يثير التعاون الاستراتيجي بين واشنطن ونيودلهي في إطار التحالف "الرباعي" (كواد)، قلقاً متزايداً في بكين، ما دفع كبار دبلوماسييها لانتقاد علاقات البلدين، وشن "حملة عدائية" وصفوا فيها الرباعية بأنها "الناتو الآسيوي".
ورأى الكاتب بمجلة "فورين بوليسي" رجا موهان، أن الهند ربما تكون أبعد ما يكون عن تحويل شراكتها مع الولايات المتحدة إلى أي نوع من التحالف العسكري الرسمي أو غير الرسمي، لكن شراكتهما الاستراتيجية على نحو متزايد تهيمن على خطاب الصين المتعلق الهند.
وأضاف الكاتب وهو وزميل أول بمعهد سياسة المجتمع الآسيوي، أن قمة طوكيو الأسبوع المقبل مجموعة "الحوار الأمني الرباعي"، المعروفة باسم "كواد"، التي تضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، حتماً ستكون مصدر قلق خاصاً في بكين.
واعتبر أنه في ظاهر الأمر حملة الصين المستمرة ضد علاقات الهند مع الولايات المتحدة، ووصفها الرباعية بأنها "الناتو الآسيوي"، وهجماتها الشرسة ضد البنية الجيوسياسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي تبنتها نيودلهي وشركاؤها في الرباعية، تبدو مثيرة للقلق دون داع.
ولفت إلى أن كبار دبلوماسيي بكين انتقدوا أعضاء الرباعية بسبب "تحالفهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وإنشاء مجموعات صغيرة ثلاثية ورباعية، و(كونها) عازمة على إثارة المواجهة".
ورأى أن تركيز الصين غضبها على الرباعية يبدو أمراً غريباً، بالنظر إلى أن بكين تعايشت لفترة طويلة مع تحالفات أميركية حقيقية، والتزامات أمنية صارمة في المنطقة المحيطة، بما في ذلك القوات الأميركية المتمركزة في كوريا الجنوبية واليابان وأماكن أخرى.
ومع ذلك فإن هناك عاملين، بحسب الكاتب، يساعدان في تفسير حملة الصين "العدائية" ضد الرباعي، وخاصة العلاقات الأميركية الهندية الوليدة.
الحجم الهائل للهند
يتمثل العامل الأكثر وضوحاً في الحجم الهائل للهند، وقدرتها المحتملة على تشكيل المحيط الاستراتيجي للصين.
فعلى الرغم من أن الصين نادراً ما نظرت إلى الهند كمنافس نظير، فإن بكين تدرك تماماً أن الهند يمكن أن تثير مشكلات كبيرة للصين، إذا انحازت ضدها مع قوى أخرى.
وبالتالي، فإن منع الهند، وهي قوة عظمى محتملة، من التحالف مع الولايات المتحدة هو هدف استراتيجي من الدرجة الأولى لبكين.
وأشار إلى أن مخاوف الصين بشأن تحالف محتمل بين الولايات المتحدة والهند، اتخذت مؤخراً منعطفاً أشبه "بجنون الارتياب"، يذكر بتعليقات بكين اللامتناهية حول تعاون نيودلهي الاستراتيجي مع موسكو خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما كانت بكين قلقة من انحياز الإمبريالية الروسية لطموحات الهند الخاصة بالهيمنة في جنوب آسيا.
وآنذاك كما هو الحال الآن، لم ترغب الصين في رؤية علاقات الهند مع قوى أخرى، تبدو أفضل من محاولاتها الفاشلة في الغالب لكسب حلفاء.
"المشاعر المعادية" لأميركا
أما العامل الثاني، فيتمثل في استغلال بكين المشاعر الراسخة المعادية لأميركا في نيودلهي التي تصر على التضامن الآسيوي، وتجنب التحالفات الغربية.
وعلى الرغم من أن ثقل هذه المشاعر، وهي نتاج تاريخ الهند في مناهضة الاستعمار وشبه الاشتراكية والتحالف مع الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة، قد بدأ في التراجع، ثمة الكثير من الأشخاص في المؤسسة الهندية الذين يخشون أن الاقتراب الشديد من الولايات المتحدة ربما يستفز الصين. وبكين تراهن على أن تحذيراتها ربما تزيد من القلق في نيودلهي.
ووفقاً للكاتب تتمتع الصين، بتاريخ طويل من الشراكة مع الولايات المتحدة، بدءاً من عهد الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون في السبعينيات.
وفي نيودلهي، على الجانب الآخر، كان الحفاظ على مسافة معقولة من واشنطن سياسة قائمة منذ أمد طويل. حتى في الوقت الذي تجاوبت فيه الهند مع الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، أصرت نيودلهي على أن سياستها المتمثلة في "الحكم الذاتي الاستراتيجي" لم تتغير، ويتضح ذلك حالياً من خلال رفض الهند الانضمام إلى شركائها في "كواد" في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.
"الناتو الآسيوي"
ومنذ عام 2007، ظل لقب "الناتو الآسيوي" عالقاً في الخطاب الصيني المتعلق بشراكات الهند، وخاصة علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة.
لكن التصعيد الصيني اشتد بعد أن أعادت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إحياء "الحوار الأمني الرباعي"، في عام 2017، واكتسب شدة إضافية عندما أعطت إدارة خلفه جو بايدن المجموعة الرباعية زخماً جديداً من خلال تنظيم سلسلة من القمم والمبادرات السياسية. وقمة طوكيو المقبلة هي الثالثة التي تعقدها المجموعة منذ أن أصبح بايدن رئيساً.
وقبل عام تقريباً، كان وزير الخارجية الصيني وانج يي، لا يزال يرفض المجموعة الرباعية باعتبارها أشبه "بزبد البحر في المحيط الهادئ أو الهندي، قد تسترعي بعض الانتباه لكنها سرعان ما ستتبدد".
وفي الوقت الراهن، لا تستطيع الصين التوقف عن إدانة الرباعية باعتبارها مظهراً خطيراً لـ"المجموعات الصغيرة" التي تسعى لتقويض الأمن الآسيوي.
انقسام صيني
ومع ذلك، فإن علاقة الهند القائمة على مبدأ الاستقلالية مع شركائها في الرباعي تثير مشكلة للمحللين الصينيين، المنقسمين بين إدانة المشاركة العسكرية الهندية مع الولايات المتحدة باعتبارها تهديداً خطيراً، والسخرية من الأوهام الاستراتيجية الأميركية بشأن الهند، بحسب التحليل.
وعندما نكون في مزاج جيد، ترحب بكين بسياسة نيودلهي الخارجية القائمة على عدم الانحياز ورفضها المستمر أن تصبح شريكاً صغيراً لواشنطن. وحين تغضب، تهاجم الصين تحالف الهند المتزايد مع الولايات المتحدة.
وفي تفاعلاتهم غير الرسمية مع المجتمع الاستراتيجي الهندي، أعرب بعض الباحثين الصينيين عن قلقهم من أن نيودلهي تستغل التوترات العسكرية الصينية الهندية على الحدود المتنازع عليها في لاداخ منذ عام 2020 لتكثيف التعاون العسكري مع واشنطن.
وقلة من الباحثين الصينيين على استعداد للتنازل عن الوجه الآخر لاقتراحهم، والذهاب إلى أن الإجراءات الصينية العدائية على الحدود تدفع الهند إلى الاقتراب من الولايات المتحدة.
أما الموقف الصيني الرسمي الذي كرره وانج خلال زيارته للهند في مارس، هو أن التوترات الحدودية بين البلدين يجب أن تبقى منفصلة عن التحديات الأكبر لبناء عالم متعدد الأقطاب يحد من قوة الولايات المتحدة. ولا يزال هذا غير مقبول بالنسبة للهند.
لكن وانج قدم أيضاً بعض التأكيدات على أن رؤية الصين لآسيا ليست أحادية القطب، كما تخشى الهند، واعترف بالهند كقوة إقليمية رئيسية، ولوح لمحاوريه في نيودلهي بـ"طعم العمل معاً" للرد على الحرب الروسية الأوكرانية وتهديدها للنظام العالمي.
في المقابل، الهند ليست مستعدة للهجوم، وتصر على أن حل التوترات الحدودية يجب أن يسبق أي تعاون مع الصين في مسائل أكبر.
وعلى نحو مماثل، فإن مبادرة الأمن العالمي الجديدة لبكين، وهي إعلان شامل يهدف لمواجهة النفوذ العالمي للولايات المتحدة لم تحظ باهتمام كبير في نيودلهي.
معضلة إدارة بايدن
ولفت الكاتب إلى أنه "مع تحديد العلاقات الصينية الهندية بموجب النزاعات الحدودية العنيفة بعد عام 1962، تطلعت نيودلهي إلى موسكو لتحقيق توزان مع بكين. ومع تقارب الولايات المتحدة والصين في السبعينيات، ضاعفت الهند الرهان على شراكتها مع روسيا. وعلى نحو مماثل مع تحالف الصين وروسيا مع بعضهما اليوم، تميل الهند بثبات نحو الولايات المتحدة".
ونوّه إلى أن التساؤلات بشأن ما إذا كان ميل الهند نحو الولايات المتحدة لا تراجع عنه، أو هل يمكن تغيير مساره برفض الهند انتقاد الغزو الروسي لأوكرانيا، والانضمام إلى شركاء كواد في معاقبة موسكو، تُحرّك كلاً من المحللين الصينيين والأميركيين.
ومضى قائلاً: "ربما تدرك إدارة بايدن أن مسألة روسيا متعلقة بماضي الهند وليس مستقبلها، وهي علاقة طويلة وعميقة لا يمكن تفكيكها فجأة. والتنافس بين الهند والصين ذو طابع هيكلي ومن غير المرجح تسويته في أي وقت قريب. يمكن للصين كسر حالة الجمود على الحدود، ولكن لا يبدو أنها مستعدة للتخلي عن نفوذها الاستراتيجي الوحيد ضد الهند".
وبين أنه بالنسبة للهند، تكمن المشكلة في التحرك ببطء لتعزيز موقعها الإقليمي. وتكتيكات الهند تكتنفها بلوغ الغاية بالتدريج، لكن حتميتها الاستراتيجية تكمن في تعاون أعمق مع الولايات المتحدة.
وختم بالقول: "ستمنحنا قمة الرباعي في طوكيو الأسبوع المقبل فكرة أفضل عن كيفية تأثير الجغرافيا السياسية على إعادة تحقيق التوزان الآسيوي".
تحالف "كواد"
طرح "الحوار الأمني الرباعي" وهو تحالف غير رسمي في 2007، وأطلق مجدداً في 2017 للحد من نفوذ الصين.
وتعود الفكرة الى رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبي الذي يُعتبر من الصقور وكان متحمساً لإيجاد شركاء من أجل إقامة توازن مع الصين الصاعدة بقوة.
ووضعت إدارة بايدن منطقة آسيا المحيط الهادئ في صلب سياستها الخارجية والدفاعية، من أجل الحد من صعود الصين التي تتهمها واشنطن بأنها تريد السيطرة على الطرق التجارية الدولية.
وتتواجه الصين والولايات المتحدة، أكبر اقتصادين في العالم، في مجالات عدة من التجارة إلى حقوق الإنسان.
لكن بايدن يصور الخلاف بين البلدين في أغلب الأحيان على أنه نزاع القرن الحادي والعشرين، بين "الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات في العالم".
وفي حين أنّ أستراليا والهند كانتا حذرتين في البداية حيال استعداء الصين، إلا أن صيغة الرباعي توسّعت في السنوات الأخيرة مع تدهور علاقات البلدين مع العملاق الآسيوي.
وأجرت دول "كواد" 4 مناورات بحرية في نوفمبر 2020 في خليج البنغال وبحر العرب، حيث شاركت أستراليا للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
وكانت صحيفة "جلوبال تايمز" الرسمية الصينية حذرت في فبراير 2021، الرئيس الأميركي بايدن، من أن تجديد التحالف الرباعي سيكون "خطأً استراتيجياً فادحاً"، وقد يؤدّي إلى "مواجهة استراتيجية خطيرة" مع بكين.
وحمل تعليق أحد الخبراء في تقرير الصحيفة، تحذيراً خاصاً للهند التي تملك القدرة لإنهاء صيغة الـ"كواد" وفق المحلّل، مع نصيحة بأن لا تربط الهند نفسها "بشكل كامل بعربة الولايات المتحدة المناهضة للصين".
وأصرت الهند تاريخياً على عدم الانحياز في سياستها الخارجية، لكنّ التوترات تصاعدت منذ العام الماضي عندما أدّت مواجهات عسكرية مع الصين في جبال الهيمالايا الى مقتل 20 جندياً هندياً على الأقلّ إضافة إلى عدد غير معروف من الجنود الصينيين.
اقرأ أيضاً: