ماذا يعني التحول في استراتيجية الناتو تجاه الصين؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
زعماء وقادة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) والأعضاء المدعوون إلى قمة مدريد - 29 يونيو 2022 - REUTERS
زعماء وقادة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) والأعضاء المدعوون إلى قمة مدريد - 29 يونيو 2022 - REUTERS
دبي/مدريد - الشرق

للمرة الأولى، أدرج حلف شمال الأطلسي "الناتو" الصين في خريطة الطريق الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدها خلال قمته في مدريد والتي شهدت دعوة 4 من قادة منطقة آسيا والمحيط الهادئ، معتبراً أنها تشكل "تحدياً لمصالح دول الحلف وأمنها"، وهو خطاب لطالما نادت به إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منذ تسلمها السلطة.

وانتقد الحلف في الوقت نفسه شراكة بكين الاستراتيجية مع موسكو "ضد النظام الدولي القائم على القواعد"، فاتحاً الباب أمام "التعاون المشترك".

نقطة تحول

ويمكن اعتبار قمة مدريد "نقطة تحول" تاريخية بالنسبة للحلف، مشابهة لتلك التي تلت إعلان واشنطن عام 1949، أي عند إقرار البند الخامس المتعلق بأن الاعتداء على أي دولة في الحلف هو اعتداء على الحلف بأكمله، ويستلزم رداً مشتركاً. 

وبموجب الاستراتيجية الجديدة، فإن الحلف أخذ بهواجس الولايات المتحدة الأميركية بالنسبة إلى الصين، إذ تحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منذ تسلمها السلطة، مواجهة النفوذ الصيني المتنامي، وصولاً إلى تعزيز النفوذ الأميركي في منطقة المحيطين الأطلسي والهادئ. وحاولت الاستراتيجية التماشي مع المخاوف الأميركية، رغم التباينات بين دول الحلف بشأن التعامل مع الصين، من خلال إدراجها ضمن استراتيجيته وقراراته.

ورأى المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية ديفيد دي روش في تصريحات لـ"الشرق" أن المواجهة بين "الناتو" والصين ليست بالضرورة عسكرية، ويمكن أن تكون اقتصادية، وأن الحلف "ليس مجمعاً على رأي واحد في طريقة التعامل مع بكين، وحيال تايوان"، مشيراً إلى أن "لدى فرنسا وألمانيا مقاربة مختلفة".

وقال إنه "يجب أن نفهم أن كل القرارات التي يتخذها الناتو تكون بالإجماع، وهذا لا يعني أن يكون العمل في مواجهة الصين عسكرياً".

وأضاف أن "الصين الآن منخرطة بشكل فعال بسرقة تكنولوجيا الناتو ودعم روسيا التي تهدد الناتو، وهذه هي التحديات السياسية التي يتم التركيز عليها، لا التهديد العسكري المباشر من الصين".

وتابع: "لا أعتقد أن الحلف سيتخذ أي خطوات الآن بشكل مباشر، لأن هناك دول مثل ألمانيا وفرنسا لديها آراء مختلفة".

المفهوم الجديد

وكتب الحلف في وثيقة "المفهوم الاستراتيجي" التي تم تحديثها آخر مرة عام 2010، أن "طموحات الصين المُعلنة وسياساتها القسرية تتحديان مصالحنا وأمننا وقيمنا"، مضيفاً أن الصين "تستخدم مروحة واسعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية لزيادة نفوذها الدولي.. فيما تبقى غامضة حول استراتيجيتها ونياتها وتعزيزها العسكري".

وأشار الحلف كذلك إلى الهجمات السيبيرانية الصينية "سيئة النية"، ونشر "المعلومات المضللة" و"أدبيات المواجهة".

ولفت إلى أن الحلف ودوله تواجه "التهديدات السيبرانية والفضائية، وغيرها من التهديدات غير المتكافئة"، فضلاً عن "الاستخدام الضار للتكنولوجيات الناشئة والمدمرة".

وتابع: "نواجه منافسة منهجية من أولئك، بمن فيهم الصين، الذين يتحدون مصالحنا وأمننا وقيمنا، ويسعون إلى تقويض النظام الدولي القائم على القواعد".

وأضاف: "تستهدف العمليات الهجينة والسيبرانية الخبيثة التي تقوم بها جمهورية الصين الشعبية، وخطابها التصادمي، وتضليلها المعلوماتي، الحلفاء، وتضر بأمن الحلف. وتسعى للتحكم في القطاعات التكنولوجية والصناعية الرئيسية، والبنية التحتية الحيوية، والمواد الاستراتيجية، وسلاسل التوريد".

وبيّن أن الصين "تستخدم نفوذها الاقتصادي لخلق تبعية استراتيجية، ولتعزيز نفوذها. وتسعى جاهدة لتقويض النظام العالمي القائم على قواعد، بما في ذلك في المجالات الفضائية، والسيبرانية، والبحرية".

ولكن هذه التعابير رغم أنها تعتبر تغيراً في أدبيات خطاب "الناتو" مع الصين طوال السنوات الماضية، لم تصل إلى حد القطيعة. إذ أوضح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج في تصريحات أن "الصين ليست خصماً"، مشدداً على ضرورة "الأخذ بالاعتبار العواقب على أمننا عندما نرى أنها تستثمر بكثافة في معدات عسكرية جديدة، ومحاولة السيطرة على بنى تحتية أساسية مثل شبكات الجيل الخامس (5G)".

واعتبر ستولتنبرج أن الصين "تشكل تحدياً لقيمنا ومصالحنا"، وأضاف خلال اليوم الثاني لقمة الحلف بمدريد أن "الحلفاء يردّون بشكل موحد على كل التهديدات والتحديات التي تواجههم".

تقويض النظام الدولي

وخلال جلسة نقاشية على هامش القمة، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الصين تسعى لتقويض النظام الدولي "القائم على المبادئ التي نلتزم ونؤمن بها وساعدنا في بنائها"، مضيفاً: "سنواجه الصين إذا تحدت ذلك النظام بطريقة أو بأخرى".

وأشار إلى أن إدراج الصين في وثيقة "المفهوم الاستراتيجي" للحلف للمرة الأولى في تاريخه "ليس محاولة لخلق أزمة"، وإنما "تأكيد على اتحاد دول الحلف الأطلسي في المحافظة على مبادئ النظام العالمي، ومواجهة أي تهديد قد يطرأ من الصين أو غيرها".

ووصف بلينكن الصين بأنها "تحدي بشكل ما" للحلف، الذي يعمل على التعامل معه، مضيفاً أن تحديات الأمن السيبراني، لم تكن مذكورة في الوثيقة السابقة للمفهوم الاستراتيجي عام 2010"، وأكد أن "علاقات دول الناتو مع الصين معقدة ومتشابكة"، معرباً عن التطلع إلى "إيجاد سبل للتعاون المشترك".

من جانبه، قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس إن الصين باعتبارها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي "يجب أن يكون دورها حفظ الأمن والاستقرار في العالم"، مؤكداً أن هذا ما يتوقعه أعضاء الناتو من الصين"، وتابع: "هذه هي رسالتنا للصين خلال القمة"، مؤكداً أن الحلف "مستعد للتعاون مع الصين لتحقيق هدف الأمن والاستقرار الدولي".

وهذه ليست المرة الأولى التي توجه الولايات المتحدة سهام انتقاداتها إلى الصين، فقبل يوم من قمة الناتو، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القوي الأميركي جون كيربي للصحافيين، إن الحلفاء لديهم مخاوف متزايدة بشأن ممارسات الصين التجارية غير العادلة، واستخدام العمالة القسرية، وسرقة الملكية الفكرية، وأنشطة التنمر والإكراه، ليس فقط في المحيطين الهندي والهادئ، ولكن في جميع أنحاء العالم"، وفقاً لما نقله موقع "فويس أوف أميركا". 

انتقاد صيني

كان المندوب الدائم للصين في الأمم المتحدة تشانج جون انتقد حلف شمال الأطلسي، الثلاثاء، قبل يوم من إصدار الناتو وثيقته الاستراتيجية، وفق ما نقلته مجلة "نيوزويك".

وفي إحاطة أمام مجلس الأمن بشأن الحرب في أوكرانيا، كرس الدبلوماسي الصيني الكبير ثلث وقته لحلف شمال الأطلسي. وقال: "لقد دقت أزمة أوكرانيا مرة أخرى جرس الإنذار للعالم. إن الإيمان الأعمى بموقع القوة، وتوسيع التحالفات العسكرية والسعي لتحقيق الأمن على حساب أمن البلدان الأخرى، سيؤدي حتماً إلى معضلة أمنية".

وأضاف أن "الجولات الخمس للناتو للتوسع شرقاً بعد الحرب الباردة لم تفشل فقط في جعل أوروبا أكثر أمناً، بل نشرت أيضاً بذور الصراع". وأكد أن بكين "قلقة للغاية" من "التعديل الاستراتيجي" للحلف، الذي سيحدد سياساته في القضايا الحساسة المرتبطة بالتعاون مع الصين مستقبلاً.

وحث السفير الصيني الناتو على "تعلم الدرس وعدم استخدام الأزمة الأوكرانية كذريعة لتأجيج المواجهة مع الكتلة في جميع أنحاء العالم، أو لإثارة حرب باردة جديدة، وعدم البحث عن أعداء وهميين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. أو تدبر الخلافات والانقسامات". 

وقال تشانج إن الصين تعارض مشاركة الناتو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكذلك "استخدام التحالفات العسكرية لتشكيل نسخة آسيا والمحيط الهادئ من حلف شمال الأطلسي". مضيفاً "يجب عدم السماح للاضطرابات والصراعات التي تحدث في أجزاء من العالم بالحدوث في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".

خلافات قائمة

من جهتها، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مراقبين قولهم إن الخلافات ما زالت قائمة بين دول الناتو بشأن كيفية التعامل مع الصين، إذ يرغب بعض الأعضاء في ضمان استمرار التركيز بشكل مباشر على روسيا، في حين أن الولايات المتحدة أقوى عضو في الكتلة، صنفت الصين على أنها "أخطر تحد طويل الأمد للنظام الدولي"، بمرتبة تفوق مرتبة الخطر الروسي.

لكن التطورات هذا الأسبوع في قمتي مجموعة السبع والناتو، تُظهر أن الصين تتصدر جداول أعمال هذه الكتل أكثر من أي وقت مضى، ما يشير إلى زيادة التوافق بين الولايات المتحدة وشركائها، وفق الشبكة الأميركية.

وجاء إدراج الصين في البيان الختامي لقمة مدريد، بعد إطلاق مجموعة السبع خطة استثمار في البنية التحتية تهدف بشكل رئيس إلى مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تُتهم بأنها أداة "هيمنة" سياسية بيد بكين، وهو ما تنفيه الأخيرة.

قال أندرو سمول زميل برنامج آسيا في "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة"، وهو مركز أبحاث إن "الجمع بين نوع اللغة المستخدمة من قبل مجموعة الدول الصناعية السبع و(إدراج الصين رسمياً) في الوثائق الاستراتيجية لحلف الناتو هو بالفعل ضربة (للصين)، وهو أمر كانوا يأملون ويرغبون في أن يكونوا قادرين على منعه"، وفقاً لـ"سي إن إن".

وأضاف أنها "فترة قوية بشكل استثنائي من حيث التعاون عبر الأطلسي، وهذا يترجم للصين بطرق تثير قلقهم للغاية".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات