وافق مجلس الشيوخ الأميركي، الأربعاء، على مشروع قانون بقيمة 280 مليار دولار، يهدف إلى تعزيز صناعة أشباه الموصلات الضرورية للتكنولوجيا الحديثة، لمواجهة التهديد التنافسي الذي تفرضه الصين، حسبما أفادت به صحيفة "وول ستريت جورنال".
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن التصويت يعكس "قلقاً متزايداً" لدى كلا الحزبين من عدم اتخاذ واشنطن "ردة فعل طويلة الأمد" على النهضة الاقتصادية والتكنولوجية الصينية، وهي الرؤية التي تبلورت بشدة، بعدما تسببت جائحة كورونا في تعطيل إمدادات الرقائق الإلكترونية الآسيوية، ما أثر على جميع الصناعات الرئيسية.
ويخصص قانون الرقائق والعلوم لعام 2022، 52.7 مليار دولار للمساعدة المالية المباشرة لبناء وتوسيع منشآت تصنيع أشباه الموصلات، إلى جانب برامج أخرى، كما يضيف 24 مليار دولار في شكل "محفزات ضريبية ومخصصات أخرى"، ما سيؤدي إلى "زيادة الإنفاق الفيدرالي على البحث العلمي"، ما يعكس مخاوف من أنه "دون ضخ مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، فإن الولايات المتحدة قد تعاني في الحفاظ على تفوقها التكنولوجي".
وتمت الموافقة على القانون بغالبية 64 صوتاً مقابل 33، مع انضمام 17 جمهورياً إلى الكتلة الديمقراطية التي وافقت بالإجماع تقريباً، إذ احتفى قادة الأعمال بالتصويت، الذي يخصص 39 مليار دولار لتصنيع أشباه الموصلات، كما يتضمن 11 مليار دولار لتطوير أبحاث صناعة أشباه الموصلات وتدريب القوى العاملة، إضافة إلى إنشاء صندوق بقيمة ملياري دولار لتحويل التطورات المختبرية بوتيرة أسرع إلى تطبيقات عسكرية وغيرها.
وفي هذا الصدد، قال الرئيس جو بايدن، الذي يدعم مشروع القانون بقوة في بيان: "سيعني ذلك تدشين سلاسل إمداد أميركية أكثر مرونة، ومن ثم يخلصنا نهائياً من الاعتماد على الدول الأجنبية في مجال التكنولوجيا الحيوية التي نحتاج إليها".
غضب جمهوري
لكن الموافقة، التي تم الإعلان عنها في وقت متأخر من مساء الأربعاء، على مشروع قانون المناخ والرعاية الصحية والضرائب الذي تقدم به الديمقراطيون، أثار غضباً جمهورياً، ما قد يؤدي إلى "تقويض دعم الجمهوريين في مجلس النواب لمشروع قانون الرقائق الإلكترونية"، الذي وصفه مساعدون من الحزبين بأنه "ضروري لتمرير القانون".
ودفع معارضو مشروع القانون باتجاه تضمين المزيد من القيود على التمويل، وشككوا في الحكمة من تقديم دعم كبير لهذه الصناعة المربحة.
وقال السيناتور الجمهوري ريك سكوت في تغريدة على تويتر: "لقد أرسلت رسالة إلى أعضاء مجلس النواب الأميركي أحثهم فيها على رفض قانون CHIPS الضخم".
وأضاف: "هذه الفاتورة السيئة ستنفق 280 مليار دولار. يجب أن نوقفه ونطالب بالمساءلة أمام دافعي الضرائب الأميركيين".
ومن خلال تفضيل صناعة معينة مثل الرقائق، فإن الولايات المتحدة تمارس نوعاً مما يسمى بـ "السياسة الصناعية"، وهو ما تجنبته من قبل لفترة طويلة، لكن مؤيدي هذا القانون قالوا إن هذا التغيير "مطلوب من أجل استمرار قدرة الولايات المتحدة على المنافسة".
في هذا السياق، قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، خلال مقابلة هذا الأسبوع، إنه "في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت شركاتنا قادرة على العمل بشكل جيد بمفردها".
وأضاف: "لكن في القرن الـ21، وفي ظل وجود دول تستثمر بقوة في هذا القطاع، مثل الصين وألمانيا، فإننا سنقبع على الهامش، ومَن سيكون الخاسر؟ العمال الأميركيون، والهيمنة الاقتصادية الأميركية، وأمننا القومي".
ولفت شومر إلى أنه استمر العمل على هذا القانون على مدى أكثر من 3 سنوات، إذ بدأ مناقشته لأول مرة في 2019 مع السيناتور الجمهوري تود يونج، عندما كانا يتدربان معاً في ناد رياضي خاص بمجلس الشيوخ.
شركات مستفيدة
وتتضمن قائمة الشركات التي يمكنها الاستفادة من تمويل التوسعات الأميركية في هذه الصناعة كلاً من "إنتل"، و"الشركة التايوانية لتصنيع أشباه الموصلات"، وشركة Micron Technolog ،Applied Materials وغيرها.
وقال جيسون أوكسمان، رئيس مجلس صناعة تكنولوجيا المعلومات، الذي تتضمن قائمة أعضائه "إنتل"، إضافة إلى مصنعين مثل شركة "تويوتا موتور"، وعمالقة تكنولوجيا، مثل "أمازون"، إن الشركات التي تُصنع أشباه الموصلات والتي تستخدم أشباه الموصلات "تمثل في المجمل النظام البيئي للشركات في أميركا".
وكان جاري كوهن، نائب رئيس شركة International Business Machines، دعا إلى موافقة تشريعية، قائلاً في تصريح صحافي مؤخراً: "إننا بحاجة إلى حماية أنفسنا أولاً كدولة، والتأكد من أننا جزء من مجال تصنيع الرقائق".
ومرر مجلس الشيوخ نسخته من مشروع القانون العام الماضي، لكن العمل على هذا الصعيد توقف حتى فبراير الماضي، عندما أقر مجلس النواب نسخته التي أضاف من خلالها "مليارات الدولارات لمكافحة تغير المناخ"، إضافة إلى "بنود تتعلق بالهجرة"، وبعد ذلك توقفت مرة أخرى، حيث اختلف المشرعون لأشهر حول "البنود التي يجب تضمينها أو إلغاؤها".
مخاوف أمنية
من جانبها، حشدت وزيرة التجارة الأميركية، جينا ريموندو، تأييد الديمقراطيين والجمهوريين، مشددة على مخاوف تتعلق بالأمن القومي من الاعتماد على تايوان أو خصوم الولايات المتحدة في صناعة أشباه الموصلات.
وتصاعد الضغط على المشرعين في يونيو الماضي، عندما أعلنت شركات مثل "إنتل" وGlobalWafers، المختصة بصناعة رقائق السيليكون ومقرها تايوان، خططاً لبناء فروع لها في مدينة شيرمان الأميركية إلى جانب شركات أخرى.
وخلص أعضاء في الكونجرس خلال اجتماع عُقد في يونيو الماضي، إلى أن الوقت "قد حان" لتضييق نطاق مشروع القانون، وفقاً لما قاله مسؤول في البيت الأبيض حضر هذا الاجتماع لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وبحسب الصحيفة، فإنه حال الموافقة على القانون في مجلس النواب، فسيمنح ذلك الديمقراطيين "إنجازاً يتحدثون عنه في عام شهد تعطيل الكثير من أجندة بايدن، رغم أنه قد تمر سنوات قبل بناء مصانع جديدة لتصنيع الرقائق".
وخص السيناتور الديمقراطي رافايل وارنوك، بالذكر مصنع السيارات التابع لشركة "كيا" في ولاية جورجيا، الذي اضطر لوقف عملياته عدة مرات بسبب نقص الرقائق.
وقال إن هذا القانون "سيساعد على خفض التكاليف، وخلق فرص عمل في جورجيا، والتأكيد على أن العمال هناك مستعدون للمنافسة في ظل اقتصاد متغير".
فوائد كبيرة
ويرى العديد من المشرعين أيضاً أن المكون الثاني من مشروع القانون ينطوي على فوائد محلية كثيرة، إذ يخصص 170 مليار دولار تقريباً للبحث والتطوير التكنولوجي في العديد من الوكالات الفيدرالية خلال السنوات الـ 5 المقبلة.
ومن المتوقع أن تتدفق أجزاء من هذا التمويل إلى الولايات الريفية بموجب صيغ جديدة لتوزيع الأموال المخصصة للبحث، كما يوجه هذا التشريع وزارة التجارة لإنشاء 20 مركزاً تكنولوجياً على مستوى الولايات من أجل خلق المزيد من الوظائف التقنية في جميع أنحاء البلاد.
ويضع هذا التشريع سياسات جديدة طويلة الأمد للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء من خلال توجيهها إلى منح الأولوية للبحث العلمي المطلوب لذهاب الأميركيين إلى المريخ، وأيضاً برامج مثل Artemis Moon الذي يمكنه وضع أول امرأة على سطح القمر.
ويستهدف الاستثمار في مجال البحث والتطوير التكنولوجي مجالات عدة من بينها الذكاء الاصطناعي والاتصالات اللاسلكية والزراعة الدقيقة.
وستشرف المؤسسة الوطنية للعلوم على إدارة جديدة بميزانية قدرها 20 مليار دولار تركز على تسريع وتيرة تطوير التقنيات الحيوية لأمن الولايات المتحدة، إضافة إلى زيادة تصل إلى 61 مليار دولار مخصصة لأنشطتها الأساسية لتمويل الباحثين في الجامعات وأماكن أخرى.
وسترتفع ميزانية التفويض، لمكتب العلوم التابع لوزارة الطاقة، إلى 50 مليار دولار لتعزيز سلسلة من البرامج التي تركز على الطاقة النظيفة، والفيزياء النووية، والليزر عالي الكثافة.
اقرأ أيضاً: