هل تلاشى طموح روسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
ضباط البحرية الأميركية يقفون على متن سفينة حربية تابعة للأسطول الأميركي أثناء رسوها في مدينة بورتسودان - 1 مارس 2021 - REUTERS
ضباط البحرية الأميركية يقفون على متن سفينة حربية تابعة للأسطول الأميركي أثناء رسوها في مدينة بورتسودان - 1 مارس 2021 - REUTERS
دبي- الشرق

قال مسؤولون في الاستخبارات الأميركية، إن آمال روسيا في إنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان المُطلة على البحر الأحمر، وأحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم، يبدو أنها قد تبددت، وذلك حسبما نقلت مجلة "فورين بوليسي". 

ونقلت المجلة، الجمعة، عن المسؤولين الأميركيين أن واشنطن كانت تراقب الصفقة التي تم الإعلان عنها لأول مرة في أواخر عام 2020 بين موسكو والخرطوم عن كثب، مشيرة إلى أنه في حال تم إبرامها، كانت ستمنح روسيا موطئ قدم استراتيجياً على البحر الأحمر، الذي يمر من خلاله نحو 30% من حركة الحاويات في العالم سنوياً.

وأضاف المسؤولون الذين اشترطوا عدم كشف هويتهم، أن هذه القاعدة البحرية كانت ستصبح الأولى لموسكو في إفريقيا، والتي كانت تخشى واشنطن من استخدامها لاستعراض عضلات روسيا في مناطق أبعد نحو المحيط الهندي.

ووفقاً للمجلة، فإن "طموحات روسيا في البحر الأحمر يبدو أنها تتعارض مع الديناميكيات المعقدة داخل القيادة العسكرية للسودان، فرغم أن نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم في البلاد، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تقرب من موسكو، إلا أن الرئيس الفعلي للدولة الفريق عبد الفتاح البرهان سعى إلى تجنب إغضاب الغرب وحلفائه الرئيسيين الآخرين في المنطقة". 

البحث عن النفوذ

ونقلت المجلة عن أحد المسؤولين قوله: "يبدو أن الخرطوم مترددة في منح الروس الوصول إلى هذا الميناء، إذ يواصلون استخدام تكتيكات التأخير، لذا نرى أنه من غير المرجح إبرام هذه الصفقة في المستقبل القريب، وأنه من المحتمل أن تبحث موسكو عن خيارات أخرى".

وفي السياق، أفاد مدير الأبحاث في "مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية" جوزيف سيجل، خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، الخميس الماضي، بأنه "يمكن القول إن روسيا اكتسبت نفوذاً في إفريقيا السنوات الماضية أكثر من أي جهة فاعلة خارجية أخرى"، بحسب المجلة.

وأشارت المجلة إلى أن المناقشات بشأن القاعدة البحرية الروسية في السودان تذبذبت على مر السنين، ما دفع بعض المحللين إلى التساؤل عما إذا كانت هذه القاعدة قد باتت غير مطروحة على الطاولة.  

وقال سيجل في تصريحات لـ"فورين بوليسي": "أعتقد أن ما يحاول الجيش السوداني القيام به هو اللعب مع جميع الأطراف، فهم يريدون مغازلة الروس، ولكن في الوقت نفسه يدرك الجيش أن موسكو لن تقدم الكثير من الفوائد، وأن أي أموال ورأس مال استثماري يجب أن يأتي من خلال المانحين الغربيين". 

انتكاسة ونصر

من جانبه، حذر متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، لم تكشف "فورين بوليسي" عن هويته، من أن "المضي قدماً في مثل هذه الاتفاقية البحرية أو أي شكل آخر من أشكال التعاون الأمني ​​مع روسيا سيؤدي لعزل النظام العسكري السوداني، ويقوض الاستقرار في القرن الإفريقي، ومنطقة البحر الأحمر".

وكانت المحادثات بدأت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوداني السابق عمر البشير بشأن التفاوض على وجود بحري روسي محتمل، عام 2017، ولكن تم تجميد الصفقة بعد الإطاحة بالبشير في عام 2019.

