أول زيارة لوفد عسكري من بنغازي إلى طرابلس تخلط أوراق المشهد الليبي

time reading iconدقائق القراءة - 11
مدخل قاعة اجتماعات اللجنة العسكرية (5+5) بمدينة سرت الليبية - 26 نوفمبر 2020 - REUTERS
مدخل قاعة اجتماعات اللجنة العسكرية (5+5) بمدينة سرت الليبية - 26 نوفمبر 2020 - REUTERS
بنغازي- الشرق

تطورات وتقلبات متسارعة غلبت على المشهد السياسي الليبي في الأيام الأخيرة، وانعكست تبدلاً في خارطة التحالفات السياسية بشكل بات يصعب معه على المراقبين تتبع اتجاه مسار الأحداث وتوقع السيناريوهات المستقبلية المحتملة. فما الذي يشهده الملف الليبي في هذه المرحلة؟ وماذا يترتب على الخطوات التي تصدرت مسرح الأحداث؟

أحدث المفاجآت الليبية، تجلّت في زيارة قام بها إلى طرابلس، الفريق أول عبدالرازق الناظوري، رئيس الأركان التابع لقيادة الجيش في بنغازي (الذي يقوده المشير خليفة حفتر)، في أول زيارة لمسؤول عسكري من أي مستوى تابع لحفتر إلى العاصمة الليبية. وهو الحدث الذي اعتبر ذو دلالة كبيرة على تقارب الأطراف العسكرية وتوافقها بعكس ما هو الحال بين الفرقاء السياسيين.

زيارة الناظوري، فتحت الباب مجدداً للحديث عن وجود صفقة سياسية خفية بين خليفة حفتر ورئيس الحكومة الموحدة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة، يقال إنها كانت وراء إسقاط رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، وقد يكون لها دوراً بارزاً في تحديد مستقبل رئيس الحكومة الليبية المكلف من البرلمان فتحي باشاغا وحكومته.

جهود توحيد الجيش

فور الوصول المفاجئ للناظوري إلى طرابلس الاثنين، عقد الأخير اجتماعاً مع رئيس الأركان العامة بطرابلس الفريق أول محمد الحداد، في إطار استكمال عمل اللجنة العسكرية 5+5.

ويعتبر هذا الاجتماع، الثاني من نوعه للجيش الليبي بحضور أعضاء اللجنة العسكرية 5+5، ونوقشت فيه ملفات عدة أبرزها الصعوبات التي تواجه عمل اللجنة العسكرية، وكذلك استكمال الخطوات الرامية إلى توحيد المؤسسة العسكرية، وترحيل الدفعة الأولى من المقاتلين الأجانب.

وتعليقاً على الزيارة، قال الناطق باسم الجيش أحمد المسماري، إن "كل يوم يمر يثبت أن المكون العسكري، مهما كان الاختلاف بينه، قادر على التقارب وسد الهوة"، مشيراً إلى أن "المؤسسة العسكرية تنصهر فيها كل المكونات الاجتماعية، وتتلاشى فيها الانتماءات القبلية والحزبية والأيدلوجية والسياسية، لأنها أهم ركائز الدولة التي لا تعترف إلا بالهوية الليبية لكافة المواطنين".

وأضاف المسماري أن "أبناء المؤسسة لهم القدرة على تناسي خلافاتهم الكبيرة جداً، والانطلاق إلى أهداف عليا تبنى عليها العقيدة العسكرية الليبية، وهي حماية الوطن والمواطن والدفاع عن سيادة وسلامة أراضيه، وتلك النقطة التي تجعل المؤسسة العسكرية أكثر استجابة لنداء العقل والمنطق".

 وتابع: "حتى لو وضعنا فرضيات الصفقات والاتفاقات السياسية، سنجد أبناء المؤسسة العسكرية الأكثر التزاماً وانضباطاً وحرصاً على الوفاء بعهودهم، لأن الانضباط والاعتزاز بالشرف العسكري عوامل تسهم في حلحلة كل الأزمات التي يعاني منها الوطن، وهذا ما جعل المسار العسكري بين أعضاء لجنة (5+5) أنجح من المسارات السياسية والاقتصادية وغيرها".

استكمال مسار جنيف

مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش اللواء خالد المحجوب، قال لـ"الشرق" إن "الناظوري وأعضاء الجيش في اللجنة العسكرية المشتركة وصلوا إلى مطار معيتيقة، وكان في استقبالهم الحداد وعدداً من الضباط في مختلف التخصصات والصنوف". وكشف أن "الزيارة تأتي استكمالاً لما بدأ العمل به لتنفيذ اتفاق جنيف الخاص بوقف إطلاق النار، وما انبثق عنه من بنود تتعلق بإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة، وكذلك إعادة دمج المسلحين".

وأشار المحجوب إلى أن "هذا الاجتماع سيعقبه المزيد من اللقاءات التي سيتم فيها تكليف عدد من الفرق الفنية التي ستضع برنامجاً متكاملاً لما سيتم الاتفاق عليه".

ترحيب واعتراض

كالعادة، انقسمت آراء المهتمين بالشأن السياسي الليبي بين مشيد بزيارة الناظوري إلى طرابلس ومنتقد لها ومتشدد بشأن أي تعامل من أي نوع مع حفتر من معارضيه في المنطقة الغربية.

وفي هذا السياق، رحب الرئيس السابق للمؤسسة الليبية للإعلام محمد عمر  بعيو، بأي تقارب بين الليبيين، خصوصاً في الجانب العسكري، معتبراً أن "توحّد المؤسسة العسكرية سيؤدي إلى توحيد ليبيا".

وقال بعيو، في تصريحات للتلفزيون الليبي إن "ركيزتي الحل في ليبيا هما الشعب والجيش، لأن الشعب يمنح الشرعية، والجيش يقوم بحمايتها"، لافتاً إلى أن" ليبيا اليوم لا تزال في مرحلة ما قبل التوحيد لمؤسساتها".

لكن بعيو عاد ودعا إلى "عدم التفاؤل كثيراً  باجتماع الناظوري والحداد في طرابلس"، قائلاً: "لا يجب أن نحمل هذه الخطوة أكثر مما تحتمل، وليبيا تحتاج اليوم إلى خطوات أكثر جرأة من مجرد لقائهما".

وأكد أن "البلاد في أمس الحاجة وقبل الذهاب إلى الانتخابات إلى توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية والمصرفية، إضافة إلى توحيد السلطة"، مشدداً على "إزالة حكومة الدبيبة غير الشرعية (المقالة من قبل البرلمان برئاسة عبد الحميد الدبيبة) وقدوم السلطة الشرعية (المكلفة من قبل البرلمان برئاسة فتحي باشاغا)".

بدوره، انتقد المحلل السياسي مروان الدرقاش الزيارة، وطالب بالقبض على كل من شارك في استقبال رئيس أركان الجيش الليبي في بنغازي، عبد الرازق الناظوري، وأولهم المجلس الرئاسي.

وقال الدرقاش في منشور له على مواقع التواصل: "كلام في القانون وليس في السياسة، أصدر النائب العام العسكري أمر قبض على الناظوري عام 2019، وهذا الأمر لازال سارياً ولم يتم إلغاؤه". وأضاف: "قانوناً كل من شارك في استقبال الناظوري، متلبس بجريمة التستر على متهم مطلوب القبض عليه، بدايةً من القائد الأعلى (في إشارة للمجلس الرئاسي) إلى الفرّاش اللي فرش البساط الأحمر".

تكهنات

زيارة الناظوري وتوقيتها والتسهيلات التي تبعت زيارة الفريق العسكري من بنغازي إلى طرابلس، أثارت جدلاً وتكهنات بشأن وجود صفقة سياسية عقدت برعاية أطراف دولية بين قائد الجيش في الشرق حفتر والدبيبة، قد تعيد ترتيب كل الأوراق في الساحة الليبية، بداية من رئيس المؤسسة النفطية الذي تم تكليفه قبل أيام، فرحات بن قدارة.

وكانت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، نقلت عن محللين قولهم إن ثمة صفقة أُبرمت سراً بين خصمين سياسيين بارزين في ليبيا، هما الدبيبة وقائد الجيش الوطني في بنغازي المشير خليفة حفتر، أدت دوراً بارزاً في إقالة صنع الله وتعيين بن قدارة.

ونقلت الصحيفة عن بيتر ميليت وهو رئيس "مجلس الأعمال البريطاني الليبي" وسفير سابق للمملكة المتحدة في طرابلس، قوله إن تعيين بن قدارة "سيُسيّس قطاع النفط، وهذا أمر تجنّب صنع الله فعله".

أما كلوديا غازيني وهي باحثة بـ"مجموعة الأزمات الدولية"، فاعتبرت أن التغيير في المؤسسة الوطنية للنفط قد يكون جزءاً من صفقة أوسع تستهدف إقناع حفتر بدعم الدبيبة والنأي عن فتحي باشاغا، الذي يرأس حكومة يؤيّدها البرلمان.

ورجّحت أن يشمل اتفاق الدبيبة مع حفتر، تبديل وزيرَي المالية والدفاع بشخصيتين مقبولتين لدى قائد الجيش الوطني الليبي.

حكومة الدبيبة تنفي

وفي أول تعليق من الأطراف التي ربطت أسماؤها بهذه الصفقة، نفى الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية المنتهية لولايتها، محمد حمودة، أي علاقة للدبيبة بتنسيق وتنظيم اجتماعات اللجنة العسكرية “5+5″، التي عقدت في العاصمة طرابلس، الاثنين.

وقال حمودة، في تصريح نشرته منصة "حكومتنا" التابع لحكومة الدبيبة، إن اجتماع اللجنة العسكرية يحدث بشكل دوري في المدن الليبية وخارج ليبيا، وأن هذه الاجتماعات لا تتم بتنسيق من رئيس الحكومة، وزير الدفاع ولا يشارك فيها.

وأكد أن مبدأ رئيس الحكومة من دعم توحيد المؤسسة العسكرية ثابت ولم يتغير، وأن الحل يكمن في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعيداً عن الصفقات السياسية وتقاسم السلطة.

ونفى حمودة تنظيم الحكومة عملية تبادل الأسرى الموقوفين في الحرب الأخيرة على العاصمة طرابلس، على غرار الطيار عمار الجقم، معتبراً أنها "أخبار عارية عن الصحة لإفساد عملية توحيد الجيش".

كما اعتبر أن "تلك الأنباء غير الصحيحة، تتزامن مع أخبار مشابهة، ولا صحة لما يشاع عن وجود صفقات أو مشاريع كانت بدايتها تعيين مجلس إدارة للمؤسسة الوطنية للنفط، وإنما ما حصل هو حل من أجل معالجة ملف النفط ومشكلات الإنتاج".

"مستقبل باشاغا"

التقارير المتداولة عن وجود صفقة سياسية بين حفتر والدبيبة، والتطورات الأخيرة التي صاحبتها، ألقت بظلال من الغموض على مستقبل حكومة باشاغا، التي كلفها البرلمان قبل شهرين بقيادة البلاد في مرحلة انتقالية أخيرة تقود إلى انتخابات عامة.

وتعززت التكهنات بشأن مستقبل باشاغا وحكومته، بعدما عبر عن رفضه للتغييرات الأخيرة في مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، التي جاءت بفرحات بن قدارة إلى رئاستها وأسقطت مصطفى صنع الله من المنصب.

ففي تصريحات لباشاغا عقب الإطاحة بصنع الله، قال إنه تحدث مع المبعوث الخاص وسفير الولايات المتحدة لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، وشدد على ضرورة تجنيب المؤسسات السيادية أي شكل من أشكال الصراع السياسي.

وأضاف عبر "تويتر" أنه شدد على أهمية الحفاظ على الحياد والشفافية بشأن إدارة الثروة النفطية لما فيه مصلحة ليبيا، واتفقنا على أن استخدام العنف أمر غير مقبول وأن استئناف إنتاج النفط يصب في مصلحة الشعب الليبي.

وذكر باشاغا أن هذا الأمر يتطلب آليات واضحة ومنضبطة لإدارة عائدات النفط وفق القانون ومع السيادة الوطنية الليبية البحتة، موضحاً أنه "تم تأكيد دعمنا لكافة المسارات التي تضمن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وأهمها تنفيذ كافة مهام ومخرجات اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5)".

"مشهد ضبابي"

تجدر الإشارة إلى أن "الشرق" حاولت التواصل مع أطراف مقربة من باشاغا للتعرف على موقفه من التطورات المتلاحقة في المشهد الليبي، لكنها رفضت التعليق على هذه التطورات، وأكتفت بالقول إن "المشهد ضبابي وغير واضح".

لكن الصحافي  الليبي محمد عرابي، رأى أن "تكليف باشاغا برئاسة الحكومة الجديدة ووضع هذه الحكومة وموقفها بات مهدداً بعد التحالفات الجديدة التي أصبحت أكثر وضوحاً في اليومين الماضيين، وخصوصاً التقارب اللافت بين قيادتي الجيش التابعة حفتر والموالية للدبيبة".

وفي حديث لـ"الشرق"، قال عرابي إن "التحالفات الجديدة قد تخلق انقسامات مفاجئة في المعسكرين الشرقي والغربي بين الجيش والبرلمان، الذي يتمسك بباشاغا رئيساً للحكومة من جهة، وبين الدبيبة وبعض الكتائب المتشددة ضد حفتر في الغرب الليبي، من جهة ثانية".  

من جانبه، رفض عضو مجلس النواب زياد دغيم ربط ما يجري بشأن المؤسسة الوطنية للنفط وآخر التطورات حولها "بوجود صفقة سياسية بمعنى الصفقة"، قائلاً إن "ما حدث في ما يخص المؤسسة الوطنية للنفط هو تقاطعات داخلية مع خارجية أدت لضرورة إعادة إنتاج النفط".

دغيم قال خلال لقاء تلفزيوني أخيراً إنه "على المستوى المحلي لا شك أن المستوى الخدمي أعطى شواهد ربما تؤدي لحدوث انفجار وثورة شعبية في كل ليبيا، وهذا ما حقق تقاطعاً مصلحة داخلية في البلاد مع مصلحة وتقاطع خارجي".

كما شدد على أن "الوضع الشائك لن يستمر"، وقال إن "هناك طرفاً قد يرتكب خطأ يغير المشهد"، متوقعاً أن "يقوم فتحي باشاغا باستخدام القوة ليدخل طرابلس، أو حدوث تقارب بين المشري وعقيلة صالح يفضي إلأى إقصاء الشخصيات الثلاث التي تملك الشعبية".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات