
تفجّر هذا الأسبوع صراع بين ممثلي الكنيستين القبطية المصرية والقبطية الأثيوبية في دير السلطان في القدس، عندما أقام ممثلو الكنيسة الإثيوبية خيمة وسط الدير تحمل العلم الإثيوبي لاستقبال الحجاج المسيحيين القادمين إلى الدير، ليرد عليهم ممثلو الكنيسة المصرية برسم علم مصر على كامل باب الدير.
وتدخّلت الشرطة الإسرائيلية التي تسيطر على المدينة، لفض الاشتباك بالأيدي الذي وقع بين الرهبان من الجانبين، والتحقيق في مسبباته، لكن الجانب المصري لم يرحب بهذا التدخل متهماً السلطات الإسرائيلية بـ"الوقوف كلياً إلى الجانب الإثيوبي".
ممثلو الكنيسة القبطية المصرية أعلنوا في سلسلة بيانات لهم، أن دير السلطان تابع للكنيسة القبطية المصرية، وأن وجود ممثلين عن الكنيسة القبطية الأثيوبية في الدير كان مجرد استضافة لهم من قبل إخوتهم الأقباط المصريين، بعدما طردوا من كنيسة القيامة في عام 1663.
واتهم ممثلو الكنيسة المصرية السلطات الإسرائيلية، بتعزيز سيطرة الإثيوبيين على الدير لأسباب سياسية.
أما ممثلو الكنيسة القبطية الإثيوبية، فادعوا أن الدير يعود لهم، وأن الأقباط المصريين "ليسوا سوى ضيوف في الدير".
السلطان صلاح الدين الأيوبي
سايمون أزازيان، الباحث المقدسي في الشؤون الكنسية في المدينة المقدسة، الذي أجرى بحثاً عن الوجود المسيحي في القدس، قال لـ"الشرق" إن "وثائق الكنيسة القبطية المصرية تقول إن السلطان صلاح الدين الأيوبي منحها هذا الدير، بعدما فتح جيشه المدينة، لذلك أطلق عليه اسم دير السلطان، نسبة إلى السلطان صلاح الدين، وتكريماً له".
لكن الجانب الإثيوبي يقول إن الدير يعود له، وأنه فقد الوثائق الخاصة بالملكية بسبب إحراق كل متعلقات الكنيسة عندما أصيب رهبان من الحبشة بالكوليرا وقضوا جميعاً في سالف الزمان، وجرى حرق كل متعلقاتهم، بما فيها الوثائق بسبب الوباء.
الاحتلال يتدخل لصالح الكنيسة الأثيوبية
وكشف الباحث أزازيان، وهو من أصول أرمينية، في بحثه، عن وثيقة سرية عثر عليها في أرشيف الجامعة العبرية في القدس، وضمنها في كتابه، تبين وجود اتفاق حكومي إسرائيلي- إثيوبي في عام 1969، ينص قيام إسرائيل بدعم الوجود الأثيوبي في الدير مقابل تسهيلات عسكرية ولوجستية لها في إثيوبيا، منها السماح لطائرات "العال" بالمرور في الأجواء الأثيوبية، والسماح لإسرائيل بإقامة محطات عسكرية استخبارية على الأراضي الأثيوبية.
وقال إن السلطات الإسرائيلية صادرت مفاتيح الدير من الكنيسة القبطية المصرية عام 1970 ومنحتها للكنيسة القبطية الإثيوبية ضمن الاتفاق المذكور.
تغيرات في الدير
وحسب الباحث أزازيان، فقد قام الرهبان الإثيوبيون بإزالة الآثار المصرية من أيقونات وغيرها من داخل الدير بعد الاستيلاء على مفاتيحه عام 1970.
ودأبت الكنيسة الإثيوبية على إقامة خيمة وسط الدير لاستقبال الحجاج المسيحيين القادمين للاحتفال بسبت النور، في مثل هذا الوقت من كل عام، لكنها وضعت العلم الإثيوبي على الخيمة هذا العام وهو ما أثار غضب الكنيسة المصرية، التي ردت عليها بالاحتجاج وبرسم العلم المصري على مدخل الدير.
وقال المطران القبطي المصري في القدس أنطونيوس الأورشليمي في فيديو وزعه الدير، إن الجانب الإثيوبي يعمل على تغيير معالم الدير من قبطي مصري إلى إثيوبي، مشيراً إلى أن رسم العلم الإثيوبي على الخيمة "جزء من خطة عمل تدريجية تعمل على تحويل كامل معالم المكان من مصري الى إثيوبي".
دوافع سياسية
وتشكل القدس مركزاً للديانات السماوية الثلاث، وتتألف من أربعة أحياء أقيمت حول مقدسات وممتلكات وقفية، وهي الحي المسيحي والحي الإسلامي والحي الأرمني والحي اليهودي.
وهدمت إسرائيل حي المغاربة في القدس فور احتلال المدينة عام 1967، من أجل توسيع منطقة الصلاة في حائط البراق، الذي تطلق عليه اسم "حائط المبكى"، ووسعت الحي اليهودي.
ويقول رجال الدين المسيحيين في القدس، إن هناك خلفية سياسية وراء كل خطوة في المدينة المقدسة.
المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثدوكس في القدس، أحد أبرز الشخصيات الدينية المسيحية قال لـ"الشرق"، إن "إسرائيل تعمل على محاربة الوجود المسيحي الفلسطيني والعربي في القدس، من خلال السيطرة على الأملاك الوقفية"، بطرق وصفها بـ"الشيطانية".
وأضاف أن "إسرائيل عملت على تعزيز السيطرة الإثيوبية على دير السلطان على حساب الكنيسة المصرية، كجزء من سياستها"، مشيراً إلى أن إسرائيل "كانت على الدوام معادية لأي وجود مصري في القدس لأسباب سياسية"، وأن "إجراءاتها تصاعدت حتى بعد اتفاقية السلام مع مصر، بسبب موقف البطريرك القبطي البابا شنودة ضد الاحتلال".
أملاك الكنيسة تتحول إلى المستوطنين
وعملت إسرائيل منذ الاحتلال على تسريب أملاك وقفية من الكنائس المسيحية، وتحويلها إلى مستوطنات وبؤر استيطانية في مختلف أنحاء البلاد، خصوصاً في قلب القدس.
الباحث في شؤون الاستيطان، خليل توفكجي، أفاد في حديث لـ"الشرق"، بأن "إسرائيل قامت بتسريب مساحات واسعة من أراضي وأملاك الكنائس إلى الاستيطان، آخرها السيطرة فندق الأمبريال، أحد أبرز فنادق القدس التابع للكنيسة الأرثدوكسية:.
وأشار إلى أن الكنائس المسيحية تمتلك حوالي ربع البلدة القديمة في القدس (23 % منها) مشيراً إلى أن ذلك يشمل 920 وحدة، منها 524 بناية، أكثر من 56% منها تعود للكنيسة الأرثدوكسية التي تهمين عليها الكنيسة اليونانية.
تجنيد عملاء
ويعترف المطران عطا الله حنا، وهو أحد أبرز وجوه الكنيسة الأرثوذكسية، بأن الجانب الإسرائيلي "نجح في تجنيد عدد من كبار المسؤولين اليونانيين في الكنيسة، ورشوتهم لتسريب الكثير من ممتلكات الكنيسة لمشروع الاستيطان والاحتلال".
وقال إن "المشكلة ليست في جنسية هؤلاء، وإنما في الاحتلال الذي يجند عملاء من مختلف الطوائف والجنسيات لخدمة مشروع احتلالي استيطاني".
وأضاف: "المشكلة ليست من الأجانب، وإنما في الاحتلال، فنحن مبدئاً لا نرفض وجود رجال دين أجانب في القدس، لكن على هؤلاء أن يعرفوا لغة البلاد وعاداتها وتقاليدها، ويعرفوا أننا شعب تحت الاحتلال، وأن وجودنا مهدد من قبل احتلال استيطاني".