وفي أواخر عام 2020، قامت موسكو، بشكل أحادي، بتوقيع ونشر نسخة من اتفاقية إنشاء القاعدة، والتي تبلغ مدتها 25 عاماً، وذلك في محاولة واضحة لإجبار السودان على ذلك، وفقاً للمجلة. 

وذكرت "فورين بوليسي" أن نسخة الاتفاقية التي نشرتها روسيا دعت إلى السماح لها بالاحتفاظ بما يصل إلى 4 سفن حربية على ساحل البحر الأحمر السوداني، وفي المقابل، ستزود موسكو، السودان بمعدات عسكرية ومساعدات حكومية أخرى، ولكن رئيس هيئة الأركان في الجيش السوداني الفريق محمد عثمان الحسين قال في يونيو 2021، إن الصفقة ما زالت قيد المراجعة، مشيراً إلى أن المجلس التشريعي (الهيئة المسؤولة عن الموافقة على هذه الإجراءات في الحكومة الانتقالية)، لم يتم تشكيله بعد. 

واعتبر محللون أن هذه الانتكاسة التي تعرضت لها روسيا تمثل "انتصاراً صغيراً محتملاً" للولايات المتحدة، في وقت تسعى إلى الحد من نفوذ أكبر منافسيها الجيوسياسيين في إفريقيا، إذ تسعى روسيا والصين إلى توسيع نفوذهما من خلال تعميق التعاون الأمني ​​مع الحكومات الإفريقية التي تخشى من أن يتم تصويرها كبيادق في المنافسة الجيوسياسية بين واشنطن وبكين وموسكو.

ونقلت المجلة عن مسؤول بارز في قسم الشؤون الإفريقية في وزارة الدفاع الأميركية، تشيدي بلايدن، قوله أمام مجلس الشيوخ، الثلاثاء الماضي: "خصومنا يدركون الإمكانات الاستراتيجية لإفريقيا جيداً، ولذا يكرسون الموارد لتعزيز شراكاتهم في القارة. وكجزء من انخراطهما في القارة، قدمت روسيا والصين التدريبات والمواد الدفاعية بشكل روتيني للدول الإفريقية".

وتابعت: "مع ذلك، فإن روسيا تشعر بالقلق من التورط في صفقة موانئ كبرى في الوقت الذي لا تزال فيه الأزمة السياسية في السودان في حالة تغير مستمر، كما لا تزال الحكومة العسكرية تكافح من أجل الحفاظ على السلطة في مواجهة رد الفعل الشعبي العنيف والمظاهرات الحاشدة التي تطالب بالانتقال الديمقراطي".

"آمال موسكو"

وقال كاميرون هدسون، وهو خبير في العلاقات الأميركية-الإفريقية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ويتخذ من واشنطن مقراً له، إن استراتيجية روسيا في السودان تتمثل في رغبة تطوير العلاقات على كل الجوانب، وذلك من خلال استخدام مجموعة "فاجنر" لتطوير العلاقات التجارية والعسكرية غير الرسمية، وكذلك محاولة تعميق العلاقات العسكرية الثنائية الرسمية.

وأضاف هدسون، الذي عمل سابقاً في وزارة الخارجية الأميركية ووكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه": "من الواضح أن هناك أزمة سياسية تحدث في البلاد في الوقت الحالي، وقد بات دور الجيش موضع تساؤل".

وذكرت المجلة أن "روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تدفع باتجاه المزيد من الوصول التجاري إلى موانئ البحر الأحمر في المنطقة، إذ دخلت الإمارات العربية المتحدة أيضاً في المعركة خلال الأسابيع الأخيرة، حيث طرحت صفقة لإنشاء ميناء، في إطار صفقة استثمار تبلغ قيمتها 6 مليارات دولار".

وتابعت: "ولكن نظراً لأن مسؤولي المخابرات الأميركية يعتقدون أن آمال موسكو في إنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان قد تكون بعيدة عن الأنظار في الوقت الحالي، فإنهم يقولون إنها من المرجح أن تبحث عن خيارات أخرى على طول ساحل البحر الأحمر".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات