أشادت بكين بـ"شراكة لا تنكسر" مع بنوم بنه (عاصمة كمبوديا)، خلال إطلاقهما، الأربعاء، مشروعاً تموّله الصين لتحديث أضخم قاعدة بحرية في كمبوديا، تتمتع بموقع استراتيجي في خليج تايلاند، في تطوّر أثار خشية الولايات المتحدة من استخدامها لتوسيع نفوذ بكين.
وارتدى وزير الدفاع الكمبودي تيا بانه، والسفير الصيني لدى كمبوديا وانج وينتيان، ومسؤولون آخرون، قفازات بيضاء قبل تسليم مجارف مليئة بالرمل، لإطلاق "التحديث" الرسمي لـ"قاعدة ريام البحرية"، والذي سيتضمّن حوضاً جافاً لإصلاح السفن، ورصيفاً، وورشة لصيانة القوارب، وممراً، وجرفاً رملياً للسماح للسفن الأكبر حجماً بالرسوّ، ومستشفى و"مبنى استقبال"، كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".
"لا تهديد لأيّ دولة"
وقال وزير الدفاع الكمبودي أمام مئات الضيوف، بينهم سفراء أجانب والملحق العسكري الأميركي، إن القاعدة ستكون قادرة فقط على استيعاب السفن التي تبلغ حمولتها 5 آلاف طنّ، في مقابل ألف طنّ الآن، ولكنها ضحلة جداً لتتّسع لكل السفن البحرية، باستثناء أصغرها.
وأضاف الوزير، متحدثاً أمام لافتة تفيد بأن المشروع مُموّل من خلال "منحة من جمهورية الصين الشعبية": "ثمة مزاعم بأن قاعدة ريام الحديثة ستُستخدم حصراً من الجيش الصيني. كلا، الأمر ليس كذلك أبداً. من فضلكم لا تقلقوا كثيراً بشأن قاعدة ريام. هذا الميناء صغير جداً، وحتى بعد تطويره لا يمكن أن يكون ميناءً يهدّد أيّ دولة". وتابع: "لن تسمح مملكة كمبوديا بوجود قاعدة عسكرية أجنبية على أراضيها".
وأشار تيا بانه إلى أنه دعا الولايات المتحدة وممثلين أجانب آخرين إلى القاعدة، كي يتمكّنوا من رؤية أن "لا شيء (يحدث) هنا". واستدرك أنه بمجرد استكمال المشروع، ستصبح القاعدة منطقة عسكرية مقيّدة، لا يمكن الدول الأجنبية الوصول إليها، بحسب "أسوشيتد برس".
ورجّح الوزير أن يستغرق المشروع سنتين، لكنه لم يذكر تكلفته، علماً أن الصين منحت كمبوديا مئات الملايين من الدولارات على شكل منح في السنوات الأخيرة، لتنفيذ مشاريع في البنية التحتية، وفق الوكالة الأميركية.
ونقلت عن وانج وينتيان، أن المشروع سيتّبع خطة أقرّها رئيس الوزراء الكمبودي هون سين، والرئيس الصيني شي جين بينج هذا العام، من أجل "مواصلة تشجيع بناء مجتمع يتمتع بمستقبل مشترك مع أهمية استراتيجية". وأشار إلى "شراكة لا تنكسر بين الصين وكمبوديا"، اللتين وصفهما بـ"شقيقتين"، معتبراً أنهما "يعاملان بعضهما بعضاً بكل إخلاص ويقفان جنباً إلى جنب في الأوقات الصعبة".
وشدد على أن "التعاون العسكري بين الصين وكمبوديا يخدم المصالح الأساسية لبلدينا وشعبينا"، كما أفادت وكالة "رويترز".
شكوك أميركية وشكوى صينية
لكن السفارة الأميركية في بنوم بنه، كرّرت بعد حفل وضع حجر الأساس، مخاوف من أن "الوجود العسكري الصيني في ريام يمكن أن يهدّد سيادة كمبوديا ويقوّض الأمن الإقليمي". وقالت الناطقة باسم السفارة ستيفاني أرزاتي: "أعربت الولايات المتحدة ودول في المنطقة عن قلقها بشأن نقص الشفافية حول نيّة هذا المشروع وطابعه ونطاقه، إضافة إلى الدور الذي يؤديه الجيش الصيني في تشييده واستخدام المنشأة بعد البناء".
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولَين عسكريين كمبوديين بارزين، في نوفمبر الماضي، نتيجة مزاعم بكسب غير مشروع مرتبط بتمويل المشروع في قاعدة ريام.
وانتقد السفير الصيني هذه الخطوة، دون ذكر الولايات المتحدة بالاسم، قائلاً: "تواصل بعض الدول تشويه التبادل والتعاون المشروع بين الصين وكمبوديا، وتفرض بشكل تعسفي عقوبات أحادية على كمبوديا، بذريعة زائفة للديمقراطية وحقوق الإنسان، وتتدخل بشكل صارخ في الشؤون الداخلية لكمبوديا، من خلال الولاية القضائية بعيدة المدى. نعارض بشدة كل هذه السلوكيات السيئة". واعتبر أن القاعدة لدى اكتمالها ستكون نصباً لـ"الصداقة القوية والتعاون بين جيشَي الصين وكمبوديا".
"اتفاق سري" بين كمبوديا والصين
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" نقلت عن مسؤولين غربيين، أن الصين تشيّد منشأة في "قاعدة ريام البحرية"، للاستخدام الحصري لجيشها، في ظلّ إجراءات استثنائية من البلدين لإخفاء هذه العملية، في ما يمكن اعتباره أول قاعدة لبكين في المحيطين الهندي والهادئ.
وأشار المسؤولون إلى أن هذه القاعدة البحرية ستكون ذات أهمية استراتيجية ضخمة بالنسبة إلى الصين، إضافة إلى كونها القاعدة الثانية لها في الخارج، بعد جيبوتي في شرق إفريقيا.
واعتبر هؤلاء أن وجود منشأة قادرة على استضافة سفن بحرية ضخمة، إلى الغرب من بحر الصين الجنوبي، سيعزّز وجود بكين قرب الممرات البحرية الأساسية في جنوب شرقي آسيا، في إطار مشروعها لبناء شبكة من المنشآت العسكرية في كل أنحاء العالم، بهدف دعم تطلّعاتها لتصبح قوة عالمية.
يأتي ذلك بعدما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في عام 2019، أن الصين وقّعت اتفاقاً سرياً يمكّن جيشها من استخدام أجزاء من القاعدة بشكل حصري، في تقرير أدى إلى توتر في علاقات كمبوديا مع الولايات المتحدة.
واعتبرت وكالة "بلومبرغ" أن هذا الوضع في كمبوديا يؤجّج تساؤلات بشأن نيات الصين في المنطقة، في ظلّ مخاوف من أنها قد تستخدم اتفاقاً أمنياً أبرمته مع جزر سليمان، لتشييد قاعدة بحرية هناك، وهذا ما تنفيه بكين. وزار وزير الخارجية الصيني، وانج يي، في الآونة الأخيرة دولاً جزرية في المحيط الهادئ، سعياً إلى إبرام اتفاقات تنموية.
توترت العلاقات منذ سنوات بين كمبوديا والولايات المتحدة، بعد اتهامات أميركية لهون سين وحزبه الحاكم بقمع المعارضة. ونفى هون سين هذه المخاوف، وتقرّب من الصين، التي تُعدّ إلى حدّ كبير أبرز مستثمر في كمبوديا، بحسب "رويترز".
اقرأ أيضاً: