كالينينجراد وليتوانيا.. سيناريوهات الحل الدبلوماسي والتصعيد

time reading iconدقائق القراءة - 11
صورة تظهر عربات شحن بعد حظر ليتوانيا عبور البضائع إلى جيب كالينيجراد الروسي بموجب عقوبات الاتحاد الأوروبي في كالينينجراد - 21 يونيو 2022 - REUTERS
صورة تظهر عربات شحن بعد حظر ليتوانيا عبور البضائع إلى جيب كالينيجراد الروسي بموجب عقوبات الاتحاد الأوروبي في كالينينجراد - 21 يونيو 2022 - REUTERS
دبي-الزبير الأنصاري

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، دخل جيب كالينينجراد الروسي الواقع بين بولندا وليتوانيا على خط الأزمة، خصوصاً بعدما منعت فيلنيوس (عاصمة ليتوانيا) عبور بعض البضائع والشحنات من وإلى المنطقة الروسية، في ما أرجعته إلى "قواعد عقوبات الاتحاد الأوروبي".

ورداً على هذه الخطوة، اتهمت روسيا ليتوانيا بفرض حصار على كالينينجراد، متوعدة بـ"إجراءات ذات تأثير سلبي للغاية" على ليتوانيا. 

ووسَّعت ليتوانيا، الاثنين، القيود المفروضة على التجارة عبر أراضيها لتشمل منطقة كالينينجراد الروسية في البلطيق.

وقال متحدث باسم الجمارك الليتوانية إنَّ البضائع الإضافية التي تم منع دخولها صباح الاثنين، تشمل الخرسانة والخشب والكحول والمواد الكيميائية الصناعية التي تحتوي على الكحول، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة "رويترز".

وقدَّرت السكك الحديدية الليتوانية أنَّ القيود ستطبق على ما يعادل نحو 15% من 3.7 مليون طن من البضائع التي نقلتها من روسيا إلى كالينينجراد في النصف الأول من عام 2022. ويشمل ذلك توسيع الحظر على المعادن الحديدية الذي بدأ الشهر الماضي.

وفي رد على هذه الإجراءات، ناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو "إجراءات مشتركة محتملة" ضد ليتوانيا بشأن قيود العبور "غير القانونية" التي تؤثر في  منطقة كالينينجراد في موسكو.

وقال الكرملين في بيان، الاثنين إنه "تم التأكيد على الوضع في ما يتعلق بالقيود غير القانونية التي فرضتها ليتوانيا على عبور البضائع إلى منطقة كالينينجراد".

وكان الكرملين أكد في 4 يوليو الجاري أنه "يفكر في مخططات مختلفة" في حال "استمرار الحصار على كالينينجراد"، حسبما ذكرت وكالة "تاس" الروسية.

ويطرح تصاعد الخلاف بشأن كالينينجراد، تساؤلات بشأن مآلات هذه الأزمة، والسيناريوهات المحتملة لتطورها خصوصاً في ظل تمسك كل من موسكو وفيلنيوس بمواقفهما. 

حل دبلوماسي

أحد السيناريوهات المحتملة هو حل الأزمة دبلوماسياً، وفي هذا الصدد تجري روسيا والاتحاد الأوروبي محادثات بشأن هذه القضية. وتطالب موسكو برفع القيود، متهمة بروكسل بانتهاك اتفاق 2002 بشأن السفر إلى كالينينجراد.

في أواخر يونيو الماضي، أشارت وكالة "رويترز" إلى أنَّ الاتحاد الأوروبي "يعتزم استبعاد العبور إلى المنطقة عبر ليتوانيا من القيود المفروضة على روسيا من أجل نزع فتيل الصراع مع موسكو".

كما قالت المفوضية الأوروبية إنها ستصدر توجيهات إضافية من شأنها "تجنب التهرب من العقوبات مع السماح بالعبور الحر"، وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة "ذا جارديان" البريطانية.

وفي هذا السياق، يعمل دبلوماسيون ليتوانيون مع مسؤولي المفوضية الأوروبية على نص توضيحي بشأن موقف العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا من مسألة عبور البضائع والشحنات إلى كالينينجراد.

لكن القائم بالأعمال الروسي في ليتوانيا سيرجي ريابوكون اعتبر أنَّ الاتحاد الأوروبي لا يستخدم جميع الأدوات المتاحة له لإجبار ليتوانيا على السماح بعبور البضائع إلى كالينينجراد، مشككاً في رغبة الاتحاد الأوروبي في إنجاز ما وعد به.

تشدد ليتواني

ويبدو أنَّ الهواجس الليتوانية تقف عائقاً أمام التوصل إلى اتفاق سريع في هذا الخصوص، في ظل مخاوف فيلينوس من أن يفقدها أي اتفاق من هذا القبيل السيطرة على ما يمر عبر أراضيها في فترة محكومة بمخاطر الحرب على أوكرانيا وتداعياتها.

وقالت أستا سكايسجيريت، كبيرة مستشاري السياسة الخارجية للرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا: "تملي علينا المفوضية الأوروبية القرارات ونحن ننفذها"، مشددة على أنه "من غير الوارد الحديث عن عدم سيطرة ليتوانيا على ما يحدث على أراضيها، وأين يحدث؟ ولماذا يحدث؟"، وذلك بحسب ما ذكرته هيئة "راديو وتلفزيون ليتوانيا" الوطنية.

وإلى جانب الهواجس المتعلقة بالسيادة، تصر ليتوانيا أيضاً على أن يشمل أي اتفاق جميع طرق العبور إلى كالينينجراد.

ووفقاً لسكايسجيريت، فإن ليتوانيا تلتزم بالعديد من المبادئ في مناقشاتها مع المفوضية بهذا الخصوص. تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية بلدان العبور، لا تقتصر على ليتوانيا فقط، إنما تشمل أيضاً اتجاهات النقل الأخرى إلى كالينينجراد عبر لاتفيا وبولندا.

وأضافت سكايسجيريت أنَّ "البضائع القادمة من البر الرئيسي لروسيا يمكن أن تصل إلى كالينينجراد عبر هذين البلدين، وعلينا أن نضع في اعتبارنا حقيقة أنه إذا كان هناك اتفاق بشأن كيفية السفر، فيجب أن يشمل الجميع".

"تنازلات أوروبية"

ووفقاً لموقع "لتوانيا تريبيون" الإخباري، يخشى مسؤولون ليتوانيون أن تفضي أي تنازلات في موضوع كالينينجراد إلى تقويض الثقة في العقوبات والمؤسسات التي تفرضها، وفتح المجال أمام إخضاع ممر كالينينجراد (ممر سوالكي) للنفوذ الروسي.

واعتبر وزير الخارجية الليتواني جابريليوس لاندسبيرجيس أن "التنازلات المتعلقة بالعقوبات المفروضة على عبور بعض البضائع عبر ليتوانيا ستخلق مشاكل قانونية إضافية مع ممر كالينينجراد"، لافتاً إلى أن ليتوانيا "لن تكون قادرة على الاعتراض على أي تفسير إضافي للمفوضية الأوروبية في هذا الخصوص". 

وقال عضو البرلمان ريمونداس لوباتا: "عندما نغير القواعد تحت ضغط من الروس، عندها سيكونون هم من يسيطر على الحركة عبر ليتوانيا، وليس نحن. وفي هذه الحالة بالذات، نتحدث عن البضائع الخاضعة للعقوبات، لكن على نطاق أوسع، فإن ممر كالينينجراد ليس خطيراً طالما أننا نسيطر عليه"، وفقاً لتعبيره.

تصعيد روسي

ومع إصرار ليتوانيا على التمسك بموقفها، وعدم التوصل حتى الآن إلى نص واضح لوضع العبور إلى كالينينجراد في العقوبات، تثار المخاوف من أن تلجأ موسكو إلى تصعيد الأوضاع رداً على ما تعتبره "حصاراً"، في سيناريو قد يكون الأسوأ من الناحية الأمنية.

وقبل أسبوعين قام رئيس مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، بزيارة إلى كالينينجراد، وهدَّد "بتأثير سلبي خطير" في سكان ليتوانيا.

ووفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تم تفسير كلمات المسؤول الروسي على أنها بمثابة "تحذير" من أن الجيش الروسي قد يتخذ إجراءً مضاداً يتعلق بـ"ممر سوالكي" الذي يربط ليتوانيا ببولندا وبقية الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن موسكو قد تعزل هذا الممر إذا تعذر حل الخلاف بشأن كالينيجراد.

واعتبر دانيال إس هاميلتون، الزميل في معهد السياسة الخارجية التابع لـ"جامعة جون هوبكنز" الأميركية، أن "هذا الممر يمثل نقطة ضعف غربية، نظراً لكونه محاطاً من جانبيه بقوتين معاديتين، وهما روسيا وبيلاروسيا" على حد تعبيره.

وأشار هاميلتون في حوار مع "معهد بروكنجز" إلى أنه "يمكن إغلاق الممر بسهولة إذا قررت روسيا ذلك، وهو ما يجعله من أشد نقاط ضعف حلف شمال الأطلسي (الناتو) بروزاً في سياق الصراع الحالي".

ووفقاً لقناة "دويتشه فيله" الألمانية، فإن الاستيلاء على هذه المنطقة يتيح لموسكو تشكيل ممر بري من بيلاروسيا إلى كالينينجراد. وهو ما رأت القناة أنه خطوة قد توسع الحرب، وتجر دول الناتو التي تملك قوات متمركزة في ليتوانيا وبولندا إلى حرب مع روسيا. 

وتوقعت صحيفة "ذا جارديان" أن يكون الممر هو المكان الذي من المحتمل أن يضربه فلاديمير بوتين أولاً، إذا قرر أن التدخل الغربي في حربه في أوكرانيا لم يترك له شيئاً ليخسره، خصوصاً في ظل الانتشار العسكري الكثيف في كالينينجراد، واستعداد بيلاروسيا لتمكين موسكو من استخدام أراضيها في أي عمل عسكري.

المعاملة بالمثل

من السيناريوهات المتوقعة أيضاً، أن ترد موسكو بفرض إجراءات مماثلة على حركة البضائع تجاه دول البلطيق.

وكانت سلطات مقاطعة كالينينجراد الروسية، اقترحت فرض حظر كامل على حركة البضائع بين روسيا ودول البلطيق، رداً على القيود التي فرضتها ليتوانيا على عبور البضائع إلى المقاطعة الروسية، بحسب "رويترز".

وقال حاكم كالينينجراد أنطون آليخانوف في منشور عبر قناته على تطبيق تلجرام: "نحن نصر على عدم فرض قيود على عبور البضائع إلى كالينينجراد من حيث المبدأ"، لافتاً إلى "أننا نعتمد على جهود وزارة خارجيتنا". وأضاف "رداً على ذلك (حظر نقل البضائع إلى المقاطعة)، نقترح فرض حظر كامل على حركة البضائع (بما في ذلك البضائع العابرة من دول ثالثة) بين دول البلطيق الثلاث وروسيا".

وتتشارك ليتوانيا حدوداً مع جيب كالينينجراد الخاضع لإجراءات عسكرية واسعة والمطل على بحر البلطيق، لكنها لا تملك حدوداً مع البر الروسي الرئيسي، كما تتشارك حدوداً يبلغ طولها 680 كلم مع بيلاروسيا، الحليف الأبرز لموسكو.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات