قال الرئيس الفنلندي سولي نينيستو إنه لمس تبدّلاً في مزاج نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مشيراً إلى أنه ليس متفائلاً بشأن آفاق السلام في أزمة أوكرانيا، إذ يعتقد أن بوتين يسعى إلى الاستفادة من "الزخم الذي يتمتع به الآن"، كما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز".
وقالت الصحيفة إن نينيستو أدى دوراً حيوياً في كونه وسيطاً بين الشرق والغرب، ووصفته بأنه "الرئيس الأوروبي الأكثر خبرة في التعامل مع بوتين". وأضافت أنه تلقى مكالمات هاتفية وقدّم مشورة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء آخرين في العالم، سعوا إلى فهم متعمق لطبيعة لبوتين.
وذكر نينيستو أنه يُسأل: "ما رأيك في هذا الأمر وبهذا الشأن؟". وأضاف: "هذا هو المكان الذي أحاول فيه أن أكون مفيداً. إنهم يدركون أنني أعرف بوتين". وأشار إلى أن مقربين من الرئيس الروسي يقولون له أحياناً: "لماذا لا تُبلغ أصدقاءك الغربيين بهذا وذاك؟".
ولفت نينيستو (73 سنة) إلى أن دوره لم يقتصر على نقل الرسائل بين الشرق والغرب، واصفاً نفسه بأنه مترجم يشرح للجانبين طريقة تفكير الطرف الآخر.
خيار نشوب حرب
واعتبرت "نيويورك تايمز" أن تنحّي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي قادت المفاوضات التي أجرتها أوروبا مع بوتين، طيلة سنوات، جعل دور نينيستو حيوياً، لا سيّما مع قرع طبول الحرب.
لكن الرئيس الفنلندي ليس متفائلاً، وقال إنه لاحظ تبدّلاً في لغة بوتين، قبل آخر حديث مطوّل له معه الشهر الماضي، وبعده. وأضاف نينيستو: "حالته الذهنية، واتخاذ القرار، والحسم، واضح أن ذلك مختلف". وتابع أنه يعتقد بأن بوتين شعر بوجوب الاستفادة من "الزخم الذي يتمتع به الآن".
واستبعد نينيستو أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً، لا سيّما بعد خلاف موسكو وكييف بشأن اتفاق مينسك الذي يُصرّ الروس على احترامه، علماً أنه أُبرم في عام 2014 من أجل تسوية النزاع بين الحكومة المركزية وانفصاليين مدعومين من موسكو في شرق أوكرانيا.
وتكمن الخيارات المتبقية في أن تضغط روسيا على أوروبا وتطرح مطالب على الولايات المتحدة في المستقبل المنظور، أو نشوب حرب، كما قال الرئيس الفنلندي.
تسميم أليكسي نافالني
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن نينيستو، وهو في السنة الخامسة من ولايته الثانية البالغة 6 سنوات، يتمتع بشعبية ضخمة في فنلندا.
ولفتت إلى مقارنته بأورهو كيكونين، الذي تولّى السلطة في عام 1956 وحكم فنلندا لربع قرن، خلال ما سُمّي بـ"النموذج الفنلندي"، إذ أصبحت دولة محايدة بعد الحرب العالمية الثانية، ممّا أتاح لهلسنكي الحفاظ على علاقات ودية مع الاتحاد السوفياتي طيلة حقبة الحرب الباردة.
نينيستو الذي يحظى بنسبة تأييد تقارب 90% في بلاده، يرفض "مبالغات" بأنه "يعرف بطريقة أو بأخرى، المزيد عن بوتين أو تفكيره"، علماً أن علاقتهما بدأت قبل عقد، وشملت اجتماعات واتصالات هاتفية كثيرة ومباراة في الهوكي على الجليد.
لكنه أقرّ بأنه سأل بوتين في عام 2020، بتشجيع من ميركل، هل سيسمح بنقل الزعيم المعارض الروسي أليكسي نافالني إلى ألمانيا لمعالجته، بعدما اتهم الأخير عملاء لأجهزة الاستخبارات الروسية بتسميمه. وفي وقت لاحق، شكر مكتب نافالني الرئيس الفنلندي.
فنلندا والناتو
رافق ألكسندر ستاب، وهو رئيس وزراء ووزير خارجية سابق في فنلندا، نينيستو في لقاءات مع بوتين. وقال في إشارة إلى نينيستو، إنه "شخص جيد يمكنك الاتصال به عندما تريد أن تفهم ماذا يحدث في الزاوية الشمالية الشرقية من أوروبا، خصوصاً إذا أردت أن تفهم تفكير الرئيس بوتين. إنه عقل مدبر في سياسات القوة وإيجاد التوازن الصحيح".
وذكرت "نيويورك تايمز" أن نينيستو يستمدّ سلطته من ترؤسه الاجتماعات المخصصة للأمن القومي، ومن الدستور الذي ينصّ على أن رئيس الجمهورية "يقود" السياسة الخارجية "بالتعاون مع الحكومة".
أما السياسة الداخلية فهي من صلاحية رئيس الوزراء، علماً بأن مراقبين سياسيين فنلنديين يشيرون إلى أن رئيسة الوزراء الحالية، سانا مارين (36 سنة)، أغضبت نينيستو في يناير الماضي، بقولها لوكالة "رويترز" إن تقديم فنلندا طلباً لنيل عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) أثناء توليها منصبها، هو أمر "مستبعد جداً".
وحين سُئل الرئيس الفنلندي عن تصريحات مارين، أجاب: "ما زلت أقول فقط إنني لا أرى أضراراً كبيرة".
ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أن خيار الانضمام إلى الناتو مهم في فنلندا، بوصفه أداة استراتيجية للتعامل مع بوتين.
ونقلت عن نينيستو تذكيره بقول الرئيس الروسي يوماً إن الجار الفنلندي الصديق سيصبح "جندي العدو" إذا انضمّ إلى الناتو. ويؤكد الرئيس الفنلندي بشكل متكرر على حق بلاده في أن تصبح عضواً بالحلف، مضيفاً: "قلت ذلك لبوتين أيضاً، بوضوح شديد".
ترمب "لا يحترم المؤسسات"
يستذكر نينيستو مؤتمراً صحافياً في البيت الأبيض عام 2019، جمعه بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إذ نظر بشكل مباشر إلى ترمب، قائلاً: "لديك ديمقراطية عظيمة. دع الأمر يبقى كذلك".
وفي حديث إلى "نيويورك تايمز"، اعتبر نينيستو أن ترمب "لا يحترم المؤسسات"، سواء كان ذلك الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي (ناتو).
لكن الرئيس الفنلندي حاول إعطاء الرئيس الأميركي السابق بعض النصائح، قبل قمة جمعته ببوتين في هلسنكي عام 2018، شهدت مؤتمراً صحافياً اعتُبر كارثياً بالنسبة إلى ترمب، علماً أن نينيستو أبلغه أن الرئيس الروسي "يحترم الشخص الذي يقاوم".
وقال نينيستو إنه أبلغ الرئيس الأميركي جو بايدن بأمر مشابه، قبل مكالمة هاتفية أجراها الأخير مع بوتين بشأن أوكرانيا الشهر الماضي.
نينيستو الذي نجا من كارثة أمواج المدّ (تسونامي) التي شهدتها تايلاند، بعد زلزال مدمّر ضرب آسيا في عام 2004، حيث كان يقضي عطلة مع ابنيه، يأمل الآن بأن تساهم علاقته مع بوتين في تجنّب كارثة من صنع الإنسان في أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: