أقمار "ستارلينك" للإنترنت الفضائي تثير قلقاً صينياً

time reading iconدقائق القراءة - 7
معدات لأقمار "ستارلينك" في أوكرانيا - Twitter/FedorovMykhailo
معدات لأقمار "ستارلينك" في أوكرانيا - Twitter/FedorovMykhailo
دبي - الشرق

بعد أقلّ من 48 ساعة على الغزو الروسي لأوكرانيا، أرسلت شركة "سبيس إكس"، المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" أيضاً، شحنة من محطات تأمين خدمة الإنترنت عبر أقمار "ستارلينك" الاصطناعية، لتحصين شبكة الإنترنت في أوكرانيا.

وأشاد الغرب بماسك، لكن بكين نظرت إلى الخطوة بشكل مغاير، علماً بأنها تمثّل أحد أسواق النموّ المهمة بالنسبة لأعماله، إذ تحقق "تسلا" ربع إيراداتها في الصين، بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.

وأشارت الصحيفة إلى أن ماسك، أغنى رجل في العالم، يتعرّض لضغوط متزايدة من صقور الأمن القومي والبيانات في بكين، ما يُهدد أعماله في أضخم سوق استهلاكية في العالم، مع تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة، فيما أن شركات السيارات الكهربائية المحلية المنافسة تضيّق الخناق على "تسلا".

وقال بلايني كورشو، مؤسس مجموعة "أوربيتال جيتواي" المتخصصة في أبحاث الفضاء، إن "قلقاً كبيراً في الصين" أُثير بسبب اعتبار "سبيس إكس" و"ستارلينك" جزءين مهمين من "المجمّع الصناعي الفضائي العسكري الأميركي".

2000 قمر اصطناعي

وتضمّ شبكة "ستارلينك" أكثر من 2000 قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض، ويخطط ماسك لإضافة آلاف الأقمار إليها، ومع اتساع الشبكة وتسارع سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والصين، حذر خبراء من أن ماسك سيعاني في تحقيق توازن بين المصالح المتضاربة للبلدين.

ويخشى المخططون العسكريون في بكين من سيناريو يتمثل في نشر ماسك آلاف الأقمار الاصطناعية، لمراقبة الصين أو دعم تايوان.

وقال درو طومسون، وهو مسؤول دفاعي أميركي سابق، إن تبرّع ماسك بـ"ستارلينك" بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أدى إلى زيادة "وعي الصين بجدوى وفاعلية" الأقمار الاصطناعية التي تدور في مدار أرضي منخفض، في تعزيز أنظمة الاتصالات أثناء حرب.

انتقادات صينية

ورجّح ماسك أن تنفق "سبيس إكس"، التي تبلغ قيمتها نحو 100 مليار دولار، 30 مليار دولار على توسيع شبكة "ستارلينك".

ومتكئة إلى موقعها القيادي في سوق الفضاء التجارية الناشئة، التي يُتوقع أن تبلغ قيمتها 40 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، باتت "سبيس إكس" جزءاً مهماً من إمبراطورية ماسك، ومصدراً متزايداً للخلاف مع الصين.

وفي ديسمبر الماضي، شكا دبلوماسيون صينيون لدى الأمم المتحدة، من أن أقمار "سبيس إكس" أرغمت محطة الفضاء الصينية على إجراء مناورات لتجنّب اصطدامات خطرة، في مزاعم أثارت موجة انتقادات لماسك على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب "فاينانشال تايمز".

وتكثفت الانتقادات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ ندّد موقع "تشاينا ميليتاري أونلاين"، التابع للجيش الصيني، بالعلاقات الوثيقة بين "سبيس إكس" والقوات المسلحة الأميركية، والعقود التجارية بين الشركة والجيش الأميركي، كذلك انتقد قدرة الشركة على "تعزيز القدرة القتالية للجيش الأميركي".

واعتبر الموقع أن ثمة "احتمالاً جيداً لأن تستغلّ الولايات المتحدة، المهووسة بالهيمنة، (ستارلينك) لإحداث فوضى أو كوارث" في العالم.

في أبريل الماضي، اعتبر محللون في "معهد بكين للتتبع والاتصالات السلكية واللاسلكية"، التابع للجيش الصيني، أن على معدّي الخطط الدفاعية في بكين أن يعدّوا "أساليب قتل لينة وصارمة"، لإسقاط أقمار "ستارلينك" وتدمير أنظمتها التشغيلية.

"تهديد بكين"

تأتي هذه التهديدات فيما تسرّع شركات صينية ناشئة، خاصة ومملوكة للدولة، مثل "جالاكسي سبيس" و"تشاينا أيروسبيس ساينس أند تكنولوجي كوربوريشن"، نشر مجموعاتها من الأقمار الاصطناعية في مدار أرضي منخفض، من أجل منافسة "ستارلينك".

وقال ديكستر روبرتس، وهو خبير في الشؤون الأميركية الصينية وباحث في معهد "أتلانتيك كاونسل"، إن الباحثين العسكريين التابعين للدولة كانوا "واضحين جداً" في أن "ستارلينك" تشكّل "تهديداً للصين". وأضاف: "من شبه المؤكد أن الحكومة والجيش الصينيَين يشاركانهم مخاوفهم".

وتعمل الجهات المنظمة للفضاء الإلكتروني في الصين، على زيادة تركيزها على "تسلا"، في وقت تشتد المنافسة مع شركات السيارات الكهربائية الصينية.

وحققت أعمال "تسلا" نجاحاً هائلاً في الصين، إذ تضاعفت عائدات البيع عام 2021 إلى 13.8 مليار دولار مقارنة بعام 2020، مقابل 23.9 مليار دولار في الولايات المتحدة، و16 مليار دولار في الأماكن الأخرى.

رقابة على جمع البيانات

وتأتي المنافسة الشديدة في ظلّ قوانين أمنية جديدة أصدرتها "إدارة الفضاء السيبراني" وأجهزة أمنية أخرى في الصين، لتشديد الرقابة على جمع البيانات والخصوصية، بحسب "فايننشال تايمز".

وقال سام ساكس، وهو باحث في "مركز بول تساي الصيني" التابع لكلية الحقوق بجامعة "ييل"، إن "تسلا تتعرّض لضغط هائل" بشأن جمع البيانات في الصين، لا سيّما من الأفراد والمواقع القريبة من قواعد عسكرية أو ذات حساسية سياسية، وتدفق البيانات عبر الحدود.

وتعهدت "تسلا"، العام الماضي، بتخزين المعلومات التي جمعتها في الصين، في مراكز بيانات محلية، في ضربة كبرى لجهودها العالمية في جمع البيانات، الحاسمة بالنسبة إلى البحث والتطوير.

وتشكّل التحديات التي تواجه "تسلا" و"سبيس إكس"، تحوّلاً صارخاً في التعامل مع ماسك في الصين، حيث مُنح معاملة خاصة في عام 2018، لبدء سلسلة إمداد محلية كاملة للسيارات الكهربائية، من خلال تشييد مصنع ضخم لـ"تسلا" في شنغهاي، مخصّص للمركبات الكهربائية ذاتية القيادة المتطوّرة.

وقال ماسك لـ"فاينانشال تايمز" في مايو، إنه يعتبر بروز صانعي السيارات الكهربائية الصينية، تهديداً لأعماله.

ونقلت الصحيفة عن بويانج شيا، وهو مالك لسيارة "تسلا" في بكين، قوله إن قبضة الشركة على سوق السيارات الكهربائية الفاخرة آخذة في التراجع.

وأضاف: "(تسلا) جيدة جداً، ولكن الآن حققت سيارات محلية الصنع تقدّماً كبيراً، وليست هناك حاجة ماسّة لامتلاك (تسلا) الآن".

قيود على الشركات الأجنبية

لطالما كان ماسك متفائلاً بشأن علاقته بالمسؤولين الصينيين، وقال عن مصنع شركته: "أعتقد بأنه كان ناجحاً جداً حتى الآن، والحكومة سعيدة جداً به"، ورجّح أن تشكّل الصين "25-30% من أسواقنا على المدى البعيد".

ومع ذلك، توقّعت جون تيوفيل دريير، وهي متخصّصة في شؤون الصين بجامعة ميامي، أن تفرض بكين في نهاية الأمر قيوداً على وصول "تسلا" إلى السوق الصينية.

وأعرب ديكستر روبرتس عن "ثقته" في أن بكين ستفرض قيوداً على الشركات الأجنبية التي تستثمر في "قطاعات تنافسية وخصوصاً تلك المتعلّقة بالتكنولوجيا".

وأضاف أن الصين "ستقيّد الممارسات التجارية التي ترى أنها تنطوي على بيانات وتداعيات أمنية أخرى".

وخلصت "فايننشال تايمز" إلى أن أقمار "ستارلينك" منحت الأوكرانيين شريان حياة، مستدركة أنها فاقمت شكوكاً في الصين.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات