
أربكت التدريبات العسكرية الصينية قرب تايوان خطوط الطيران والملاحة باتجاه الجزيرة، وأثارت مخاوف من تطور الأوضاع إلى تصعيد عسكري، بكل ما يعنيه ذلك من خلق أزمات اقتصادية، والتأثير على تعافي سلاسل الإمداد العالمية.
وأرسلت الصين عشرات الطائرات وأطلقت صواريخ قرب تايوان، الخميس، في أكبر تدريبات عسكرية على الإطلاق بمضيق تايوان بعد يوم من قيام رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بزيارة إلى الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي.
وأكد الجيش الصيني إطلاق العديد من الصواريخ في المياه قبالة جزيرة تايوان، في إطار تدريبات من المقرر أن تستمر حتى الأحد المقبل، فيما ذكر تلفزيون الصين المركزي أنَّ 100 طائرة شاركت في التدريبات، بينها مقاتلات وقاذفات قنابل وأكثر من 10 سفن حربية.
حركة الطيران
وفي ظل هذا الحضور العسكري المكثف، نبَّهت الصين الخطوط الجوية إلى ضرورة تفادي الطيران في المجال الجوي قرب تايوان، مشيرة على وجه التحديد إلى تجنب 6 مناطق، مع تحديد إحداثياتها بدقة.
ودفعت التحذيرات الصينية عدداً من الناقلات الجوية العاملة في المنطقة إلى إعادة النظر في رحلاتها، وخطوط السير منعاً لأي التباس.
والخميس، ذكرت تقارير إعلامية في كوريا الجنوبية، أن شركة الطيران الوطنية في سول "كوريا للطيران" ومواطنتها "طيران آسيانا" ستلغيان الرحلات الجوية إلى تايوان لمدة يوم أو يومين، وذلك بسبب هواجس تتعلق بالتدريبات العسكرية الصينية في المنطقة.
ووفقاً لهذه التقارير، ألغت "كوريا للطيران" رحلاتها بين إنتشون شمال غربي كوريا وتايوان يومي الجمعة والسبت، بينما ألغت "طيران آسيانا" رحلة الجمعة، المباشرة إلى تايوان، مع استمرارها في مراقبة الوضع.
تغيير المسارات الجوية
وقالت شركة الطيران الوطنية في هونج كونج "كاثاي باسيفيك"، إنها تراقب التطورات في المنطقة "عن كثب"، مشيرة إلى أن رحلاتها "تتجنب في الوقت الحالي المرور عبر مناطق المجال الجوي التي حددتها السلطات الصينية قرب تايوان".
ولفتت الشركة إلى أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى إطالة الوقت الذي تستغرقه بعض الرحلات، وذلك بحسب ما نقله موقع "بيزنس إنسايدر" الأميركي.
وبحسب موقع "فلايت جلوبال"، حضت هيئات الطيران المدني في كل من سنغافورة، وفيتنام، وتايلاندا شركات الطيران التابعة لها على تجنُّب المجال الجوي حول تايوان خلال الفترة المحددة في الإشعار الصيني.
وأظهرت بيانات موقع تتبع الرحلات "فلايت رادار 24"، الخميس، نشاطاً أقل للطيران بشكل ملحوظ فوق المجال الجوي التايواني، خصوصاً مع اضطرار شركات الطيران الفيتنامية إلى سلوك مسار طيران أطول في عملياتها إلى اليابان وكوريا الجنوبية.
وعلى سبيل المثال فإن رحلة الخطوط الجوية الفيتنامية المتجهة من مطار "ناريتا الدولي في طوكيو إلى مدينة "هو تشي مينه" في فيتنام عادةً ما تحلق فوق الطرف الجنوبي لتايوان. لكن تعقُّب الرحلات الخميس، أظهر حركة أكثر التواءً، إذ حلقت أقصى شرق تايوان متجهة جنوباً، قبل أن تعود وتتجه غرباً بالقرب من الفلبين.
ونقلت وكالة "بلومبرغ" عن "كوريا للطيران" قولها إنَّها تخطط لإعادة توجيه مسار بعض الرحلات باتجاه جنوب آسيا، لتفادي المجال الجوي التايواني خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأعلنت شركة "زيامن للطيران" الصينية، إجراء تعديلات على رحلات عدة، محتجة بـ"التحكم في الطيران" ب مقاطعة فوجيان الواقعة مباشرة على مضيق تايوان. بينما قالت شركة "إيه إن إيه هولدنجز إنك" اليابانية للطيران، إنها تلقت التحذير الصيني، وتعمل على تغيير مسار رحلاتها الجوية إلى الجزيرة.
تايوان.. اضطرابات وحلول
وانعكست إجراءات الشركات الإقليمية مع التحذيرات الصينية التي صاحبتها على أوضاع الرحلات الجوية في تايوان التي شهدت اضطراباً كبيراً الأسبوع الجاري.
والأربعاء فقط، تم إلغاء أكثر من 30 رحلة في مطار "تاويوان" الدولي بتايوان، كما تم إلغاء أكثر من 40 رحلة مجدولة للإقلاع الخميس، وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة "يونايتد ديلي نيوز" التايوانية.
مع ذلك، قلَّل المطار من شأن هذه الإلغاءات، معتبراً أن لا علاقة لها بالتدريبات العسكرية الصينية، وأن العمليات تجري بشكل طبيعي.
وعلى الرغم من هذه التطمينات، إلا أنَّ وزير النقل والاتصالات التايواني وانج كوو-تساي، كشف أنَّ تايبيه تتباحث مع اليابان والفلبين بشأن "طرق بديلة" للحركة الجوية، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة "بلومبرغ".
وقالت الخبيرة الاقتصادية أليسيا جارسيا هيريرو من شركة "ناتيكسيس سي آي بي"، بعد التقائها بمستثمرين وتجار في تايبيه، إنَّ الشركات التايوانية تحضِّر نفسها لاستعراض القوة الصيني، والاضطرابات التجارية المحتملة بعد الأيام الأربعة التي حدَّدتها بكين لإجراء التدريبات العسكرية، وذلك بحسب ما نقلته وكالة "أسوشيتد برس".
وأشارت جارسيا إلى أن التايوانيين "بدأوا في البحث عن حلول، بما في ذلك إعادة توجيه الرحلات، وتأخير الطلبات حتى يصبح الوضع أكثر وضوحاً"، مضيفة: "أعتقد أن الناس يدركون أن هذا ليس مجرد حدث ينتهي خلال 4 أيام".
خطوط الشحن
ولا يبدو الوضع مختلفاً في خطوط الملاحة البحرية مع إصدار كل من بكين وتايبيه تحذيرات للسفن بتجنُّب المناطق القريبة من تايوان.
وحضت تايوان جميع السفن التي تمر عبر هذه المناطق على "الإبحار بحذر لتجنب الحوادث غير المتوقعة"، وذلك في ظل التدريبات البحرية الصينية.
ويتضح من الإحداثيات قرب مواقع التدريبات من الموانئ التجارية الكبرى لتايوان، بما في ذلك كيلونج، وسواو، وتايبيه، وكاوهسيونج، وآنبينج، وهوالين، الأمر الذي دفع السلطات إلى توجيه السفن بسلوك طرق بديلة لتجنب هذه المناطق التي تتوزع على شرق الجزيرة، وشمالها، وغربها.
وأدَّت هذه التحذيرات إلى تقليص حركة السفن عبر مضيق تايوان، حيث أظهرت بيانات تم جمعها ظهر الخميس (بتوقيت شرق الولايات المتحدة) وجود ما يقرب من 15 سفينة قرب مناطق التدريبات، مقارنة بـ45 في الوقت نفسه الأربعاء. أمَّا المنطقة الأقرب إلى البر الرئيسي للصين، فقد خلت من السفن تماماً.
كما يتم تغيير مسار السفن حول الجانب الشرقي من الجزيرة، ما سيؤدي إلى تأخير لمدة 3 أيام في عمليات الشحن.
تداعيات عالمية
ورغم تأكيد بكين، أن مناوراتها العسكرية حول تايوان لم تتسبب في أي مشكلة من حيث حرية الملاحة، إلا أن خبراء يخشون أن تؤثر الاضطرابات في المنطقة على وضع سلاسل الإمداد العالمية التي تكافح من أجل التعافي في أعقاب جائحة "كوفيد-19".
ويشير الخبراء على وجه التحديد إلى المخاطر الكبيرة التي قد تنتج عن أي اختلال في قدرة تايوان على التصدير نتيجة لتقييد الأجواء، أو أي تصعيد عسكري في مضيق تايوان.
وتعد الصادرات التايوانية مهمة للاقتصاد العالمي، إذ تنتج أكثر من نصف رقائق المعالجات المستخدمة في الهواتف الذكية والسيارات وأجهزة الكمبيوتر اللوحية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية.
وقال راجيف بيسواس من شركة "إس أند بي جلوبال ماركت إنتليجينس"، إنَّ أي اضطراب كبير في هذه الصادرات من شأنه أن "يخلق موجات صدمة للصناعات العالمية"، وذلك بحسب ما نقلته "أسوشيتد برس".
واعتبرت أليسيا جارسيا أن هذا الاضطراب قد يؤدي إلى تفاقم التضخم المرتفع بالفعل في الولايات المتحدة وأوروبا، بالطريقة نفسها التي ارتفعت بها الأسعار بعد ما عطَّل فيروس كورونا الشحن في 2020-2021.
مضيق تايوان والتجارة
ويعد مضيق تايوان الطريق الرئيسي للسفن التي تمر من الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان باتجاه الغرب، حاملة معها البضائع من المصانع الآسيوية إلى الأسواق في أوروبا والولايات المتحدة وجميع النقاط بينهما.
ووفقاً لوكالة "بلومبرغ"، مرَّ ما يقرب من نصف أسطول الحاويات العالمي و88% من أكبر السفن في العالم من حيث الحمولة عبر الممر المائي هذا العام.
وتنذر التوترات الحالية بين واشنطن وبكين بتصعيد الأوضاع في المضيق، خصوصاً بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الأخيرة التي اعتبرتها الصين انتهاكاً لسيادتها، إضافة إلى تكثيف بكين حضورها العسكري في بحر الصين الجنوبي، واعتبارها أن المضيق ليس مياهاً دولية.
وخلال الأيام الماضية، أجرت الصين تدريبات شبه متزامنة عبر بحر الصين الجنوبي. وبين 27 و31 يوليو، أي قبل أيام فقط من انطلاق جولة بيلوسي الآسيوية، أجرت القوات البحرية لجيش التحرير الشعبي مناورات بالذخيرة الحية على بعد 125 كيلومتراً فقط من شواطئ تايوان.
إلا أنَّ "بلومبرغ"، اعتبرت أنَّ الصين، بوصفها أكبر دولة مصدرة في العالم، سيكون لديها الكثير لتخسره من خلال القيام بأي عمل عسكري يعطل روابطها التجارية المميزة مع العالم.
وقال كارل شوستر، مدير العمليات السابق في مركز الاستخبارات المشتركة التابع لقيادة المحيط الهادئ الأميركية، إن "إغلاق بكين للمضيق بأكمله سيكون صعباً للغاية، كما أنه يخاطر بحدوث مواجهة قد تعمل في نهاية المطاف ضد مصالح الصين".
وأضاف: "القيام بذلك مرة واحدة من شأنه أن يشكل نقطة سياسية عسكرية مهمة للغاية ورمزية، لكنني لا أعتقد أن الرئيس الصيني واثق من أن الإدارة الأميركية الحالية لن تفعل شيئاً".
والخميس، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، إن الولايات المتحدة "مستعدة لما قد تفعله الصين".
ورداً على سؤال لـ"الشرق" عمَّا إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للانخراط عسكرياً ضد الصين، قال كيربي: "نحن مستعدون لما قد تفعله الصين، وأعتقد أنه لن يكون من الجيد الخوض في التفاصيل حول ذلك"، مضيفاً "لدينا قدرة عسكرية قوية في المنطقة وثقل اقتصادي ودبلوماسي".
اقرأ أيضاً: