يشير مصطلح التخلف عن سداد الديون إلى فشل الحكومات في سداد الدين الأساسي وفوائده للمقرضين. ويترافق الفشل في دفع الديون مع إعلان رسمي للحكومة المعنية بأنها لن تدفع الديون المستحقة عليها، وأحياناً لا يحدث ذلك في شكل إعلان رسمي.
وبينما يعني التخلف عن سداد الديون نقصاً حاداً في السيولة المالية لدى الحكومات وحاجتها للمزيد من الاقتراض الخارجي، فإن التخلف عن الديون يجعل هذه العملية شبه مستحيلة، إذ تحد من وصول الدولة المدينة لسوق الدين العالمي.
وأعلنت سريلانكا، الثلاثاء، تعليق دفع الديون الخارجية مؤقتاً لتجنب تخلف اضطراري عن السداد، نظراً لاحتياجها لاحتياطياتها المحدوة من النقد الأجنبي لاستيراد سلع أساسية مثل الوقود.
وقال وزير المالية في سريلانكا، علي صبري لوكالة "رويترز" السبت إن بلاده ستحتاج نحو ثلاثة مليارات دولار من المساعدات الخارجية في الأشهر الستة المقبلة للمساعدة في الحصول على إمدادات المواد الأساسية بما في ذلك الوقود والأدوية.
وتتعرض الدولة التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة لانقطاعات طويلة في التيار الكهربائي دفعت المحتجين للخروج إلى الشوارع، ما كثف الضغط على الرئيس جوتابايا راجاباكسا.
وسريلانكا هي أحدث الدول المنضمة لقائمة الدول التي تخلفت عن ديونها والتي تضم الأرجنتين ولبنان وبيليز وزامبيا.
ومرت عدة دول بأزمات تتعلق بديونها السيادية عبر القرنين الماضيين أو تخلفت بالفعل عن سدادها، ومنها الصين خلال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، وكذلك اليابان خلال الحرب العالمية الثانية والإمبراطورية النمساوية، وألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها.
كما تخلفت الأرجنتين للمرة التاسعة عن تسديد ديونها في مايو 2020 حين تخلفت عن تسديد دفعة تبلغ 500 مليون دولار للمقرضين، قبل أن تتوصل في أغسطس من العام نفسه إلى اتّفاق على إعادة هيكلة 99% من ديونها والبالغة قيمتها 66.13 مليار دولار.
ما الذي يعنيه التخلف عن سداد الديون؟
الدول لا تفلس ولا تتخلف عن سداد ديونها، ولكن الحكومات هي من تتخلف عن سداد الديون، فطبقاً لأستاذ الإدارة المالية بكلية الاقتصاد بجامعة نافارا الإسبانية، إدواردو مارتينز أباسكال، فإن الحكومات يمكن أن تفلس أو تتخلف عن ديونها لكن تستمر الشركات والأفراد في البلد في دفع ديونهم.
وحين تتحدث وسائل الإعلام عن تخلف دولة ما عن دفع ديونها فهي في الحقيقة تشير إلى تخلف حكوماتهم عن الدفع وإفلاسها.
لماذا تقترض الدول؟
تقترض الحكومات والكيانات السيادية من مقرضين محليين ودوليين لتمويل بنود الموازنة الخاصة بها مثل برامج البنية التحتية والخدمات الصحية على سبيل المثال.
وتصدر الدولة المعنية سندات للمستثمرين تشكل التزماتها التعاقدية لهم لدفع مبلغ القرض الأساسي وكذلك الفوائد لحاملي تلك السندات. وتضمن الحكومات دفع تلك القروض عبر عوائد الضرائب التي تجمعها من مواطنيها.
ما الذي يؤدي للتخلف عن سداد الديون؟
خلال فترة سداد القرض قد تتعرض الحكومات إلى مشكلات في تدفق الأموال لعدة أسباب مختلفة بينها عدم الاستقرار السياسي، والاستثمارات السيئة وإساءة إدارة أموال القروض نفسها.
وتؤدي مشكلات نقص السيولة لدى الحكومات إلى عدم قدرتها على دفع أقساط الدين في الوقت المحدد له، وهو ما يتبعه تخفيض وكالات التصنيف الائتماني، لتصنيف البلد، وهو ما يصعب من اقتراض الحكومة للمزيد من الأموال من السوق الخارجية.
التداعيات على المقرضين
بالنسبة للمقرضين، فإن التأثير الفوري للتخلف عن سداد الديون هو فقدان القيمة الأصلية للقرض وكذلك الفوائد المستحقة عليه.
قد تلجأ الدولة المقرضة إلى إلغاء جزئي لقيمة القرض أو إعادة هيكلته بشروط أفضل.
ويحدث الإسقاط الجزئي للديون حين يتفق المقرضين على سداد جزئي لإجمالي قيمة القرض الأصلية.
أما إعادة الهيكلة فتتضمن إعادة تفاوض على المبلغ المستحق وشروط السداد، وقد تتضمن أيضاً مبادلة قيمة القرض بحصص في شركات أو شروط أخرى.
التداعيات على الدولة
حين تتخلف دولة عن سداد ديونها السيادية فإنها تتخلص من التزاماتها المدينة للمقرضين، وبينما يقلص التخلص من أعباء الدين من إجمالي الديون المستحقة على الحكومة، إلا أن البلد يصبح أقل جذباً للاستثمارات الأجنبية، وسيكون من الصعب على حكوماته الحصول على تمويل من سوق السندات الدولية مرة أخرى.
ويقول الخبير مارتينيز أباسكال، إن العواقب التي تواجهها الدولة تنحصر في فقدانها الوصول إلى سوق الاقتراض، وهو ما يعني فقدانها القدرة على إصدار سندات سيادية لدول أجنبية ويجبرها على أن تتبع سياسة صفر عجز في الموازنة أو طبع الأموال لتعويض عجز الموازنة، وبالتالي ارتفاع مستويات التضخم.
المشكلة الأكبر التي تواجهها الدولة تتمثل في أنه في حالة إعلان الدولة إفلاسها، فإن الأفراد والشركات في البلد لن يتمكنوا من الحصول على تمويل أجنبي أيضاً.
وحين تفشل دولة في سداد التزاماتها، فإن اقتصادها يصبح منعزلاً ويعتمد كلياً على نفسه. وهنا يصبح دور البنك المركزي للبلد حيوياً للغاية في ضمان تدفق السيولة المالية دون اللجوء لطبع الأموال.
لكن في حال كانت الدولة تعتمد بشكل كبير على الديون الخارجية فإنها ستقع في مشكلة نفاد الأموال، وهو ما يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة بسبب ضعف الثقة في الحكومة، وهو ما قد يحسن الوضع جزئياً بالنسبة للاقتصاد إذ سيؤدي إلى زيادة في صادرات البلد، وانخفاض في وارداته.
لكن هذه العملية تؤدي حتماً إلى ازدياد مستويات الفقر بين السكان، وكذلك الركود الاقتصادي.