الحرب النفسية بين روسيا وأوكرانيا.. قصة صراع على الرأي العام

time reading iconدقائق القراءة - 9
جانب من مسيرة في مدينة كولونيا بألمانيا من أجل المطالبة بإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا- 28 فبراير 2022 - REUTERS
جانب من مسيرة في مدينة كولونيا بألمانيا من أجل المطالبة بإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا- 28 فبراير 2022 - REUTERS
دبي-محمد البحيري

تحتدم المعارك على الأرض بين القوات الروسية والأوكرانية فيما تجري حرب أخرى لا تستخدم فيها الدبابات والبنادق، وإنما تعتمد على الصور والأخبار وشبكات التواصل الاجتماعي. إنها الحرب النفسية، التي تقوم على نشر معلومات تستهدف الخصم والرأي العام العالمي أيضاً.

والحرب النفسية هي الاستخدام المخطط للدعاية والأفعال النفسية الأخرى التي يتمثل هدفها الرئيسي في التأثير في آراء ومشاعر ومواقف وسلوك الجماعات الأجنبية والمعادية، بطريقة تساعد على تحقيق هدف وطني.

وتهدف الحرب النفسية إلى تقويض الروح المعنوية لكل من القوات المقاتلة والجبهة الداخلية المدنية واللوجستية.

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن ليوبا تسبولسكا، وهي محللة وناشطة أوكرانية تقول الصحيفة إنها متخصصة في تتبع ما وصفته بحرب التضليل الروسية منذ 8 أعوام، قولها إن أوكرانيا لديها نوعان من المقاتلين، الأول يضم المقاتلين العسكريين، والثاني يضم من وصفتهم بـ"مقاتلي المعلومات" الذين تتركز مهمتهم على التصدي للحروب الإعلامية الروسية وعمليات الحرب النفسية التي تشنها روسيا ضد الأوكرانيين، بحسب تعبيرها.

وأضافت تسبولسكا أن الكثير من المتطوعين المؤيدين لأوكرانيا يستهدفون عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بالجنود الروس وعائلاتهم، ويقومون بالوصول إلى أمهات الجنود في مسعى للتأثير فيهن وإقناعهن بمطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة أبنائهن من القتال.

ورقة الشيشان

وسلّطت مجلة "فورين بوليسي" الضوء على جانب من هذه الحرب النفسية يتعلق باستخدام الروس للشيشان في الحرب مع أوكرانيا.

ونقلت عن خبير الشؤون الروسية جان فرانسوا راتل الذي يدرس في جامعة أوتاوا الكندية، قوله إن “الحرب النفسية هنا تتعلق بجعل الناس يعتقدون أن ما حدث في الشيشان سيحدث في أوكرانيا، وأنهم سيسيطرون على المدينة، وينهبون ويغتصبون ويقتلون". لكنه يؤكد أن "من الواضح أن ذلك لن يحدث".

وقال إن فكرة أن الشيشان شرسون، ولا يرحمون مصممة بعناية، لكنه قال إن "ورقة المقاتلين الشيشان قد تكون أقل أهمية بكثير مما يعتقد الكرملين".

وقال راتل الذي قضى فترة في القوقاز مع المتمردين الشيشانيين الذين كانوا يقاتلون نظام بوتين، إن "الشيشان ليسوا جميعاً وراء الخطوط الروسية".

3 ميادين للحرب النفسية

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن الدكتور رون شلايفر خبير الحرب النفسية بجامعة أرييل الإسرائيلية، قوله إن هناك 3 ميادين رئيسية في الحرب النفسية هي الوطن والعدو والمحايدون.

وأوضح أنه بالنسبة للوطن يجب أن يكون كل شخص فيه مقتنعاً بداخله بأن الأمر يستحق الخروج للحرب. وبالنسبة للعدو، بحسب شلايفر، قالت روسيا إن الأوكرانيين "نازيون" وإن "أوكرانيا كانت دوماً جزءاً من روسيا وسوف ننتصر". في المقابل يقول الأوكرانيون إنهم أقوياء وإن الروس هم النازيون، وإن "بوتين مثل هتلر".

بالنسبة للمحايدين يتوجه الطرفان إلى بقية دول العالم، فالروس يظهرون قوتهم، والأوكرانيون يظهرون ضعفهم.

ويرى الخبير الإسرائيلي أن روسيا استخدمت الحرب النفسية حتى قبل غزو أوكرانيا. وأوضح أنه "قبل الحرب أظهرت موسكو قوتها لردع أوكرانيا، فبثت مقاطع فيديو لتدريب الوحدات والأسلحة التي يمتلكها الجيش".

وقال إن روسيا أخرجت الكثير من المواد المرئية من الجيش، وأبقت العالم كله في حالة تشويق وتساؤل عما إذا كان الروس سيدخلون أوكرانيا أم لا.

وبعد ذلك انطلقت الحرب النفسية في مرحلة جديدة بعد دخول القوات الروسية لأوكرانيا، مثل استعراض القوة وبث معلومات كاذبة.

الروس والحيل القديمة

ويرى شلايفر أن الروس استخدموا حيلاً قديمة مثل قصة هروب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من البلاد، وكانت تستهدف خفض الروح المعنوية للشعب الأوكراني، ومحاولة زعزعة ثقة الشعب الأوكراني في رئيسهم، إلا أن زيلينسكي رد على ذلك بمقطع فيديو من مبنى الحكومة لإحباط هذه المحاولة.

ويتهم الخبير الإسرائيلي الروس ببث أخبار كاذبة ليس فقط في العالم، وإنما في روسيا أيضاً، متهماً إياهم بالتقليل من شأن خسائرهم في المعارك التي خاضوها في مواجهة القوات الأوكرانية لإظهار أنهم أقوياء وأن الحرب تؤتي ثمارها.

أما الأوكرانيون، من جانبهم، فيعرضون الدبابات الروسية المحترقة والجنود الروس المصابين ليقولوا إن النصر حليفهم وإنهم أقوياء، بهدف تعزيز معنوياتهم الداخلية، وكذلك ضرب الروح المعنوية للروس.

لا تصدق أحداً

وشدد على ضرورة عدم التسرع في تصديق الأنباء الواردة من ميدان القتال، فحتى المراسلون العسكريون المرافقون للقوات لا يرون ولا يعرضون إلا جانباً معيناً من الحرب، وتحرص الجيوش التي يرافقونها على بث المقاطع التي ترضي شعوبهم.

وأوضح شلايفر أن كلا الجانبين يستخدمان مقاطع الفيديو لتعزيز رسالتهم، والصورة الماثلة حتى الآن تقول إن الروس يتقدمون والأوكرانيون يقاتلون. 

وقال إن الأوكرانيين يستخدمون المدنيين لمصلحة المجهود الحربي، سواء من أجل إثارة المشاعر الوطنية وبث الحماس ودفعهم للمقاومة لإظهار أن هناك أملاً وأن أوكرانيا ستنتصر، مع العلم بأنهم يستهدفون الغرب أيضاً من أجل الإلحاح عليه كي يتدخل عسكرياً أو يشدد ضغوطه على روسيا.

ويلخص الخبير الإسرائيلي حديثه قائلاً: "لا يمكنا أن نعرف حقيقة ما يحدث الآن في الحرب لأن جميع المعلومات تأتي من مجموعات لها مصالح مباشرة فيما يجري".

بوتين يخاطب الجيش الأوكراني

من جانبه، يرى الدكتور يانيف ليفياثان خبير حرب المعلومات بجامعة حيفا، أن بوتين يستهدف العديد من الجماهير، وعلى رأسهم الجمهور في بلاده والجيش الروسي والعدو، "فهو يستهدف إقناع الداخل الروسي بجدوى الحرب، وإقناع الشعب والجيش الاوكراني بضرورة إلقاء السلاح والاستسلام"، بحسب تعبيره.

ويقول: "لذلك يستخدم بوتين رسائل مثل (النازيين) و (النازيين الجدد)، والتي تستهدف تصوير الأوكرانيين كخصم شيطاني، وهي الرسائل التي يستخدمها أيضاً لمخاطبة الجيش الأوكراني مباشرة، فيطلب منهم الاستيلاء على السلطة، مع رسالة يقول مضمونها: سوف نتوافق، أنا أثق بكم.. تخلصوا من النظام النازي لديكم".  

وقال إن روسيا تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلومات عن قوتها العسكرية بشكل منهجي، قبل وقت طويل من اندلاع الحرب، وأضاف أن الجيش الروسي بث مقاطع فيديو لا نهاية لها توثق قوته الهائلة، بهدف التأثير في معنويات الأوكرانيين. 

ولفت إلى أن أحد أهداف الحرب النفسية الروسية هو تقصير مدة القتال وتقليل استخدام الحرب الجسدية عبر تحطيم الحالة المعنوية والتأثير النفسي في الأوكرانيين. 

الحروب الإلكترونية

ويقول ليفياثان إن "الروس يستخدمون الحروب الإلكترونية المصممة لتصعيد الفوضى، فقبل الغزو منعوا الوصول إلى المواقع الحكومية في أوكرانيا، وروجوا لأخبار كاذبة مثل هروب زيلينسكي وأنه أصدر أوامر بإلقاء السلاح والاستسلام، ووزعوها على جميع شبكات التواصل الاجتماعي، فهم يعرفون كيفية الاستخدام العسكري لأدوات الشبكات الاجتماعية".

ومع ذلك يرى الخبير الإسرائيلي أن الروس لم يقوموا بعد بتفعيل جميع الأدوات الإلكترونية التي بحوزتهم، مثل إغلاق البنوك وشبكات الهاتف المحمول.

وأكد ليفياثان أنه "في كل صراع تقريباً، نرى استخدام الحرب النفسية لأنها تضاعف القوة وتعمل بشكل رائع في عصرنا". 

أوكرانيا والحرب النفسية

وأكد خبير حرب المعلومات أن الأوكرانيين يستخدمون الحرب النفسية أيضاً للتأثير في الرأي العام، وأنهم يستهدفون بالأساس "المحايدين"، باعتبارها معركة ضخمة على الرأي العام العالمي، "فتعمدوا حتى قبل أن يبدأ القتال أن يظهروا أنفسهم أمام الرأي العام العالمي كضعفاء وصغار ومدنيين، مع بث صور لمدنيين ومسنين يحملون أسلحة خشبية، لاستدرار التعاطف وبث رسالة تقول إنهم مستعدون للقتال من أجل الوطن، ولا يخشون الخطر القادم"، بحسب قوله.

ويرى ليفياثان أن "أقوى سلاح للوعي لدى الأوكرانيين هو الرئيس زيلينسكي"، كونه قادماً بالأساس من عالم الترفيه كممثل كوميدي، ما يعني أنه أكثر قدرة على فهم وسائل الإعلام، فضلاً عن أنه "الجوكر" المضحك للشعب، "ولذلك ظهر في لحظة الحقيقة كأكثر من قائد، على الرغم من عدم وجود خلفية عسكرية لديه".

ويشدد الخبير الإسرائيلي على أن أوكرانيا من الناحية العسكرية في مواجهة الروس "حالة ميؤوس منها"، لكنه يقول إن "قوتهم تكمن في وجود قائد يعرف كيف يعزز روحهم المعنوية".

أما يائير أنسباخر الباحث في الحروب الإعلامية، فقال إن الأوكرانيين لجأوا إلى استخدام الحرب النفسية من خلال تدشين موقع إلكتروني ينشرون من خلاله صور من يقولون إنهم جنود روس سقطوا خلال الحرب، وإن الهدف طمأنة عائلاتهم في روسيا.

ويضيف أنسباخر: "الهدف الحقيقي واضح بالطبع، فالأوكرانيون يريدون أن يقولوا للروس إن قيادتكم تكذب عليكم، وإن الجنود الروس يموتون هنا بالآلاف".

ولفت أيضاً إلى انتشار مقاطع فيديو يظهر فيها جنود أوكرانيون وهم يغمسون الرصاص في شحم خنزير، من أجل إيصال رسالة تستهدف المقاتلين الشيشان (المسلمين)، الذين أعلن الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف أنه سيرسلهم لمساندة الجيش الروسي في أوكرانيا، تقول إنهم سيموتون برصاصة مدهونة بشحم الخنزير، ما يعني أنهم لن يصعدوا إلى الجنة"، وفقاً لما قاله الخبير الإسرائيلي.

وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن فكرة هذه الفيديوهات تقوم على اعتقاد من صوروها بأن "المسلم الذي يمسه شحم خنزير قبل موته لن يدخل الجنة".

تصنيفات