
اقتحم مئات المستوطنين اليهود باحات المسجد الأقصى، الأحد، مؤدين للمرة الأولى ما يسمونه "السجود الملحمي"، وذلك تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، فيما سجلت عشرات الإصابات في اعتداءات للقوات الإسرائيلية والمستوطنين في مدينة القدس المحتلة.
وتأتي الاقتحامات الإسرائيلية تزامناً مع انطلاق "مسيرة أعلام" التي ينظمها يهود في شوارع البلدة القديمة وحول أسوارها. وفي المقابل خرجت مسيرة للأعلام الفلسطينية في القدس المحتلة، رداً على "مسيرة الأعلام" التي ينظمها المستوطنون، ما ينذر بموجة جديدة بين الطرفين.
بلغ عدد المشاركين في "مسيرة الأعلام" بحسب الشرطة الإسرائيلية 60 ألفاً، وهو أكبر عدد يشارك في هذه المسيرة منذ احتلال القدس عام 1967.
اعتداءات المستوطنين
ووقعت مظاهرات عنيفة في عدد من الأحياء احتجاجاً على المسيرة، وهاجم حوالي 200 مستوطن مخيم الصمود في حي الشيخ جراح، واعتدوا على السكان وممتلكاتهم وحطموا سياراتهم. وأصيب شاب بعيار ناري من أحد المستوطنين.
وبلغت حصيلة المصابين الفلسطينيين خلال مختلف المواجهات التي شهدتها المدينة الأحد، 62 حسب وكالة الأنباء الفلسطينية.
ونقلت الوكالة بأن 62 مواطناً أصيبوا في "اعتداءات لقوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في البلدة القديمة بالقدس المحتلة ومحيطها، خلال تصديهم لمسيرة الأعلام".
وأفادت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في القدس، بأن طواقمها تعاملت مع 62 إصابة بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط والاعتداء بالضرب ورش غاز الفلفل وسقوط في محيط وداخل البلدة القديمة، حيث تم نقل 23 إصابة للمستشفى، وجرى علاج باقي الإصابات ميدانياً.
وأضافت أن "شرطة الاحتلال اعتدت بالضرب على طواقم الجمعية في محيط باب العامود، خلال محاولتهم الوصول لإحدى الإصابات"، مشيرة إلى أنها فتحت مستشفى ميدانياً في مركز الإسعاف بحي الصوانة للتعامل مع الإصابات.
وفي سياق متصل، نقلت الوكالة بأن القوات الإسرائيلية اعتدت على عشرات الفلسطينيين خلال مشاركتهم بمسيرة للأعلام الفلسطينية في القدس المحتلة، والتي جاءت رداً على "مسيرة الأعلام" الإسرائيلية، ما أدى إلى إصابة اثنين منهم واعتقال اثنين آخرين.
ولفتت الوكالة إلى اعتقال 50 فلسطينياً على الأقل، بينهم نساء وأطفال، من القدس ومحيط منطقة باب العامود، ومن داخل أحياء البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وفق ما أفاد به "نادي الأسير" الفلسطيني.
واقتحم المستوطنون ساحات الحرم على شكل مجموعات، ضمت كل مجموعة 40 مستوطناً، ونفذوا جولات استفزازية في باحاته، وأدوا للمرة الأولى ما يسمونه "السجود الملحمي" في باحات المسجد، وتلقوا شروحات عن "الهيكل" المزعوم، خاصة في المنطقة الشرقية، وقبالة مصلى باب الرحمة، وقبة الصخرة، وأمام باب القطانين، أحد أبواب الأقصى.
وشارك عضو الكنيست ايتمار بن غفير في الاقتحامات، بينما اعتدت القوات الإسرائيلية على الشباب أمام باب القطانين، وفرضت إجراءات مشددة على دخول المصلين، واعتقلت 10 شباب فلسطينيين.
"اللعب بالنار"
بدوره، قال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة إن "إسرائيل تلعب بالنار بلا مسؤولية، وبتهور شديد من خلال السماح للمستوطنين بتدنيس المقدسات في القدس المحتلة وتصعيد عمليات القتل".
وطالب أبو ردينة في حديث لإذاعة "صوت فلسطين"، الأحد، المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأميركية بتحمل مسؤولياتها، تجاه ما يجري وعدم التعامل بإزدواجية.
إدانة عربية
وأعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عن إدانته الشديدة لـ"قيام عدد من المتطرفين الإسرائيليين باقتحام الأقصى في حماية أعداد كبيرة من قوات الاحتلال"، مؤكداً في بيان أن هذا التحرك "يشكل انتهاكاً جديداً للوضع القائم كما يمثل استفزازاً كبيراً للمشاعر العربية والإسلامية، ويمكن أن يترتب عليه إشعال الأوضاع في مدينة القدس ومناطق أخرى".
وصرح المستشار جمال رشدي المتحدث باسم الأمين العام بأن اقتحام ساحة الأقصى، في إطار ما يُعرف بـ"مسيرة الأعلام" هو "عملٌ غير مسؤول يستهدف بالدرجة الأولى تحقيق مكاسب داخلية على الساحة الإسرائيلية، ويُحقق أهداف اليمين المتطرف الساعية إلى إلغاء كل وجود فلسطيني في القدس الشرقية المحتلة والتضييق على رواد الحرم القدسي لأهداف صارت معلومة للجميع".
وناشد أبو الغيط المجتمع الدولي الضغط على اسرائيل لوقف "هذه الاستفزازات التي تؤجج المشاعر الدينية، وتُزيد من منسوب الاحتقان وتغذي دائرة العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن شأنها دفع الجميع الي أتون مواجهات دينية لن يحمد عقباها".
ودانت وزارة الخارجية الأردنية، الأحد، "السماح لمتطرفين وأحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي باقتحام حرم المسجد الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية"، مُحذّرةً من تفاقم الأوضاع في ضوء السماح بـ"المسيرة الاستفزازية والتصعيدية في القدس المحتلة".
تحذير مصري
أعربت وزارة الخارجية المصرية عن إدانتها لسماح السلطات الإسرائيلية باقتحام "جماعات من المتطرفين باحات المسجد الأقصى المبارك، وذلك تحت حماية الشرطة الإسرائيلية".
وحذرت في بيان من "مغبة هذه التطورات التي تُنبئ بمزيد من الاحتقان والتصعيد على استقرار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية".
وأكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد حافظ، على أن "المسجد الأقصى هو وقف إسلامي خالص للمسلمين"، وعلى ضرورة "وقف أي انتهاكات تستهدف الهوية العربية الإسلامية والمسيحية لمدينة القدس وكافة مقدساتها وكذلك تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم".
وطالبت الخارجية المصرية السلطات الإسرائيلية "بتحمل مسؤوليتها وفق قواعد القانون الدولي والتدخل الفوري لوقف تلك الممارسات الاستفزازية التي تؤجج مشاعر المسلمين".
"حرب دينية"
كما أدانت قطر بأشد العبارات "اقتحام مستوطنين المسجد الأقصى المبارك، وقيامهم بأداء صلوات تلمودية في باحاته تحت حماية شرطة الاحتلال"، واعتبرته "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وامتداداً لمحاولات تغيير الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى، والدفع بالتقسيم الزماني للمسجد، واستفزازاً لمشاعر المسلمين في العالم".
وحذرت وزارة الخارجية القطرية، في بيان، من أن "استمرار الانتهاكات الخطيرة والاستفزازية بحق المسجد الأقصى الشريف يكشف بوضوح رغبة الاحتلال في توجيه الصراع إلى حرب دينية".
وشددت في هذا السياق على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لـ"ردع الاحتلال، وتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه القدس ومقدساتها".
من جانبه، دان الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية نايف الحجرف، "السماح لمتطرفين وأحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي باقتحام المسجد الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية".
وحذر المجلس في بيان من "تفاقم الأوضاع في ضوء السماح بالمسيرة الاستفزازية والتصعيدية في القدس المحتلة، مما يشكل انتهاكاً صارخاً وتصرفاً مداناً ومرفوضاً وتصعيداً خطيراً".
وشدّد الحجرف على "ضرورة احترام إسرائيل الوضع التاريخي والقانوني والديني القائم في القدس المحتلة ومقدساتها ووقف كل الإجراءات غير الشرعية"، مطالباً المجتمع الدولي "بتحمل مسؤولياته للحفاظ على سلامة المسجد الأقصى، وبضرورة تقيد إسرائيل بالتزاماتها كقوةٍ قائمةٍ بالاحتلال وفق القانون الدولي الإنساني".
كذلك، استنكرت الكويت اقتحام "متطرفين المسجد الأقصى الأحد بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلية".
وذكر بيان لوزارة الخارجية الكويتية أن "هذه الانتهاكات الصارخة التي تشكل استفزازاً لمشاعر المسلمين ومخالفة صريحة للقانون الدولي، تنذر بعواقب وخيمة على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وستضاعف من مظاهر الاحتقان وستزيد من فرص المواجهات الدينية".
ودعت الوزارة المجتمع الدولي ولاسيما مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته بلجم تلك الانتهاكات وإلزام "سلطات الاحتلال الإسرائيلية باحترام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وتوفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني الشقيق وحقوقه".
ودانت منظمة التعاون الإسلامي بشدة "إقدام آلاف المستوطنين المتطرفين على اقتحام المسجد الأقصى المبارك وتأدية شعائر وطقوس تلمودية فيه بدعم وحماية من قوات الاحتلال الاسرائيلي، وتنظيمهم ما يسمى مسيرة الأعلام العنصرية والاستفزازية في مدينة القدس المحتلة".
واعتبرت المنظمة في بيان نشرته على صفحتها في "تويتر"، أن "هذا التصعيد الخطير يشكل تحدياً سافراً لمشاعر الأمة الإسلامية جمعاء، وانتهاكاً صارخاً للقرارات والمواثيق الدولية ذات الصلة".
وحمّل الأمين العام للمنظمة، حسين إبراهيم طه إسرائيل "قوة الاحتلال، المسؤولية الكاملة عن التداعيات المحتملة لهذه الاعتداءات المتواصلة، داعياً في الوقت نفسه المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن الدولي، إلى التحرك من أجل وضع حد لهذه الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة".
"اختبار شخصي"
وكان أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أن المسيرة "ستجري وفق المسار المحدد لها، وكما هو الأمر منذ عقود"، أي بالمرور عبر البلدة القديمة، لكن دون دخول باحة الأقصى.
واعتبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن المسيرة، "اختبار شخصي، واختبار لشخصية" بينيت بالمقارنة مع سلفه بنيامين نتانياهو الذي كان على رأس الحكومة في العام الماضي.
وأضافت "كان نتنياهو متردداً، اتخذ قراراً ليتراجع عنه (تغيير المسار) بسبب تهديدات حماس، ورغم ذلك أمطرت علينا الصواريخ (..). بينيت اختار استراتيجية معاكسة، مع سياسة هادئة ومحتسبة".
النفير العام
ودعت الفصائل الفلسطينية بعد اجتماع عقدته، الخميس الماضي، إلى "الاحتشاد في باحات المسجد الأقصى"، واعتبار يوم الأحد "يوماً وطنياً للدفاع عن الأقصى والنفير العام"، متحدثة عن "مخططات للمستوطنين لاقتحام الأقصى".
وحذرت الفصائل الفلسطينية، إسرائيل من "ارتكاب أي حماقة بالسماح باقتحام المسجد الأقصى"، مؤكدة أن "هذا المُخطط سيكون بمثابة برميل بارود سينفجر ويُشعل المنطقة بأكملها".
ودعت حركة حماس، السبت، إلى "النفير العام، وشدّ الرحال إلى المسجد الأقصى لإفشال مخططات الاحتلال التهويدية".
مواجهة 2021
وفي مايو من العام الماضي، أعطت الحكومة الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينيت الضوء الأخضر لـ"مسيرة الأعلام"، بعد أيام قليلة من توليها المسؤولية، في حين شارك بها نحو 5 آلاف إسرائيلي، واعتدت القوات الإسرائيلية على المحتجين الفلسطينيين بالرصاص المطاطي والحي، مخلفة عشرات الإصابات.
وحمل المشاركون في المسيرة حينها، الأعلام الإسرائيلية، وصولاً إلى باب العامود خارج البلدة القديمة التي تضم المسجد الأقصى، ونقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن أكثر من 2000 جندي إسرائيلي انتشروا في القدس المحتلة، ومحيطها، وعملوا على إخلاء الطريق لها، والاعتداء على المحتجين.
واندلعت في أعقاب ذلك مواجهة عسكرية استمرت 11 يوماً، عندما أطلقت الفصائل الفلسطينية صواريخ باتجاه القدس المحتلة ومدن إسرائيلية كبرى، رداً على اقتحام مستوطنين للمسجد الأقصى، بجانب إعلان إسرائيل عزمها طرد عائلات فلسطينية مقيمة في حي الشيخ جراح في القدس.