
تسيطر أخبار الغزو الروسي لأوكرانيا على التحضيرات للانتخابات الرئاسية في فرنسا، المقررة في أبريل المقبل، فرغم محاولات المتنافسين تركيز نقاشهم على القضايا الرئيسية مثل تغير المناخ والقوة الشرائية والجريمة، إلا أن الحرب تظل القضية التي تجذب انتباه الناخبين في الوقت الحالي.
وأبقت جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدبلوماسية في هذه الأزمة، بعيداً عن المعركة الدائرة في باريس مع اقتراب الانتخابات الرئاسية "وهو ما يعزز فرصه في الفوز"، رغم أن "تواصل ماكرون مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لم يساعد في تجنب الحرب في أوكرانيا"، وفق تقرير لوكالة "بلومبرغ".
ويتهم منافسو ماكرون، بدايةً من إريك زمور في أقصى اليمين إلى جان لوك ميلينشون في أقصى اليسار، بـ"السذاجة"، لاعتقاده أن بوتين شخص يمكن الحديث معه بشكل عقلاني.
ماكرون.. أكثر تشدداً
أشارت الوكالة إلى أن الرئيس الفرنسي، الذي وصفته بأنه المرشح الأوفر حظاً للفوز في أبريل المقبل، دعا بوتين لإجراء محادثات في فرساي في غضون أسابيع من توليه منصبه في عام 2017، بحجة أهمية إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، منبهة إلى أنه بعد ذلك أمضى السنوات الخمس التالية في الدعوة إلى "بنية جديدة للأمن" لمواجهة "خطر الإرهاب"، وليس روسيا، باعتبار أن ذلك هو "أكبر تهديد لأوروبا".
وبعد غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، أصبح موقف ماكرون أكثر تشدداً، إذ انتقل من الإصرار على أن العقوبات ضد موسكو قد تكون مكلفة بالنسبة لأوروبا ومحاولته تهدئة مخاوف بوتين الأمنية، إلى قيادة الضغط الأوروبي لفرض عقوبات صارمة، وإرسال أسلحة إلى أوكرانيا.
ووفقاً لأحد استطلاعات الرأي الأخيرة في فرنسا، فإن الناخبين راضون عن طريقة تعامله مع الأزمة.
لوبان.. مواقف متباينة
ورغم إدانة اليمينية المتطرفة ماري لوبان الشديدة للغزو الروسي، إلا أنها اعتبرت شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو قبل ثماني سنوات، "أرضاً روسية"، وأنها "لم تكن أبداً أوكرانية".
وأعربت لوبان عن إعجابها ببوتين الذي زارته في موسكو عام 2017، كما أثار بعض أعضاء حزبها الجبهة الوطنية الجدل هذا الأسبوع لتوزيعهم كتيباً يضم صوراً من هذا اللقاء، والتي لا تزال موجودة على موقع حملتها على الإنترنت.
وفي عام 2014، حصل حزب لوبان على قرض قيمته 9 ملايين يورو (9.8 مليون دولار) من بنك روسي لتمويل حملاتها الانتخابية، وبعد حصولها على تأييد حوالي 18٪ من الناخبين في استطلاعات الرأي، فإنه من المحتمل أن تواجه ماكرون في الجولة الثانية من الانتخابات، حسب الوكالة.
بيكريس: بوتين "عدو"
ورغم أن مرشحة الحزب الجمهوري اليميني، فاليري بيكريس، تتحدث اللغة الروسية وتقول إنها حضرت المعسكرات الشيوعية في الاتحاد السوفيتي في سن المراهقة، فإنها وصفت بوتين بأنه عدو لفرنسا، ورأت أن أي مرشح يدافع عن روسيا يجب أن يفقد مصداقيته لدى الناخبين.
وخضع حزب بيكريس للتدقيق في بداية الأزمة الأوكرانية، لكن خفّفت خطوة فرانسوا فيون، المقرب من أعضاء الحملة الانتخابية لبيكريس، من حدة المشكلة من خلال الاستقالة من منصبه في مجلس إدارة مجموعة البتروكيماويات الروسية "سيبور"، وشركة النفط التي تسيطر عليها الدولة "Zarubezhneft".
وتحصل فاليري بيكريس على تأييد 15٪ من الناخبين في استطلاعات الرأي.
زمور.. "بوتين الفرنسي"
أعرب إريك زمور، وهو كاتب صحافي سابق، عن معارضته للغزو الروسي لأوكرانيا، لكنه في الوقت نفسه يفتخر بكونه المرشح الوحيد الذي لن يقبل اللاجئين الأوكرانيين القادمين إلى فرنسا.
وقال زمور ذات مرة إنه يحلم بـ"بوتين الفرنسي"، وإنه "يرحب بمعاهدة لوقف توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)"، وإن "أوكرانيا لا وجود لها كدولة". وأكد مرات عدة أن "شبه جزيرة القرم أرض روسية"
وأشارت "بلومبرغ" إلى انخفاض دعم الناخبين لزمور في استطلاعات الرأي الأخيرة، ووصوله إلى 14٪، كما أنه بات في موقف محرِج بشكل واضح، إذ قال مذيع في "فرانس إنفو"، الأسبوع الماضي، إنه اعتذر عن الحضور لأنه أراد تجنب الأسئلة حول "موقفه المؤيد لبوتين".
غموض ميلينشون
ووصفت "بلومبرغ" جان لوك ميلينشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري، بأنه الأفضل أداء بين المرشحين اليساريين، لكنها أشارت إلى أنه غيّر موقفه بشكل جذري عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
أوضحت أن ميلينشون تبنى في البداية موقفاً غامضاً تجاه بوتين، قائلاً إن فكرة انضمام أوكرانيا إلى الناتو تمثل تهديداً لموسكو، ولكنه الآن يقول إن الحرب يمكن أن تتحول إلى "صراع عام يمكن أن يهدد البشرية".
وتعرض ميلينشون، الأربعاء، لانتقادات شديدة من جانب نواب آخرين في البرلمان، عندما انتقد القرار الأوروبي بإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وأظهر أحد استطلاعات للرأي أن زمور وميلينشون، اللذان حصلا على 11٪ من الأصوات، هما المرشحان اللذان يبدو موقفهما من روسيا أكثر تقلباً بالنسبة للناخبين.
يانيك جادو
لطالما انتقد مرشح حزب "الخضر/التحالف الأوروبي الحر" يانيك جادو روسيا، كما أنه ظل يعارض منافسه ميلينشون بسبب موقفه الغامض، وطالب بالشفافية من حكومة ماكرون بشأن نوع المعدات العسكرية التي سيتم إرسالها إلى أوكرانيا، ولكنه تراجع في استطلاعات الرأي، إذ حصل على تأييد 5٪ فقط من الناخبين.