الغزو الروسي لأوكرانيا دفع السويد إلى إحياء وحدات عسكرية لحماية منطقة البلطيق من موسكو بعدما فككتها إثر نهاية الحرب الباردة، كما أفادت "بلومبرغ".
وأشارت الوكالة إلى أن قائد الجيش السويدي كارل إنجلبريكتسون كان قائداً لوحدة عسكرية في جزيرة جوتلاند ببحر البلطيق عام 2005، عندما سحبت السويد جيشها من الجزيرة، مستفيدة من حقبة سلام تلت نهاية الحرب الباردة.
وأضافت أنه كان يعتقد آنذاك بأن هذه الخطوة لم تكن حكيمة، لافتة أنه انتظر وقتاً طويلاً للعودة إلى الجزيرة أخيراً. ونقلت عنه قوله في جوتلاند أواخر مارس الماضي إن: "حلّ أجزاء كبيرة من القوات المسلحة، أثناء نشوة السلام آنذاك، قد يكون منطقياً بالنسبة إلى كثيرين، لكن التاريخ يثبت أن ذلك كان خطأ".
أهمية جزيرة جوتلاند
تمنح جوتلاند الجيش السويدي موقعاً مهيمناً في بحر البلطيق، يمكّنه من التحكم في الطرق البحرية والمجال الجوي، وهي معقل استراتيجي بدا غير ذي صلة قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتستعد السويد الدولة الثرية في شمال أوروبا، والتي اعتادت أن تكون بعيدة عن مناطق الحروب، مع دول في المنطقة لاحتمال اندلاع نزاع مع روسيا، وهذا ما لم يكن تصوّره ممكناً حتى وقت قريب.
تقع السويد وسط منطقة بحر البلطيق، في الجناح الشمالي للاتحاد الأوروبي، علماً أن لدى فنلندا المجاورة حدوداً تبلغ 1300 كيلومتر مع روسيا ودول البلطيق الثلاث، وهي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، التي خضعت للحكم السوفيتي طيلة نصف قرن.
وعندما نفّذت السويد وفنلندا تدريبات عسكرية قبالة جوتلاند في مارس، انتهكت 4 مقاتلات روسية لفترة وجيزة المجال الجوي السويدي شرق الجزيرة، في حادث اعتبره سلاح الجو السويدي خطراً بشكل خاص، في إطار سياقه.
زيادة الإنفاق العسكري
دفع غزو أوكرانيا وحديث خبراء في التلفزيون الرسمي الروسي عن توغل في منطقة البلطيق دولَ شمال الاتحاد الأوروبي لزيادة موازناتها العسكرية وإعادة تسليح جيوشها وتزويد كييف بأسلحة. ويزداد الإجماع في السويد وفنلندا على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، علماً أن البلدين بقيا محايدين خلال أكثر من 4 عقود من الحرب الباردة.
واعتبرت "بلومبرغ" أن ثمة عدداً ضئيلاً من الأماكن التي تلخص هذا التحوّل، مثل جوتلاند، حيث نشرت السويد مدفعية ووحدات مضادة للطائرات، إضافة إلى لواء مدرّع ضمّ آلاف الجنود، في العقود التي واجهت فيها أوروبا الغربية التهديد السوفيتي. وفي ستينيات القرن العشرين، كانت السويد قادرة على حشد 800 ألف جندي، علماً أن عدد سكانها هو أقل من 8 ملايين نسمة، وخصصت 4% من ناتجها المحلي الإجمالي لإنفاقها الدفاعي.
بعد انهيار جدار برلين عام 1989، تقلّص هذا الإنفاق واعتمدت السويد توازناً أمنياً جديداً. وعندما غادرت وحدة إنجلبريكتسون جوتلاند في 2005، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يزال يطرح مبادرات على الولايات المتحدة وحلفائها، ولم يواجه سكان الجزيرة سوى هجوم سيّاح في الصيف.
ورغم إبقاء حامية دائمة في جوتلاند في السنوات التي تلت ضمّ موسكو لشبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، كان السويديون متفائلين إلى حد كبير، حتى وقت قريب.
غياب "ضمانات أمنية رسمية"
ورجّح خبراء أمنيون أن تكون الجزيرة ركيزة أساسية في أيّ توغل روسي في دول البلطيق. وقال الجنرال مايكل كلايسون، قائد العمليات المشتركة في الجيش السويدي، إن السيطرة على جوتلاند تمنح أيّ دولة هيمنة فعلية على البلطيق، علماً أن السويد لم تتنازل عن سيطرتها على الجزيرة منذ عام 1808، عندما احتلتها القوات الروسية لفترة وجيزة خلال الحرب الفنلندية.
وأضاف أن أيّ ردّ للناتو على هجوم سريع سيتعثر إذا سيطرت القوات الروسية على الجزيرة وهي الأضخم في السويد. وتطرّق إليها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطابه الافتراضي أمام البرلمان السويدي في ستوكهولم، منبّهاً إلى أن كل الدول المجاورة لروسيا في خطر.
ونقلت "بلومبرغ" عن كلايسون قوله: "يمكن للمرء أن يجعل من الدفاع عن أراضي الناتو في دول البلطيق أمراً أكثر صعوبة، وكذلك السويد وفنلندا. على المرء أيضاً أن يضع في اعتباره أننا لسنا جزءاً من أيّ تحالف عسكري، وقد تشعر روسيا بإغراء أن تتحدّى بلداً ليس لديه ضمانات أمنية رسمية".
في السياق ذاته، أشار ريكارد فون زفايجبيرجك، رئيس قسم التأهب والدفاع المدني في منطقة جوتلاند، إلى "تلقي أسئلة كل يوم بشأن الملاجئ، وحول كمية المياه والطعام التي يجب تخزينها في المنزل، وما إلى ذلك".
وأمر كلايسون بإرسال تعزيزات وناقلات جند مسلحة إلى جوتلاند في يناير الماضي. وذلك دفع الناطق باسم بوتين، ديمتري بيسكوف، إلى تحميل السويد مسؤولية تصعيد التوتر في المنطقة، لكن كلايسون ذكر أن هذه الشكوى منحته "شعوراً بإنجاز" أمر مهم.
"تهديد النظام الأمني الأوروبي"
واندلع جدل سياسي في السويد بشأن إجراءاتها العسكرية، إذ يحاول مسؤولوها المواءمة بحذر بين التوازن الإقليمي الدقيق وارتفاع التأييد الشعبي لعضوية "الناتو".
وتظهر استطلاعات للرأي الآن أن معظم السويديين يفضّلون الانضمام إلى الحلف، وهذا ما لم تستبعده رئيسة الوزراء، ماجدالينا أندرسون، مستدركة أن تقديم طلب في الوضع الحالي قد يهدد الأمن الإقليمي. وأشارت إلى أن حكومتها التي تنفق الآن نحو 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، تريد رفع هذه النسبة إلى 2% لتتماشى مع العتبة التي حدّدها "الناتو"، في أقرب وقت "ممكن عملياً".
وقالت أندرسون في مارس: "الحرب في أوروبا ستمسّ الشعب السويدي. روسيا تهدد الآن النظام الأمني الأوروبي بأكمله، والذي يستند إليه أمن دول أوروبا، بما في ذلك السويد".
تُعرف السويد بمستواها المعيشي المرتفع وافتقارها للفساد، لكنها أيضاً مصدّر مهم للأسلحة، بما في ذلك طلقات المدفعية والمقاتلات. كما أن صاروخ "إنلاو" NLAW المضاد للدبابات، الذي يُحمل على الكتف وطوّرته شركة "صعب" السويدية، هو أحد أبرز المعدات التي تستخدمها القوات الأوكرانية ضد الجيش الروسي. وقال إنجلبريكتسون: "نحن في وضع محظوظ، إذ يمكننا ضخ أموال لحلّ مشكلة والحصول على نتائج".
اقرأ أيضاً: