في ديسمبر 2021، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش تعيين الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز مستشارة له للشأن الليبي، لتضطلع منذ ذلك الحين بمهمة وُصفت بالشاقة، تمثلت في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، تمهيداً للتوصل إلى حل سياسي يضع حداً للأزمة المستمرة منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي في 2011.
وكان السلوفاكي يان كوبيتش قد أعلن استقالته من منصبه مبعوثاً أممياً في البلد الواقع شمال إفريقيا مطلع ديسمبر الماضي.
وتقلدت ويليامز منصبها في ظل ظروف صعبة، وكانت الخلافات على أشدها بين الأطراف الليبية، لاسيما معارك السيطرة على العاصمة طرابلس بين الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر وقوات حكومة "المجلس الرئاسي" بقيادة فايز السراج، والتي أعقبت هدنة هشة سرعان ما انهارت.
وفي وقت أخفق 6 مبعوثين دوليين سبقوها في منصبها، استطاعت وليامز خلال عام واحد، تحقيق بعض الإنجازات الملموسة في ما يتعلق بعودة الاستقرار إلى ليبيا، كانت بدايتها الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، وتشكيل حكومة انتقالية، والاتفاق على إجراء انتخابات كانت مقررة في 24 ديسمبر، إلا أن الاستحقاق المنتظر واجه تحديات كبيرة أفضت في النهاية إلى تأجيله.
ومنذ تعيينها في منصبها، أكدت الأمم المتحدة أن ويليامز ستضطلع بجهود الوساطة والانخراط مع أصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين الليبيين لمتابعة تنفيذ مسارات الحوار الليبي الثلاثة: السياسة والأمن والاقتصاد، مع الضغط من أجل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد.
في الداخل الليبي أجرت المبعوثة الأممية مباحثات مع قائد الجيش خليفة حفتر ورئيس حكومة المجلس الرئاسي فايز السراج وباقي القوى السياسية، من دون أن تنطوي تلك الجهود على إقصاء أي طرف، وقامت أيضاً بزيارات إلى عواصم عدد من الدول المؤثرة في الشأن الليبي، سواء المتاخمة جغرافياً أو الدول الكبرى على غرار روسيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
وفي المسار العسكري استطاعت وليامز تشكيل لجنة "5+5" التي تضم كبار القادة العسكريين من الجانبين، لتثبيت وقف إطلاق النار، ومحاولة توحيد الجيش الليبي، وفي الشأن الاقتصادي نجحت في إقناع الطرف المسيطر على شرق البلاد بفتح موانئ النفط وإعادة تصديره بعد أن توقف لأشهر، ما انعكس إيجابياً على اقتصاد البلاد، وفي الملف السياسي أقنعت الأطراف المتنازعة بتشكيل حكومة حازت على اعتراف دولي.
خلاف روسي أميركي
ورغم الدعم الذي حظيت به وليامز من الأمين العام للأمم المتحدة، إلا أنها لاقت اعتراضاً على وجودها في منصبها كمبعوثة خاصة في الشأن الليبي، لاسيما من قبل روسيا.
وبحسب تقرير لوكالة "أسوشيتد برس"، أصبح منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا مشكلة بعد استقالة الممثل الخاص للأمم المتحدة يان كوبيش، الذي كان مقره في جنيف، بدلاً من طرابلس ولديه علاقات وثيقة مع موسكو.
وقال دبلوماسيون إن الولايات المتحدة تنتقد محاولة روسيا إقناع الأمين العام بتعيين ممثل خاص جديد على وجه السرعة كمحاولة للتخلص من وليامز، التي أشاد ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة بعملها.
وسعت موسكو مراراً إلى استبدال وليامز، وعبرت عن ذلك بأكثر من مناسبة، وقد تسبب الخلاف مع واشنطن بشأن هذا الأمر إلى الاكتفاء بتمديد مهمة البعثة الأممية لفترة قصيرة، ومنذ سبتمبر 2021، لم يُمدد مجلس الأمن مهمة البعثة الأممية في ليبيا أكثر من 4 أشهر.
وفي مطلع فبراير 2022، صوّت مجلس الأمن الدولي على تمديد مهمته السياسية في ليبيا لمدة 3 أشهر فقط، في وقت واصلت روسيا الضغط لتعيين مبعوث أممي جديد يكون حصراً من إفريقيا، الأمر الذي يحظى بتأييد الصين والاتحاد الإفريقي.
واعتبرت الولايات المتحدة أن التمديد الجزئي لمهمة وليامز يُعيق مهمتها ويُضعف دورها في العملية السياسية الليبية، وعبّر نائب المندوب الأميركي في الأمم المتحدة جيفري ديلورينتيس، عن هذا الموقف قائلا إن "قرار (تمديد مهمة البعثة 3 أشهر) في صيغته الحالية لا يوفر الدعم اللازم (للبعثة الأممية)، كما أنه يبعث برسالة سلبية إلى الشعب الليبي".
وفي المقابل، رد عليه المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، بالتعبير عن "الأسف تجاه بعض أعضاء هذا المجلس، لأنهم يبدون غير مستعدين لقبول سيناريو ترؤس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا من طرف شخصية من القارة الإفريقية، وهذا أمر غير بناء".
وفي إعلانه استقالة المبعوثة الأممية، قال فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة: "نحاول، بأسرع ما يمكن، تعيين شخص مؤقت على الأقل للقيام بهذا النوع من المهمات التي كانت تقوم بها ويليامز، لكن ليس لدي أي شخص أذكره لك في هذا الوقت".
"طبقة سياسية انتهازية"
خلال لقاء تلفزيوني أعقب استقالتها، وصفت ويليامز الطبقة السياسية في ليبيا بأنها "انتهازية" وتتبع مصالحها الخاصة، مؤكدة أنها تأكدت من ذلك على مدى عملها على الملف الليبي منذ 4 سنوات ونصف العام.
وأشارت إلى أنها حذرت الجميع بعد إلغاء الانتخابات من أن الطبقة السياسية ستلعب لعبة "الكراسي الموسيقية"، بدلًا من إعادة توجيه البلاد إلى مسار الانتخابات.
وشددت ويليامز على أن التظاهرات التي اندلعت في ليبيا في وقت سابق هذا العام، كانت ردة فعل تجاه عدم قدرة الطبقة السياسية على الاتفاق على الإطار الدستوري وإعادة البلاد إلى مسار الانتخابات.
وتابعت: "هذا ما دفع الشعب الليبي للخروج للشوارع ومطالبته الطبقة السياسية بشكل سلمي أن تصغي إليه".
سيرة ذاتية
تتمتع ستيفاني وليامز بخبرة واسعة في المجال الدبلوماسي، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، إذ شغلت منصب نائبة رئيس البعثة الأميركية في العراق بين عامي (2016 و2017)، وفي الأردن (2013 و2015)، والبحرين (2010 و2013)، وعملت في سفارات الولايات المتحدة لدى الإمارات والكويت وباكستان.
وفي العام 2018، تولت وليامز مهام القائمة بالأعمال بالنيابة في سفارة بلادها في ليبيا، والتي تم تحويلها بصورة مؤقتة إلى تونس عام 2015.
وعملت ممثلة خاصة بالإنابة ورئيسة "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" (أونسميل) في الفترة بين 2020-2021، ونائبة الممثل الخاص لبعثة "أونسميل" في الفترة بين 2018-2020.
وتحمل ستيفاني شهادتين في الاقتصاد والعلاقات الحكومية، بمرتبة الشرف، من "جامعة ماريلاند" عام 1987، ثم حصلت على الماجستير في الدراسات العربية من "جامعة جورجتاون"، عام 1989.