مسكوناً بعقدة التفوق.. سلاح الجو الأميركي يسابق الزمن لتحديث منظوماته

time reading iconدقائق القراءة - 12
مقاتلة أميركية من طراز "إف-35" تحلق فوق ولاية فلوريدا خلال مناورة حربية -21 نوفمبر 2020 - REUTERS
مقاتلة أميركية من طراز "إف-35" تحلق فوق ولاية فلوريدا خلال مناورة حربية -21 نوفمبر 2020 - REUTERS
دبي-الشرق

كشفت ميزانية سلاح الجوي الأميركي لعام 2023K عن توجهه نحو التخلص من الطائرات المقاتلة القديمة سعياً للحصول على مقاتلات أكثر تطوراً يمكنها الحفاظ على التفوق الجوي الأميركي في حرب مع قوة عظمى مثل الصين وسط مخاوف من أن نزاعاً معها "بات أقرب مما كان يعتقد" حسبما أفاد موقع "ديفينس نيوز" الدفاعي.

وبحسب الموقع، فإن سلاح الجو الأميركي يسابق الزمن لتطوير منصات طائرات مقاتلة ومروحيات متقدمة في خطوة قد تكلف عشرات المليارات من الدولارات، ينوي تمويلها جزئياً عبر التخلص من الطائرات القديمة وتقليص حجم طلبياته من الطائرات الموجودة حالياً.

سلاح الجو يغير تفكيره

أحد أبرز الأمثلة على الاستراتيجية الجديدة، بحسب الموقع، هو تقليص حجم طلبية مروحية الإنقاذ القتالية "جولي جرين 2" في ميزانية هذا العام.

وعلى الرغم من أن مروحية "جولي جرين 2" كانت على وشك أن تحذو حذو سابقتها "بيف هوك" التي أثبتت فعاليتها بشكل كبير خلال حرب الولايات المتحدة في أفغانستان، إذ تمكنت مراراً وتكراراً من إنقاذ القوات الأميركية وحلفائها المحاصرين في أراضي العدو، إلا أن القوات الجوية الأميركية كشفت عن مفاجأة في ميزانيتها المالية لعام 2023 التي تم إصدارها في أواخر شهر مارس الماضي.

وأعلن سلاح الجوي الأميركي رغبته في تقليص إجمالي مشترياته المُخططة لـ"جولي جرين 2" من طراز HH-60W بمقدار الثلث، ليصل العدد الإجمالي المطلوب إلى 75 مروحية فقط، مشيراً إلى مخاوف من "إمكانية إسقاطها من قبل عدو لديه أنظمة دفاع جوي متقدمة"، حسبما أفاد موقع "ديفينس نيوز". 

وقال الموقع في تقرير مطول نشر، الاثنين، إن مروحية الإنقاذ القتالي "جولي جرين 2" ليست الوحيدة التي تشعر القوات الجوية الأميركية بالقلق حيال استخدامها في أي حرب مقبلة، إذ أن تغيير مسار مروحية الإنقاذ القتالية هذه "ربما يكون العلامة الأكثر وضوحاً على الطريقة التي غيّر بها سلاح الجو الأميركي طريقة تفكيره واستعداده للحروب المستقبلية". 

هيمنة جوية أميركية

تمتعت الولايات المتحدة بالسيطرة شبه الكاملة على السماء على مدى العقدين الماضيين من القتال في الشرق الأوسط، ما مكنها من السماح بتحليق الطائرات من دون طيار والطائرات المقاتلة ومروحيات الإنقاذ القتالي، ولكن هذا لن يكون هو الحال إذا دخلت في حرب مع الصين أو أي خصم آخر متقدم بحسب الموقع. 

ومن أجل الاستعداد لمجال جوي أكثر تنازعاً، تضع القوات الجوية الأميركية الأساس الآن لسلسلة من التحولات الجذرية في كيفية قتالها الجوي والتي قد تكلفها ما لا يقل عن عشرات المليارات من الدولارات على مدى العقدين المقبلين. 

وأشار موقع "ديفينس نيوز"، إلى أن كبار مسؤولي سلاح الجو الأميركي يعكفون على وضع الخطوط العريضة لعملية تحديث تتكون من مرحلتين.

 الحفاظ على التفوق الجوي

الخطوة الأولى في خطة الحفاظ على التفوق الجوي هي تصفية الطائرات القديمة خلال السنوات القليلة المقبلة لتوفير المال لتحمل تحديث قصير الأجل للطائرات الجديدة، وتحديث الطائرات الحالية، وهو الأمر الذي يقولون إنه سيضع الأساس للمرحلة التالية من التغييرات الأكثر الأهمية.

وتشمل المرحلة الثانية استخدام مقاتلات من الجيل السادس بالإضافة إلى استخدامات جديدة لأنظمة الطائرات بدون طيار، وربما حتى استخدام طائرات هليكوبتر بدون طيار لإنقاذ الأفراد الذين سقطوا في مناطق القتال الخطرة. 

عصر تنافس القوى العظمى

لكن الوقت بات ينفد أمام سلاح الجو الأميركي، إذ أظهر الغزو الروسي لأوكرانيا أن عصر المنافسة بين القوى العظمى قد بدأ بالفعل، ولذا فإن قادة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) يخشون من أن يكون الصراع مع الصين "بات أقرب مما كان متوقعاً". 

ثمة عقبات فنية يجب التغلب عليها أيضاً بحسب الموقع، كما يظل السؤال مفتوحاً عما إذا كان الكونجرس سيسمح بعمليات التصفية المطلوبة للطائرات القديمة، مع 150 طائرة مُخطط إحالتها للتقاعد في عام 2023، وهو ما دفع بعض الخبراء إلى التساؤل عما إذا كان بإمكان القوات الجوية الوصول بالفعل لقدرات الجيل التالي المُخطط لها. 

"تغيير صعب وخسارة غير مقبولة"

ونقل الموقع عن وزير شؤون القوات الجوية الأميركية فرانك كيندال، قوله للصحافيين في مارس الماضي، إن السلاح بحاجة إلى إجراء تغييرات "تحولية وليست تطورية"، للتعامل مع التهديد الذي تواجهه الولايات المتحدة الآن وخاصة من الصين. 

وأضاف كيندال أن الميزانية المقترحة للسنة المالية 2023، والتي تبلغ 194 مليار دولار، تهدف إلى إجراء هذه التغييرات، وأن ميزانية السنة المالية 2024 ستحقق ما هو أبعد من ذلك. 

وأشار كيندال إلى أن "التغيير صعب، ولكن الخسارة ليست مقبولة، ولذا فإن القوات الجوية والفضائية تحاولان المضي قدماً نحو القدرات التي يحتاجون إليها". 

وفي مقابلة أجريت مع "ديفينس نيوز" خلال أبريل الماضي، على متن طائرة "سي-40" تابعة للقوات الجوية، قال كيندال وقائد سلاح الجو الأميركي الجنرال سي كيو براون، إن أحد أكبر التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة الآن هي امتلاك الصين وخصوم آخرين لأسلحة دقيقة بعيدة المدى. 

مجال جوي متنازع

وتسعى القوات الجوية الأميركية للتكيف مع حقيقة أن التفوق الجوي غير المُتنازع عليه تقريباً، والذي شهدته في العراق وأفغانستان، لن يكون هو الحال إذ ما خاضت حرباً ضد الصين أو روسيا. 

ويقول مسؤولو القوات الجوية الأميركية إن ميزانية السنة المالية 2023 المقترحة تضمن الخطوات الأولية لمواجهة هذه التحديات.

وسيتحرك سلاح الجو نحو التخلص من الطائرات والطائرات بدون طيار القديمة، مثل A-10 Warthog وMQ-9 Reaper التي ستكون ضعيفة بشدة أمام أي عدو متقدم.

كما أنه سيحول الأموال التي كانت مخصصة لها نحو التكنولوجيا المتقدمة مثل أنظمة الهيمنة الجوية من الجيل التالي، والأبحاث الخاصة بالأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، وشراء قاذفات B-21 Raider، والأبحاث الخاصة بالطائرات بدون طيار. 

ويقول كيندال: "القوات الجوية ستظل بحاجة إلى أسطول من مروحيات البحث والإنقاذ القتالية، ولكن يجب أن تكون مناسبة للمكان الذي قد تعمل فيه، وأن تتضمن منصاتها القدرات المطلوبة لأداء مهام محددة، إذ أنه عندما نظر مسؤولو القوات الجوية في الطلب على طائرات الهليكوبتر المستخدمة في الإنقاذ القتالي، فإنهم خلصوا إلى أنه يمكن تلبية هذا الطلب بعدد أقل من أنواع الطائرات".

وأضاف أنه إذا كانت الولايات المتحدة تدافع عن جزيرة تايوان ضد غزو صيني، على سبيل المثال، فإنه من المحتمل أن يتم انتشال الطيارين من المياه أو الأراضي التايوانية، وهو الأمر الذي يقلل من الحاجة لوجود طائرة هليكوبتر متخصصة، ومع ذلك، فإنه سيكون هناك حاجة لمثل هذه الطائرات المتخصصة في أي نزاع في أوروبا.

إدارة ساحة المعركة

ويحاول سلاح الجو الأميركي تحديد كيفية تعامله مع الاتصالات، والقيادة والسيطرة، وقدرات إدارة ساحة المعركة في أي حرب مستقبلية، فعلى مدى عقود من الزمن، استخدم سلاح الجو نظام E-3 Sentry للتحذير والتحكم المحمول جواً ونظام رادار E-8 Joint Surveillance Target Attack لتتبع القوات وإعطاء القادة المعلومات التي يحتاجون إليها لتدمير العدو، ولكن مسؤولي القوات الجوية يقولون إن طائرات AWACS وJSTARS التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة ستكون ضعيفة للغاية في المعركة ضد العدو المتقدم. 

وأشار كيندال إلى تمويل جديد بقيمة 227 مليون دولار في الميزانية المقترحة للسنة المالية 2023 لبدء الحصول على طائرات E-7 Wedgetail التي تستخدمها أستراليا الآن، كبديل لـ AWACS، وذلك كـ"حل مؤقت على الأقل". 

ولا تتضمن خطة القوات الجوية الأميركية بديلاً لـ AWACS أو JSTARS على المدى الطويل، وبدون بديل طويل الأمد يمكنه الصمود في ساحة معركة متقلبة، فإن "قدرة أميركا على تعقب واستهداف قوات العدو بدقة قد تكون في خطر" بحسب الموقع. 

 مهام من الفضاء

وشدد وزير شؤون القوات الجوية الأميركية، على أنه رغم الصعاب، إلا أن "سلاح الجو سيتطلع إلى النجوم لإبقاء أعينه على ساحة المعركة وتتبع الأهداف".

وتابع: "نود القيام بهذه الوظائف من الفضاء إذا استطعنا، ولكن هناك بعض المشكلات الفنية التي يتعين علينا حلها أولاً، إذ أنه من الضروري أن تكون خدمات الفضاء التابعة للقوات الجوية مرنة بما يكفي لمواصلة العمل أثناء الهجوم، ولكننا نحاول تحقيق التوازن الصحيح والمضي قدماً بأسرع ما يمكن للوصول للأشياء التي نحتاجها لمواجهة التهديدات الأكثر خطورة". 

وثمة منصات لطائرات مقاتلة يتطلع إليها سلاح الجو الأميركي ولكن سيكون من الصعب التوصل إليها، أو أنها في مراحلها الأولى، ما يجعل من غير الواضح ما إذا كان امتلاكها سيصبح حقيقة أم لا، فيما يشعر الخبراء بالقلق من أن "الوقت بات ينفد". 

وقال مدير مشروع أمن الفضاء في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، تود هاريسون: "إذا لم يكن هناك شيء قد اقترب من نهاية مرحلة التطوير أو في مرحلة الإنتاج فإنه من غير المحتمل أن يتم اعتباره جزءاً من القوات بحلول عام 2026".

ولذا فإن استراتيجية القوات الجوية ذات المرحلتين والتي تتضمن تحسينات قصيرة المدى "تبدو حكيمة، ولكنها ستحتاج إلى مواصلة الدفع من أجل تغييراتها الأكثر تقدماً، حتى لو كان ذلك بعد عدة سنوات من الآن" حسبما يقول هاريسون.

 "الورقة الأخطر"

الكونجرس الأميركي، هو الورقة الخطيرة الرئيسية في هذا السباق بحسب "ديفينس نيوز"، إذ تقول القوات الجوية إنها بحاجة إلى أن يوافق المجلس التشريعي على تمويلها المطلوب، والسماح لها بالتخلص من الطائرات القديمة التي عفا عليها الزمن، وكذلك تخفيف القيود المفروضة على عدد الطائرات التي يمكن تصفيتها. 

وقال كيندال: "لا يمكننا القيام بذلك دون تعاون الكونجرس، ففي نهاية المطاف، علينا أن نجد طريقاً للمضي قدماً، ويجب أن يكون الكونجرس جزءاً من هذا المسار". 

وغالباً ما يقول سلاح الجو الأميركي إنه لا يمكنه توفير الأموال لتطوير تلك القدرات الجديدة إذا لم يُسمح له بالتخلص من الطائرات القديمة.

وفي هذا الشأن قال هاريسون، إنه "سيتعين على كبار مسؤولي القوات الجوية القيام بزيارات كثيرة إلى مبنى الكابيتول لإقناع المشرعين بالموافقة على رؤيتهم". 

وفيما اعترف كيندال وبراون لـ"ديفينس نيوز"، بأنه سيقع على عاتق القوات الجوية عبء إقناع المشرعين بشأن عمليات تصفية المنصات القديمة، قال الأول إن "الأمر متروك لنا لنقدم لهم خطة منطقية، فنحن نريد التعاون مع الكونجرس، وسيكون هذا التعاون هو طريقنا للمضي قدماً".

تصنيفات