الحكومة الفلسطينية تواجه "أشد أزمة مالية" منذ تأسيس السلطة

time reading iconدقائق القراءة - 8
صورة أرشيفية لأحد الشوارع الخالية في فلسطين خلال إضراب سابق - وكالة الأنباء الفلسطينية
صورة أرشيفية لأحد الشوارع الخالية في فلسطين خلال إضراب سابق - وكالة الأنباء الفلسطينية
رام الله-محمد دراغمة

تشهد المدارس الحكومية في الضفة الغربية، منذ مطلع الأسبوع، اضطراباً واسعاً في عملها بسبب إضراب عدد كبير من المعلمين، الذين يطالبون برفع رواتبهم، خصوصاً بعد الموجة الأخيرة من ارتفاع أسعار السلع والمواد الضرورية.

وجاء هذا التحرك بعد إضرابات مماثلة للأطباء والممرضين العاملين في المستشفيات والمراكز الطبية الحكومية، حصلوا في نهايتها على اتفاقات مع الحكومة تقضي بتأجيل رفع رواتبهم إلى العامين المقبلين، على أمل أن تتمكن الحكومة من حل أزمتهم المالية.

وعود شبيهة تكررت بعد أن أعلن العاملون في مستشفى المقاصد، المستشفى الأكبر في القدس، هذا الأسبوع، عن وقف العمل في المستشفى بسبب تراكم ديون مالية كبيرة على الحكومة.

أشد أزمة

وتعاني الحكومة الفلسطينية من أزمة مالية هي الأكثر حدة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، ما اضطرها للجوء إلى اقتطاع 20% من رواتب موظفيها، وتركتها عاجزة عن دفع جزء كبير من مستحقات القطاع الخاص، الذي يورد الكثير من السلع والخدمات للقطاع الحكومي، مثل المستشفيات التي لم تعد قادرة على استقبال أصحاب الأمراض الخطيرة المهددين بالموت.

وقال موظفون حكوميون لـ"الشرق"، إن رواتبهم تعرضت لتآكل كبير جراء ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وإن لديهم علاوات مستحقة منذ سنين طويلة، وأإ الحكومة لا تقدم أية خطوات لتطبيق ذلك.

أما الحكومة فتقول إنها تتفهم مطالب الموظفين، لكنها تعاني من أزمة مالية حادة جراء تراجع الدعم المالي الدولي، واستمرار الاستقطاعات المالية التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية من الإيرادات الجمركية، وأنها لن تكون قادرة على تلبية هذه المطالب، قبل أن تجد هذه الأزمة طريقاً إلى الحل.

توقف الدعم الخارجي 

رئيس الوزراء، محمد اشتية، عزا الأزمة إلى أسباب خارجية. وقال في كلمة له في اجتماع مجلس الوزراء الذي بحث الموازنة المقدمة من وزير المالية، مؤخراً، بأن إسرائيل "تقتطع أكثر من 200 مليون شيكل شهرياً (الدولار يساوي 3:28 شيكل) من أموال الجمارك المستحقة لنا".

وقال إن ذلك يأتي في ظل تراجع المساعدات المالية الدولية، وارتفاع الأسعار في العالم، مشيراً إلى أن ذلك سينعكس في تراجع نسبة النمو الاقتصادي المحلي.

وأوقفت غالبية الدول المانحة الدعم المالي للسلطة خلال العامين الماضيين، كل لأسبابه. ولا توجد أية إشارات على عودة الدعم السخي الذي قدمته الدول المانحة للسلطة بعد تأسيسها، منه 20 مليار دولار قدمت للخزينة العامة، ومبالغ أخرى تزيد عن ذلك للبنية التحية.

أزمة بنيوية

كثير من الخبراء والمراقبين يرون بأن الأزمة داخلية، وأن توقف الدعم الخارجي والاقتطاعات الإسرائيلية عملت على زيادة تفاقمها.

الباحث المختص في الموازنة العامة، مؤيد عفانه، قال لـ"الشرق"، إن الأزمة المالية للحكومة الفلسطينية: "أزمة بنيوية متراكمة، إنها أزمة مفتوحة الأجل، وتتجه إلى المزيد من التعمق".

وأضاف: "هذه أزمة عمرها 20 عاماً، وهي تتراكم عاماً بعد عام، ولا يوجد أفق للحل".

ولجأت السلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة إلى الاقتراض من المؤسسات المالية المحلية والخارجية، من أجل تنفيذ التزاماتها من رواتب وخدمات إلى درجة تجاوزت معها "الخط الأحمر" للاقتراض.

وتُبين الوثائق الحكومية ودراسات الخبراء، أن الدّين العام على الحكومة بلغ حوالي 32 مليار شيكل، منها حوالي 12 مليار شيكل دين نقدي مباشر من مؤسسات مالية محلية وخارجية، يضاف إليها مليارات الشواكل على شكل متأخرات للقطاع الخاص، واقتطاعات من رواتب الموظفين ومن صندوق التقاعد.

فجوة تمويلية مستمرة

وتظهر الموازنة العامة التي أقرّت مؤخراً، أن الفجوة التمويلية للعام الجاري تبلغ حوالي 2 مليار شيكل.

وتوقعت الحكومة في بيانها أن تصل مساعدات الدول المانحة إلى 523 مليون دولار، منها 300 مليون للمشاريع و200 مليون للموازنة.

وأشار بيان الحكومة إلى أن الموازنة استندت إلى برنامج إصلاحي يسعى لتحقيق نسبة نمو في إجمالي الناتج المحلي، تتراوح ما بين 2.5 و3%، وارتفاع نسبة نمو إجمالي الإيرادات العامة بنحو 8%، وارتفاع إجمالي النفقات بنسبة 7%، وارتفاع المنح إلى 523 مليون دولار مقارنة مع العام الماضي والذي وصلت فيه المنح إلى 188 مليون دولار.

لكن الباحث عفانة، لديه الكثير من المبررات الواقعية للاعتقاد بأن الفجوة ستزيد عن ذلك بكثير، لأنه يقول إن الموازنة العامة تفترض حصول الحكومة على كامل الإيرادات، وحصولها على كامل الدعم الخارجي الموعود، وحدوث نسبة مرتفعة من النمو في الإيرادات.

وقال: "الافتراض بأن نمو الإيرادات سيحدث بهذه النسبة أمر غير واقعي، لأن الأزمة المالية تستدرج المزيد، فتراجع دخل الموظفين يضعف قدرتهم الشرائية ويجعلهم أكثر تردداً في القيام بأية خطوة من شأنها إنعاش الأسواق، مثل بناء البيوت وشراء الاحتياجات الأقل إلحاحاً، ما ينعكس على الإيرادات". وأكد أن الأزمة مرشحة للتعمق ما لم يحدث شيء جوهري.ً

وزير المالية يعرض رؤيته

وعرض وزير المالية الدكتور شكري بشارة، مؤخراً أمام عدد من المختصين رؤيته لسد الفجوة التمويلية في الموازنة العامة.

وتضمنت الخطة القيام باقتطاعات من المصاريف الحكومية، خاصة في ما يسمى أشباه الرواتب، ومستحقات عن خدمات مقدمة للهيئات المحلية والتحويلات الطبية.

وتصل تكلفة أشباه الرواتب إلى أكثر من 250 مليون شيكل شهرياً، ويشمل ذلك دفع فاتورة الكهرباء والمياه عن المخيمات، ورواتب أشباه الموظفين في السلطة وغيرها.

مسؤول رفيع في الحكومة، فضل عدم ذكر اسمه، قال لـ"الشرق"، إن "الحكومة تعترف بحقوق مختلف الفئات"، وإنها "تعمل على تحقيقها تبعاً لتحسن الوضع المالي".

وأضاف: "لدينا أزمة مالية نجمت عن تراجع الدعم الدولي، وتزايد الاقتطاعات الإسرائيلية، وتراجع الإيرادات المحلية".

وقال إن "الحكومة وقّعت اتفاقات مع نقابات الأطباء والممرضين ومع اتحاد المعلمين، تنص على الاستجابة لمطالبهم في العامين 2023 و2024، لكن هناك بعض المعلمين يرفضون الاتفاقية وشكلوا حراكاً، ودعوا إلى الإضراب".

ومضى يقول: "لدى الحكومة خطة لحمل الهيئات المحلية على دفع ما هو مستحق عليها للجانب الإسرائيلي، وعدم ترك المستحقات ليجري اقتطاعها من إيرادات الجمارك، ولدينا خطة لتوسيع الجباية الضريبية، لكن إجراءات من هذا النوع لن تقضي على الأزمة بين ليلة وضحاها، فهي تحتاج وقتاّ، وعلى الموظفين أن يتفهموا ذلك".

الخبراء يشككون

لكن العديد من الخبراء يتوقعون أن تواجه الحكومة عقبات كبيرة في تطبيق هذه الخطة.

أستاذ المالية في جامعة بيرزيت، الدكتور نصر عبد الكريم، قال لـ"الشرق" إن "أزمة كبيرة وحادة ومتراكمة من هذا النوع تتطلب خطة طويلة لمدة طويلة، مثل خمس سنوات، يجري فيها تحديد الأولويات، وفوق ذلك وجود إرادة سياسية لتطبيقها".

وأضاف: "يجب فحص كل بند من بنود الموازنة، فلا يعقل أن تواصل الحكومة خسارة 300 مليون دولار سنوياً من إيرادات الجمارك التي تقتطعها إسرائيل عن خدمات كهرباء ومياه مقدمة لهيئات محلية، دون أن تتحرك الحكومة لإلزام هذه الهيئات بدفع ما هو مستحق عليها، ولا يعقل أن تواصل الحكومة دفع مبالغ طائلة على شكل أشباه رواتب، في ظل أزمة مالية حادة من هذا النوع".

وأضاف: "نعم حملت الموازنة العامة لهذا العام خطوات إصلاحية، لكن وزارة المالية جهة فنية ولا يمكنها تطبيق هذه الإصلاحات ما لم يكن هناك قرار سياسي بذلك".

وقال الباحث عفانه: "إجراءات من هذا النوع بحاجة الى إرادة سياسية وهو ما لم يظهر في السنوات الماضية، ولا يتوقع ظهوره مستقبلا ذلك أن المستفيدين من هذه الأموال لديهم نفوذ سياسي كبير عند أصحاب القرار".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات