كشفت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية أن الصين تبحث فرض قيود للحد من تصدير معادن أرضية نادرة تدخل في صناعة أسلحة ضمنها الطائرات المقاتلة من طراز "إف 35"، لضرب صناعة الدفاع الأميركية، في خطوة قد تصبح مصدر خلاف جديد بين بكين وواشنطن.
ونقلت الصحيفة عن مصادر حكومية في الصين أن وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية اقترحت في يناير الماضي خطة لتقييد استخراج وتصدير 17 معدناً أرضياً نادراً في الصين، التي تستحوذ على 80% من الاحتياطي العالمي من هذه المعادن النادرة.
ولفتت إلى أن مسؤولين حكوميين سألوا وزارة الصناعة عن مدى تأثر الشركات الأميركية والأوروبية وضمنها شركات صناعة الأسلحة، في حال فرضت بكين هذه القيود، خلال أزمة محتملة مع إحدى هذه الدول.
وقال أحد المستشارين الحكوميين في الصين للصحيفة إن "الحكومة أرادت أن تعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة ستواجه مشاكل في صناعة مقاتلات إف 35، في حال فرضت الصين حظر تصدير المعادن"، مضيفاً أن الحكومة أرادت أيضاً معرفة مدى سرعة الولايات المتحدة في تأمين مصادر بديلة للمعادن الصينية.
وتتطلب صناعة طائرة واحدة من مقاتلات "إف 35" 417 كيلوغراماً من معادن نادرة، تُستخدم في تطوير معدات أساسية في الطائرة، من قبيل نظام الطاقة الكهربائية وقطع المغناطيس.
وتدخل هذه المعادن أيضاً في صناعة منتجات تكنولوجية أخرى، ضمنها الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية والتوربينات الريحية.
مصدر خلاف جديد
وتهدد الخطوة الجديدة بأن تصبح سيطرة الصين على المعادن النادرة مصدر خلاف جديد بين واشنطن وبكين، وفقاً لـ"فاينانشال تايمز"، التي قالت إن فرض حظر على تصدير المعادن قد يأتي بنتائج عكسية للصين، من خلال دفع منافسيها الغربيين إلى تطوير قدراتهم الإنتاجية.
وقال الخبير في وكالة "أنتايك" الصينية للاستشارات المدعومة من الحكومة، زانغ روي، إن "شركات صناعة الأسلحة الأميركية توجد على رأس قائمة الشركات المستهدفة بقيود التصدير".
وكانت وزارة الخارجية الصينية أكدت العام الماضي أنها ستفرض عقوبات على شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية، التي تُصنع مقاتلات "إف 35"، وشركة "بوينغ"، بسبب بيعها أسلحة إلى تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها.
وقالت الصحيفة إن القرار النهائي بشأن تطبيق القيود الجديدة بيد مجلس الدولة الصيني واللجنة العسكرية المركزية. وحذر مسؤولون في الحكومة الصينية من أن القيود قد تدفع خصوم بكين إلى تسريع تطوير قدراتهم الإنتاجية الخاصة، والحد من هيمنة بكين على الصناعة.
وقال زانغ روي إن "خطة تقييد الصادرات تعد سيفاً ذا حدّين، ويجب تطبيقها بحذر كبير".
قلق أميركي
وأصبحت وزارة الدفاع الأميركية قلقة بشكل متزايد من اعتماد صناعة السلاح الأميركية على المعادن الصينية النادرة، التي تبقى ضرورية في صناعة معظم الأسلحة الأميركية، من الصواريخ الموجهة إلى الطائرات المسيرة.
وحذرت إلين لورد، وهي مسؤولة بارزة في الـ"بنتاغون"، الكونغرس الأميركي في أكتوبر الماضي من أن الولايات المتحدة قد تحتاج إلى تجميع مخزون من بعض المعادن النادرة، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة "في موقف ضعف حقيقي" أمام الصين.
وخلال الأشهر الأخيرة، أبرمت وزارة الدفاع الأميركية اتفاقات جديدة مع شركات تعدين أميركية وأسترالية من أجل تعزيز طاقات التكرير، وتقليل الاعتماد على المصافي الصينية.
وأوردت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن مجلس الأمن القومي الأميركي، رفض التعليق بشأن موقف واشنطن من الإجراء الصيني المرتقب.
خوف من سيطرة الحكومة
ولفتت الصحيفة إلى أن شركات التعدين الصينية متخوفة من أن الخطة الجديد قد تعزز سلطة وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات على أنشطتها.
وبدأت بكين في تطبيق قيود على إنتاج المعادن الأرضية النادرة في 2007، من أجل الحفاظ على ارتفاع الأثمان وتخفيض نسبة التلوث، لكن هذه السياسة ليست إجبارية، وكانت تسمح لعدد من شركات التعدين بتجاوز قيود الإنتاج.
لكن الخطة الجديدة تخول الحكومة فرض غرامات قاسية على الشركات التي تقوم بمبيعات غير مرخصة من قبل وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات.
وذكر مدير إحدى شركات التعدين الصينية، رفض الإفصاح عن اسمه، لـ"فاينانشال تايمز" أن "القيود الجديدة لن تجعل بكين الأقوى في سلسلة الإمداد العالمية، لأن الشركات المحلية لن تكون قادرة على الإنتاج بكامل طاقتها"، مضيفاً أن " التفكير في حظر الصادرات سهل لكن تطبيقه أصعب".
الطلب الداخلي
وبالمقابل، تعتبر وزارة الصناعة الصينية أن القانون الجديد "سيساعد في حماية المصالح القومية، وضمان سلامة المصادر الاستراتيجية".
وأشارت "فاينانشال تايمز" إلى أن البيانات الحكومية أظهرت أن طلب الصين الداخلي على المعادن النادرة ارتفع بشكل مستمر في السنوات الخمس الأخيرة، لدرجة أنه تعدى حجم الإمدادات المحلية، ما دفع بكين إلى الاستيراد من شركات التعدين في الولايات المتحدة وميانمار.
وأرجعت الصحيفة الارتفاع في الطلب الداخلي إلى عدد من الصناعات المحلية ضمنها السيارات الكهربائية والتوربينات الريحية، وهو الأمر الذي دفع بكين إلى التفكير في ضمان "أمن المصادر المعدنية".
ونقلت "فاينانشال تايمز" عن أحد المديرين التنفيذيين بمجلس إدارة شركة "غولد دراغون رير إيرث"، أن "المسؤولين عن التخطيط للاقتصاد الصيني فشلوا في توقع ارتفاع استهلاك المعادن الأرضية النادرة".