسة "تقارب نسبي" مع واشنطن.

وأوضح ناجاو لـ"الشرق"، أن "إندونيسيا باتت تواجه تهديدات من الصين في الآونة الأخيرة، بعدما حاولت بكين المطالبة بالسيادة على جزيرة ناتونا، كحد جنوبي للمناطق التي تسعى للسيطرة عليها في بحر الصين الجنوبي".

ولفت إلى وجود "ثلاث قوى داخل إندونيسيا: التيار الديني والجيش والصين، التي لها تأثير كبير على الاقتصاد المحلي، ومن خلال ذلك تؤثر على السياسة الداخلية لإندونيسيا. غير أن اليابان أصبحت منافساً اقتصادياً كبيراً للصين في إندونيسيا".

لكن القوى الاقتصادية هي الوحيدة في إندونيسيا التي تناصر الصين، بحسب الخبير الياباني، بينما تنهاض الحركات الدينية في البلاد الفوارق الاجتماعية، وتلوم على ذلك، الصينيين الذين يستحوذون على معظم ثروات البلاد. في المقابل، يركز الجيش على تنويع الشركاء الدوليين بهدف تعزيز قدراته العسكرية.

صورة "سيئة"

ويشكل الصينيون في إندونيسيا أقل من ثمانية ملايين من أصل 250 مليون مواطن، وقد وصلوا البلاد مع الاحتلال الهولندي كعمال في المناجم والحقول، لكنهم يسيطرون على معظم الأنشطة الاقتصادية في البلاد.

وأوضح ناجاو أن "صورة الصين في الداخل الإندونيسي أصبحت سيئة في الفترة الأخيرة، نظراً لشبهات الفساد التي باتت تحوم حول المستثمرين الصينيين في إندونيسيا ولعلاقاتهم المشبوهة أيضاً بالسياسيين المحليين. وحين اندلع النزاع بشأن جزيرة ناتونا، زادت صورة الصين سوءاً".

نتيجة لكل هذه التطورات، يضيف ناجاو، "أصبحت إندونيسيا تتجه نحو تقارب أكبر نسبياً من السابق مع الولايات المتحدة، دون أن تصبح حليفاً يعتمد بشكل كامل على الولايات المتحدة، وبذلك أصبحت تعتمد نهجاً مماثلاً للهند في إدارة العلاقات مع واشنطن وبكين".

تصنيفات