الدبلوماسية تحت القصف.. وقائع الغزو الروسي لأوكرانيا بمجلس الأمن

time reading iconدقائق القراءة - 10
مندوبة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد (مخفية جزئياً) تواسي مندوب أوكرانيا سيرجي كيسليتسيا بعد جلسة مجلس الأمن- 24 فبراير 2022 - AFP
مندوبة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد (مخفية جزئياً) تواسي مندوب أوكرانيا سيرجي كيسليتسيا بعد جلسة مجلس الأمن- 24 فبراير 2022 - AFP
دبي -محمد البحيري

كانت الضحكات تتعالى بين أحاديث هامسة يتبادلها ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي الذين حضروا اجتماع صباح الخميس، لبحث الأزمة الأوكرانية الروسية، دون أن يعلم أحد أنها ستكون جلسة استثنائية تسلك الدرب نحو صفحات التاريخ بنكهة درامية.

تعزز هذا الأمر مع حقيقة أن مندوب روسيا فاسيلي نبينزيا هو من يتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، وهو من سيدير تلك الجلسة التي تحمل الرقم 8974.

كان ممثلو الدول الأعضاء قد أعدّ كل منهم كلمة لإلقائها، يعرف الجميع محتواها مسبقاً، كونها لن تخرج في كل الأحوال عن دعوة إلى التهدئة، والتحذير من تداعيات أي حرب في ظل الظروف العالمية الراهنة، أو حتى الوصول إلى الحد الأقصى عبر التلويح بعقوبات جاهزة لفرضها على روسيا في حالة إقدامها على غزو أوكرانيا، مقابل آخرين عزموا على الدعوة إلى تفهم المطالب والمخاوف الروسية "المشروعة".

دقّ جرس التنبيه في قاعة مجلس الأمن للإشارة إلى بدء الاجتماع رسمياً، بكلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.

جوتيريش: أتمنى ألا أكون مخطئاً

وقال جوتيريش إنه لن يكرر كلامه الذي قاله في صباح اليوم (الخميس) نفسه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنّه أضاف أن هناك شائعات ومؤشرات على هجوم روسي وشيك على أوكرانيا.

بدا جوتيريش حزيناً وهو يقول إن مثل هذه الشائعات والمؤشرات مرّت عليه في مواقف سابقة، لكنّه لم يصدقها، وإنه كان يعتقد أنه لن يحدث شيء خطير، مضيفاً: "تبين لاحقاً أنني كنت مخطئاً، وأتمنى ألّا أكون مخطئاً هذه المرّة أيضاً".

وتابع في كلمته: "إذا كان صحيحاً أن هناك عملية عسكرية يجري الإعداد لها، فإنني أقول للرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين.. أوقف قواتك عن الهجوم على أوكرانيا.. أعطِ السلام فرصة، فلقد مات الكثيرون".

واشنطن: موسكو طائشة ومتهورة

فيما قالت مندوبة الولايات المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، إن الرئيس جو بايدن طلب منها الإعلان "بأكثر العبارات حزماً" عن دعمه ودعم بلاده الراسخ لأوكرانيا، وأن واشنطن وحلفائها سيواصلون "مواجهة الأفعال الروسية بروح الوحدة والوضوح".

وأضافت جرينفيلد في كلمتها: "إننا أمام لحظة خطرة، ونحن هنا لنقول لروسيا: كفي وتوقفي، وعودي لحدودك، وأعيدي قواتك ودباباتك وطائراتك، وأجلبي دبلوماسييك إلى طاولة المفاوضات قبل فوات الأوان".

ووصفت المندوبة الأميركية خطاب بوتين الأخير، قبل الهجوم، بأنه كان "نارياً.. استفزازياً وغير متوقع، يعود بنا إلى حقبة الإمبراطوريات والهيمنة".

وقالت: "ليس هناك حل وسط هنا، وليس الجميع مذنبين، فدعوة الطرفين إلى التهدئة تعني أننا نغض الطرف عن أفعال روسيا، وروسيا هي المعتدي هنا". 

ثم عادت لتهاجم روسيا وتصفها بأنها "عضو طائش متهور في الأمم المتحدة يستغل قوته للهجوم على عضو آخر" و"تتطاول على القانون الدولي".

بريطانيا: إصبع بوتين على الزناد

ووجهت مندوبة بريطانيا باربرا وودورد، انتقادات لاذعة لروسيا قائلة: "على مدى شهور، صوبت روسيا سلاحها على رأس أوكرانيا، واليوم بات إصبع الرئيس بوتين على الزناد.. إن العالم يدعو إلى السلام لكن روسيا لا تصغي".

وأكدت وودورد أن بلادها "لن تتنازل عن سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها".

فرنسا: ضربة للأمن في قلب أوروبا

أما مندوب فرنسا نيكولا دو ريفيير، فأعرب عن تضامن بلاده مع أوكرانيا، داعياً روسيا إلى التراجع، محذراً إياها من أنها على وشك "توجيه ضربة غير مبررة للأمن والسلام في قلب أوروبا".

الصين مع ضبط النفس

وبعد أن تحدث محمد أبو شهاب، نائب المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، عن ضرورة اللجوء إلى الحوار وتكثيف الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة، تحدث مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانج جون، عن ضبط النفس، قائلاً إن "الباب لم يغلق بعد أمام الحل السلمي في أوكرانيا، ولا ينبغي أن يغلق".

وأعرب عن أمله بأن يتصرف جميع الأطراف بعقلانية، وتعزيز الحوار و"معالجة المطالب الأمنية المشروعة لجميع الأطراف".

قصف روسي في مجلس الأمن

وبعد أن تحدث مندوبو غانا وكينيا والجابون والمكسيك، فاجأ السفير فاسيلي نيبينزيا الذي يترأس جلسة مجلس الأمن، الجميع بإعلانه أنه سيلقي بياناً الآن بصفته مندوب روسيا، انتقد خلاله عدم سماعه أي كلمة تعاطف مع روسيا أو مع سكان الإقليمين الانفصاليين في أوكرانيا رغم تسجيل الأمم المتحدة نحو 200 انتهاك لوقف إطلاق النار، وسقوط ضحايا، على حد قوله.

وقال: "لم نسمع كلمة عزاء واحدة، وكأن حياة الملايين الذين يعيشون هناك لا تعنيكم ولا أهمية لهم بالنسبة لكم".

وأضاف: "حاولنا أن نشرح لكم على مدى يومين المنطق، الذي يقف وراء اعترافنا باستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين، لكن الغرب لم يشأ أن يسمعنا حينئذ، ولا يريد أن يسمعنا اليوم".

وتابع أن بلاده "تنظر إلى أطفال ونساء وشيوخ هذين الإقليمين، الذين يعانون من انتهاكات أوكرانية"، مخاطباً ممثلي الدول الغربية في مجلس الأمن قائلاً: "إذا لم تغيروا عدسة الجغرافيا السياسية التي تنظرون بها إلى الأمر، فلن تروا الأمر على حقيقته أبداً".

وأوضح أن روسيا تُحمّل أوكرانيا مسؤولية ما يحدث لعدم التزامها باتفاقيات مينسك التي وقعت عليها في عام 2015، مندداً بتزايد ما وصفه بالاستفزازات الأوكرانية لمن يعيشون في هذين الإقليمين دونيتسك ولوغانسك.

في تلك الأثناء، تابع مندوب أوكرانيا سيرجي كيسليتسيا، كلمة نظيره الروسي بـ"حزن وانكسار".

وأعلن مندوب روسيا عن أن الرئيس فلاديمير بوتين اتخذ قراراً بتنفيذ عملية عسكرية في دونباسك، ثم أمسك بهاتفه المحمول ليقرأ كلمات نسبها إلى بوتين، قال فيها إن "احتلال أوكرانيا ليس ما نخطط له، والغرض من هذه العملية العسكرية هو حماية الأشخاص الذين يعانون ويتعرّضون لإبادة جماعية على يد النظام الأوكراني منذ 8 سنوات، وأن الغرض هو محاسبة من ارتكبوا هذه الأفعال ضد المدنيين".

غضب أوكراني

وبعد أن أعلن نيبينزيا عودته ليكون رئيساً للجلسة، أعطى الكلمة لمندوب أوكرانيا، الذي ارتسمت على وجهه ملامح الغضب والحزن، وأخذ يتحدث في ارتباك قائلاً إن كلمته التي أعدّها لإلقائها في هذه الجلسة لم تعد صالحة بعد هذه التطورات.

وفي مشهد درامي، بدا معه مندوب أوكرانيا لا يعرف ماذا يقول في هذا الموقف، وبعد لحظات صمت متقطعة ونظرات حائرة إلى أوراق لا تقول شيئاً أمامه، قال إن "سفير روسيا أكد منذ 3 دقائق أن رئيسه أعلن حرباً على بلادي".

ثم عاد إلى لحظات الغضب، طالباً من مندوب روسيا أن يقول وأن يسجل ما يقوله أمام مجلس الأمن، وأضاف: "أريدك أن تقول في هذه اللحظة تحديداً إن قواتكم لا تقصف ولا تلقي قنابل على المدن الأوكرانية، وإن قواتكم لا تدخل أراضي أوكرانيا.. لديك هاتف ذكي يمكن الاتصال بلافروف (وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف)".

دعوة لوقف الحرب

وتابع مندوب أوكرانيا: "الآن يمكننا أن نتوقف لبرهة وتغادر القاعة لتهاتف لافروف، وإذا لم تكن قادراً على الرد بشكل حاسم وقاطع على هذا الأمر، فسيتعين على روسيا أن تتخلى عن منصبها كرئيس لمجلس الأمن، وأن تعطي هذه المسؤولية لعضو شرعي في مجلس الأمن".

وطالب سيرجي كيسليتسيا أعضاء المجلس بعقد اجتماع طارئ فوراً للنظر في مشروع قرار يدعو لوقف الحرب، قائلاً إن "الوقت قد انقضى للحديث عن التهدئة، نفد الوقت، فالرئيس الروسي أعلن الحرب".

ثم وجّه حديثه إلى مندوب روسيا رافعاً هاتفه المحمول: "هل ترغب في أن أعرض لك مقطع الفيديو (الذي يعلن فيه بوتين الحرب)؟.. هل ترغب في مشاهدة هذا المقطع الآن؟".

وحين حاول مندوب روسيا الحديث، عاجله مندوب أوكرانيا قائلاً: "رجاءً.. لا تقاطعني وأنا أتحدث"، فرد مندوب روسيا قائلاً: "إذاً لا تسألني وأنت تتحدث!".

واختتم مندوب أوكرانيا حديثه متوجهاً إلى الأعضاء: "أدعوكم جميعاً لبذل كل ما هو ممكن لوقف الحرب".

بعدها تحدث مندوب روسيا بلكنة جادة تتناقض تماماً مع طبيعة قوله: "لا يمكنني أن أقول إنني أشكر مندوب أوكرانيا على كلمته وتوجيه أسئلة لم أكن أعتزم الرد عليها لأني قلت كل ما أعرفه حتى هذه اللحظة".

وأضاف: "كما أن الاتصال بوزير الخارجية لافروف أمر لا أعتزم القيام به وليس ممكناً، وما حدث ليس حرباً وإنما عملية خاصة في دونباسك".

بعد ذلك سارع ممثلو الدول الأعضاء إلى طلب الكلمة مجدداً، فكانت البداية مع مندوبة ألمانيا التي نددت بالهجوم الروسي، مؤكدة دعمها لأوكرانيا، وحذرت من أن "العدوان الروسي ستترتب عليه تكلفة غير مسبوقة سياسياً وأخلاقياً وقانونياً"، وقالت: "حان الوقت للدفاع عن النظام الدولي بشكل حاسم".

ثم تحدثت مندوبة الولايات المتحدة التي توعدت روسيا برد موحد من واشنطن وحلفائها، وقالت إن "العالم سيحاسب روسيا".

ووصفت مندوبة بريطانيا الهجوم الروسي بأنه "غير مبرر ومستفز"، وقالت: "إنه يوم خطير لأوكرانيا ومبادئ الأمم المتحدة"، محذرة مما وصفته بعواقب وخيمة على روسيا.

وقال مندوب ألبانيا: "سقطت الأقنعة والدبابات دخلت البلد، وبينما نتحدث، تنفذ روسيا خطتها بالهجوم على دولة جارة"، متوعداً روسيا بأنها "ستتحمل نتائج غزو بلد وتدمير الأمن الأوروبي".

كما أدان مندوب فرنسا العملية الروسية، التي اعتبرها دليلاً على "عدم اكتراث روسيا بالمجتمع الدولي والأمم المتحدة"، مطالباً بمحاسبتها".

وعاد أيضاً مندوب أوكرانيا ليكرر مطالبته لمندوب روسيا بالتنحي عن رئاسة مجلس الأمن، وقال له: "تحدّث مع بوتين أو لافروف". وأضاف: "مجرمو الحرب يذهبون إلى الجحيم رأساً، فليس هناك من طريق وسط".

واكتفى مندوب روسيا بالقول: "نحن لا نعادي الشعب الأوكراني وإنما الطغمة الحاكمة في كييف".

في تلك الأثناء، كان الجيش الروسي يدمر الدفاعات الجوية الأوكرانية، وتزحف القوات البرية إلى شرق أوكرانيا.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات