نشرت السلطات في سريلانكا عربات مدرعة وقوات في شوارع العاصمة كولومبو، الأربعاء، وتلقّت الشرطة أمراً بإطلاق رصاص حيّ، لاحتواء وضع "قد يتحوّل إلى فوضى تامة"، بعد عنف أسفر عن مصرع 8 أشخاص منذ الاثنين.
وحضّ الرئيس السريلانكي، جوتابايا راجاباكسا، مواطنيه على نبذ "محاولات تخريبية لدفعهم نحو تنافر عرقي وديني"، فيما نفى سكرتير وزارة الدفاع كمال جوناراتني، تكهنات المعارضة بتوجّه البلاد نحو حكم عسكري.
وفرض حاكم المصرف المركزي في سريلانكا، ناندالال وييراسينجي، مزيداً من القيود على رأس المال، مهدداً بالاستقالة إذا فشل الساسة في استعادة الاستقرار. وقال في كولومبو الأربعاء: "تحمّلت هذه المسؤولية مع توقّعات بتحقيق استقرار سياسي. مرّ أكثر من شهر، دون (إحراز) أيّ تقدم. لا أرغب في الاستمرار في هذا المنصب، إذا لم يتحقق استقرار سياسي"، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".
أزمة اقتصادية طاحنة
وتشهد سريلانكا أسوأ أزمة اقتصادية، منذ استقلالها عن المملكة المتحدة في عام 1948. ويطالب متظاهرون سلميون، منذ أسابيع، باستقالة جوتابايا راجاباكسا، إذ يعانون منذ أشهر، نقصاً حاداً في الأغذية والوقود والأدوية وانقطاعاً في التيار الكهربائي.
واستقال رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا، الشقيق الأكبر للرئيس، الاثنين، بعد ساعات على هجوم شنّه أنصاره على متظاهرين يعتصمون أمام مكتب الرئيس في كولومبو.
ونجح الجيش في تهريب ماهيندا من مقرّ إقامته، الذي حاصره حشد غاضب، ونُقل إلى حوض سفن تابع لسلاح البحرية. لكن جوتابايا راجاباكسا لا يزال في منصبه ويتمتع بصلاحيات واسعة ويتولّى قيادة قوات الأمن، حسبما أفادت وكالة "فرانس برس".
تمديد حظر التجول
ومدّدت السلطات حظر تجوّل أُعلن الاثنين الماضي، إذ لم يكبح أعمال تخريب، شملت إحراق عشرات المنازل التابعة لساسة من الحزب الحاكم، وفندق فخم، أفادت معلومات بأنه مملوك لأحد أقارب راجاباكسا.
كذلك أحرق محتجون متحفاً مخصّصاً لوالد الأخوين راجاباكسا، في مدينة ويراكيتيا، مسقط رأس العائلة جنوب البلاد. وبدا المبنى مدمراً، بعد نهب محتوياته أو تحطيمها، بحسب وكالة "رويترز". وجاب عناصر من الجيش والشرطة شوارع المدينة، حيث أُغلقت المتاجر والشركات بسبب حظر التجوّل.
واضطرت السفارة الهندية في كولومبو إلى نفي معلومات، أفادت بأنها تساعد أفراد عائلة راجاباكسا على الفرار، بعد شائعات في هذا الصدد، أُرفق بعضها بصور لماهيندا أثناء صعوده على مروحية. كذلك نفت "بشكل قاطع، تقارير تخمينية واردة في بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بشأن إرسال الهند جنوداً إلى سريلانكا".
وتلقّى الجيش أمراً بإطلاق النار فوراً للتصدي للشغب، الذي أعلنت الشرطة أنه أسفر عن مصرع 8 أشخاص وجرح أكثر من 225 آخرين في البلاد، علماً أنها اضطرت إلى تعزيز أمن قضاة، بعد تلقيهم تهديدات.
انتشار عسكري
وشوهدت شاحنات مصفحة، تضمّ جنوداً، متّجهة إلى مناطق في كولومبو. وأظهرت تسجيلات مصوّرة، بُثت على مواقع التواصل الاجتماعي، طوابير من شاحنات عسكرية تخرج من العاصمة، مع جنود يركبون دراجات نارية وينصبون نقاط تفتيش في كل أنحاء البلاد، في ظلّ مخاوف من أن يمهّد الفراغ السياسي لانقلاب عسكري، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
لكن متظاهرين تحدوا حظر التجول الأربعاء، وواصلوا اعتصامهم أمام مكتب الرئيس. ونقلت "فرانس برس" عن الناشطة كاوشاليا فرناندو قولها: "نريد أن تغادر عائلة راجاباكسا برمتها، لأنهم فاسدون جداً. إنهم يقضمون سريلانكا مثل الدود منذ سنوات".
يأتي ذلك بعدما أمرت السلطات عناصر الأمن بـ"إطلاق النار فوراً"، لمنع وقوع مزيد من الاضطرابات.
ونسبت "فرانس برس" إلى مسؤول أمني بارز قوله: "لم تعد مسألة غضب عفوي، بل عنف منظم. إن لم تتم السيطرة على الوضع، فقد يتحوّل إلى فوضى عارمة". ولفت إلى أن قوة في الشرطة تضمّ 85 ألف عنصر، تلقّت "طلباً بتبنّي نهج هجومي" واستخدام الذخيرة الحية ضد مثيري الشغب.
ونفى سكرتير وزارة الدفاع، كمال جوناراتني، تكهّنات بحكم عسكري في سريلانكا. وقال، في مؤتمر صحافي عقده مع قادة الجيش والبحرية: "ليس لدى أيّ من ضباطنا رغبة في تولّي الحكومة. لم يحدث ذلك في بلدنا سابقاً، وفعله هنا ليس سهلاً. الرئيس جوتابايا راجاباكسا هو ضابط بارز سابق في الجيش، ولا يزال وزير الدفاع الرسمي للبلاد".
وشدد جوناراتني على أن الجيش سيعود إلى ثكناته، بمجرد استعادة الوضع الأمني طبيعته.
"تنافر عرقي وديني"
راجاباكسا كان دعا على تويتر، الأربعاء، جميع السريلانكيين لتوحيد صفوفهم، "من أجل تجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية". وأضاف: "أحضّ جميع السريلانكيين على رفض المحاولات التخريبية لدفعهم نحو تنافر عرقي وديني، تعزيز الاعتدال والتسامح والتعايش أمر بالغ الأهمية".
وثمة تاريخ طويل من الاضطرابات العرقية في سريلانكا، حيث يشكّل السنهاليون البوذيون النسبة الأكبر من سكانها، البالغ عددهم 22 مليون نسمة، في مقابل أقليات مسلمة وهندوسية ومسيحية.
ونقلت عن محللين إن الرئيس قد يتعرّض لمساءلة تمهيداً لعزله، إن لم يترك منصبه. لكن المعارضة، التي رفضت دعوته إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تفتقر لأغلبية الثلثين الضرورية في البرلمان. ولم تنجح قط، مساءلة رئيس وعزله في سريلانكا.
وشدد أبرز أحزاب المعارضة على أنه لن يكون طرفاً في أيّ حكومة، طالما أن راجاباكسا ما زال رئيساً، حتى بعد استقالة شقيقه ماهيندا من رئاسة الوزراء.
وكتب زعيم حزب المعارضة، ساجيث بريماداسا، على تويتر: "يتم التحريض على العنف تحت غطاء العصابات الغاضبة، لتأسيس حكم عسكري. يجب فرض حكم القانون من خلال الدستور، لا المسدسات. حان الوقت لتمكين المواطنين، لا إضعافهم".
وتخلّفت سريلانكا الشهر الماضي عن سداد ديونها الخارجية، البالغة 51 مليار دولار، الناجم بعضها عن مشاريع أقامتها عائلة راجاباكسا بقروض صينية، علماً أن احتياطات المصرف المركزي لا تتجاوز 50 مليون دولار.
وبدأ صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع، محادثات بشأن خطة إنقاذ محتملة. وقال مدير بعثة الصندوق في سريلانكا، ماساهيرو نوزاكي، إن الصندوق يستهدف أن يكون "جاهزاً بشكل كامل لمناقشة السياسات، فور تشكل حكومة جديدة" في كولومبو.
اقرأ أيضاً: