كيف تحدد المصالح الأميركية مسار علاقات بكين وتل أبيب؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
الرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو يتصافحان قبل محادثاتهما في بكين، 21 مارس 2017  - AFP
الرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو يتصافحان قبل محادثاتهما في بكين، 21 مارس 2017 - AFP
دبي-الشرق

قال يتزاك شيشور أحد أبرز الخبراء الإسرائيليين في العلاقات مع الصين، إن المصالح الأميركية شكلت دائماً العامل الحاسم في تحديد العلاقات بين بكين وتل أبيب، والتي شهدت صعوداً وهبوطاً، تراوح بين العداء العلني والعلاقات الدافئة، خلال نحو 7 عقود من عمر الدولتين.

وأوضح شيشور، في مقابلة مع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنه بالإضافة إلى المصالح الثنائية، شكل عدد من العوامل والاعتبارات الصينية والإسرائيلية علاقاتهما على مر السنين، بما في ذلك العلاقات مع روسيا والدول العربية والإسلامية وإيران والفلسطينيين.

ومع ذلك، فإن رأي شيشور الراسخ هو أن العامل الرئيسي كان الولايات المتحدة، التي حاولت إبقاء العلاقات بين الجانبين في قالب محدد انعكاساً لمصالحها الخاصة.

ولفت الخبير الإسرائيلي إلى أن دولة إسرائيل وجمهورية الصين الشعبية تأسستا في الوقت نفسه تقريباً، إذ تأسست إسرائيل في مايو 1948، والصين الشعبية في أكتوبر من العام نفسه. 

وأشار إلى أنه للوهلة الأولى "بدا أن البلدين الشابين يشتركان في بعض الخصائص التي كان يمكن أن تكون بمثابة أساس للعلاقات الدافئة بينهما".

وبالاعتماد على أيديولوجية اشتراكية، تلقى كلا البلدين دعماً سياسياً وعسكرياً من الاتحاد السوفيتي. وبحكم البعد الجغرافي عن بعضهما البعض، لم تكن بينهما نزاعات إقليمية، ولم تكن هناك معاداة للسامية في الصين. 

وفي البداية، اعتبرت الشيوعية الصينية الصهيونية "حركة تحرر" مناهضة للإمبريالية.

وفي 9 يناير 1950، اعترفت إسرائيل رسمياً بجمهورية الصين الشعبية، لتصبح أول دولة في الشرق الأوسط والسابعة في العالم غير الشيوعي تفعل ذلك.

تباين العلاقات 

لكن مع استمرار الولايات المتحدة في الاعتراف بجمهورية الصين (تايوان) كحكومة شرعية للصين، وفي ظل الحرب الباردة والحرب الكورية، حثت واشنطن إسرائيل على الامتناع عن إقامة علاقات مع الصين، حتى باستخدام التهديدات.

وتابع شيشور أن بكين كانت لديها شكوك أيضاً، وتظهر الوثائق السوفيتية أنه في وقت مبكر من يوليو 1951، أخبر رئيس الوزراء ووزير الخارجية الصيني تشو إن لاي السفير السوفيتي لدى الصين أن بلاده لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، متوقعاً أن مثل هذه العلاقات ستضر بآفاق الصين في إقامة علاقات مع دول أخرى. 

ولم تكن إسرائيل ولا الولايات المتحدة على علم بهذه النظرة الصينية.

وتحول تردد الصين بشأن العلاقات مع إسرائيل إلى عداء في السنوات التالية، لكن شيشور يوضح أنه على الرغم من غياب العلاقات الرسمية، كانت هناك تبادلات دبلوماسية وغير رسمية متفرقة بين البلدين في الخمسينيات من القرن الماضي. 

ومع تصاعد الصراع الصيني السوفيتي في الستينيات، تأثرت الصين بقدرات إسرائيل العسكرية.

وبدأت العلاقات الإسرائيلية الصينية في التحسن في أواخر السبعينيات وطوال الثمانينيات. ويعزو شيشور هذا التحسن إلى تحسن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وإلى قبول الصين في عام 1971، بدعم إسرائيل، كعضو في الأمم المتحدة بدلاً من تايوان.

علاقات غير رسمية

ووفقاً لشيشور، بدأت إسرائيل في بيع الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية إلى الصين في الثمانينيات، بتشجيع من الولايات المتحدة على ما يبدو، وربما حتى بمبادرة منها، من أجل تعزيز الصين ضد الاتحاد السوفيتي، عدو الولايات المتحدة في الحرب الباردة.

وفي عقد الثمانينات، بدأت العلاقات غير الرسمية بين الصين وإسرائيل في مجالات الزراعة والعلوم والسياحة والاتصالات. والأهم من ذلك، اجتماعات وزراء الخارجية في الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة. 

وفي عام 1989، أنشأت الصين مكتباً "للسياحة" في تل أبيب، وأنشأت إسرائيل مكتباً لـ"أكاديمية العلوم" في بكين، وقاد كلاً منهما دبلوماسي متمرس.

ولفت الخبير الإسرائيلي إلى أن من بين أسباب تحسن هذه العلاقات إزالة المعارضة الأميركية، خاصة بعد أن أقامت واشنطن نفسها علاقات مع بكين في عام 1979.

وارتفع حجم التجارة بين الجانبين في السنوات التالية، من 50 مليون دولار في عام 1992، إلى أكثر من مليار دولار في عام 2001. وبعد عقد من الزمان، تجاوزت التجارة الثنائية 8 مليارات دولار، واقتربت من 15 مليار دولار في عام 2021.

عودة للتأزم 

لكن مجدداً، أدى العداء الأميركي المتزايد تجاه الصين إلى أزمة في العلاقات بين إسرائيل والصين، بعد أن طالبت الولايات المتحدة إسرائيل بالانسحاب من اتفاقياتها لتزويد الصين بنظام فالكون، وهي طائرة للمراقبة والإنذار المبكر.

وأعقب ذلك إجبار الولايات المتحدة إسرائيل على فرض حواجز على العلاقات العسكرية مع الصين. ومع ذلك، لم تتأثر العلاقات الاقتصادية الصينية الإسرائيلية تقريباً، ما يعكس الفصل بين السياسة والاقتصاد.

بدأت الاستثمارات الصينية في إسرائيل تنمو عام 2013، وكذلك نمت العلاقات في العلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي والثقافة وحتى في الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب.

وأشار شيشور إلى أنه في السنوات التالية، امتد الضغط الأميركي على إسرائيل لوقف صادراتها الدفاعية إلى الصين ليشمل مجالات أخرى، لا سيما الاستثمارات الصينية في البنية التحتية والشركات الإسرائيلية.

الصين وإيران 

ومن العوامل الأخرى التي يُفترض أنها تلقي بظلالها على العلاقات الإسرائيلية الصينية، ارتباط الصين بإيران التي تدعو إلى "تدمير إسرائيل"، بجانب عقود من دعم بكين للفلسطينيين.

ومع ذلك، لا يعتقد شيشور أن لدى إسرائيل الكثير لتقلق بشأنه في هذا السياق. فبالنسبة لإيران، فهو يشك في دعم الصين لبرنامج إيران النووي، ويقول إن بكين تفضل أن تتجنب إيران تطوير قدرات نووية من شأنها أن تدفع دول المنطقة الأخرى، السعودية وتركيا بشكل أساسي، إلى الدفع ببرامج مماثلة.

ويرى شيشور أيضاً أن النفوذ الصيني على إيران أقل مما يُفترض، وأن إيران تستخدم الصين، مثلما تستغل الصين إيران، كأداة لاستفزاز الولايات المتحدة.

كما يشير إلى أن "سلوك إيران في المنطقة، بما في ذلك التحريض على التطرف الإسلامي، ودعم الإرهاب، وتهديد شحنات النفط عبر مضيق هرمز، والمساهمة في عدم الاستقرار الإقليمي" يقوض بشكل واضح المصالح الصينية.

ولفت شيشور إلى اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين، الموقعة في مارس 2021، والتي تمتد إلى 25 عاماً، وأثارت ردود فعل سلبية في إسرائيل وفي جميع أنحاء العالم.

مصالح اقتصادية

وقال إنه إذا كانت هناك مؤشرات في المستقبل على استعداد الصين لإرسال أسلحة إلى إيران بموجب هذه الاتفاقية، فإن ذلك سيشكل انتهاكاً للتفاهمات بين الصين وإسرائيل، وفي هذه الحالة يمكن لإسرائيل أن تهدد بتجديد إمدادات الأسلحة إلى تايوان كإجراء مضاد.

وأضاف شيشور أن مصلحة إسرائيل الرئيسية في الصين اقتصادية، كما أن اهتمام الصين بإسرائيل يعكس احتياجاتها الخاصة. 

وبينما احتاجت الصين في الثمانينيات والتسعينيات إلى التقنيات العسكرية من إسرائيل، فإنها تبحث الآن بشكل خاص عن التقنيات في الزراعة والمياه والغذاء والصحة.

ومع ذلك، يشير إلى أنه بينما تدخلت الولايات المتحدة لمنع التعاون العسكري بين الصين وإسرائيل منذ أوائل التسعينيات، فإنها تنتقد الآن أيضاً الاستثمارات الصينية في إسرائيل في العلوم والتكنولوجيا والبنية التحتية.

وأكد أن أي تغيير سيطرأ في العلاقات الإسرائيلية الصينية، للأفضل أو للأسوأ، هو نتيجة للمصالح الأميركية، مثلما حدث في فترة ما بعد الخمسينيات من القرن الماضي.

وسيط بين الكبيرين

ويعتقد شيشور أن العداء الأميركي للصين هو أحد أكبر الأخطاء في السياسة الخارجية لواشنطن.

كما يرى أن إسرائيل يمكن أن تعمل في المقابل كوسيط بين هاتين القوتين العظميين، مشيراً إلى أنه بإمكان إسرائيل بدء اجتماعات مع المفكرين والمسؤولين الأميركيين ذوي النفوذ؛ لمساعدة واشنطن على استعادة شهر العسل القصير (1969-1989) مع الصين.

لكنه يقول إنه بالنظر إلى "اتجاه الولايات المتحدة المناهض للصين"، فمن غير المرجح أن يتم عقد مثل هذا الاجتماع، ناهيك عن أن ينجح.

وأضاف أن واشنطن لا تترك بالتالي لإسرائيل أي خيار سوى المناورة بين القوتين العظميين. ومع ذلك، يقول شيشور إن "إسرائيل ليست مضطرة للاستسلام للإملاءات الأمريكية في السياق الصيني".

ويوضح أنه لا شك في أن الولايات المتحدة هي أهم رصيد لإسرائيل، لكنه يشير إلى أن "إسرائيل دولة ذات سيادة، وعليها أن تتخذ قراراتها بنفسها".

وفي رأيه، المشكلة الرئيسية ليست إسرائيل، التي أثبتت قدرتها على مواجهة قيود مماثلة في الماضي، ويمكنها فعل ذلك مرة أخرى، بل تكمن المشكلة الرئيسية في الولايات المتحدة، التي تبنت مراراً سياسة خاطئة تجاه الصين، ولم تترك لبكين أي خيار سوى الانصياع إلى الاتحاد السوفيتي أولاً ثم التحالف مع روسيا لاحقاً.

تصنيفات