شهدت العاصمة العراقية بغداد، اشتباكات مسلحة، الاثنين وتواصلت حتى الثلاثاء، قال مسؤولون أمنيون إن بعضها كانت بين مقاتلي "سرايا السلام" التابعة لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وأفراد من قوات الأمن العراقية المكلفة بحماية المنطقة الخضراء.
وفي مدينة البصرة بجنوب العراق، اندلعت اشتباكات بين الشرطة العراقية وعناصر من "سرايا السلام" عقب إعلان زعيم التيار مقتدى الصدر، اعتزاله السياسة نهائياً وإغلاق مؤسساته عدا تلك التي تقدم الخدمات الدينية والتراثية.
واعتذر الصدر في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، للشعب العراقي عن الاشتباكات التي تشهدها المنطقة الخضراء منذ الاثنين، داعياً أنصاره إلى الانسحاب من المنطقة الخضراء ومن أمام البرلمان وإنهاء الاعتصام المستمر منذ أسابيع.
وقال مقتدى الصدر في مؤتمر صحافي في النجف: "بغض النظر عمن بدأ الفتنة.. أقول الآن أمشي مطأطأ الرأس وأعتذر للشعب العراقي، المتضرر الوحيد مما يحدث"، مضيفاً أن "القاتل والمقتول في النار".
"سرايا السلام"
"سرايا السلام" هي وحدات عسكرية تأسست بدعوة من مقتدى الصدر، في يونيو 2014 بالتنسيق مع الحكومة العراقية لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية مما وصفها بـ"القوى الظلامية"، بعدما اجتاح تنظيم داعش شمال العراق وسيطر على أراض واسعة، فيما ساهم انهيار الجيش العراقي، في اتساع نفوذ الميليشيات في العراق لاحقاً حسبما ذكر "معهد كارنيجي للسلام".
ورغم دورها "الدفاعي" الذي حدده الصدر مبدئياً، إلا أن "سرايا السلام" لعبت دوراً في القتال ضد "داعش" في سامراء ومحافظة صلاح الدين وتكريت وشاركت في معركة استعادة الموصل.
و"سرايا السلام" هي إعادة إحياء لميليشيا "جيش المهدي" الذي أسسه الصدر في أواخر 2003 عقب الغزو الأميركي للعراق قبل أن يحله في 2008.
ورأت ورقة بحثية نشرتها جامعة "ستانفورد" الأميركية بشأن الميليشيات في العراق، أن تغيير تسمية "جيش المهدي"، إلى "سرايا السلام" يؤشر إلى أن الصدر أراد أن يباعد السرايا الجديدة عن سمعة "جيش المهدي" والتي تلوثت جراء النزاع الطائفي في العراق بين 2006 و2007.
"جيش المهدي"
بين عامي 2006 و2007، وجهت اتهامات لـ"جيش المهدي"، باستهداف العراقيين السنة، والتحريض على العنف الطائفي.
ورغم نفي الصدريين، وجود "فرق موت" تستهدف العراقيين السنة، فإن "جيش المهدي" أو على الأقل عناصر مارقة فيه، نشطت في العنف الطائفي في الفترة بين 2006 و2007، بحسب خريطة جامعة "ستانفورد" للميليشيات العراقية.
وزادت شعبية الصدر و"جيش المهدي" بين الشيعة بعد تفجير "المسجد الذهبي"، وهو أحد أهم المزارات الشيعية في العراق في 2007، وتلى التفجير موجة دموية من العنف الطائفي.
ورغم تلك الشعبية وزيادة عدد المجندين في "جيش المهدي" بشكل كبير، إلا أن سمعة جيش المهدي تلوثت حتى بين الشيعة، بعد سلسلة من المواجهات الدموية في عام 2007، وهو ما أجبر الصدر على إعادة توجيه المجموعة المسلحة.
لكن التحول في مسيرة "جيش المهدي" حدث في أغسطس 2008، حين دخل جيش المهدي في مواجهات عنيفة في كربلاء مع كتائب بدر الشيعية، والتي سقط فيها 50 شيعياً. وألقي باللوم على "جيش المهدي" في سقوط الضحايا.
وفي أعقاب تلك الحادثة، أمر الصدر جيش المهدي بإلقاء أسلحته، لكن بعضهم لم ينصع لأوامره وبدأوا في العمل بشكل مستقل عنه، وانقسم جيش المهدي إلى قسمين "جيش المهدي" وما يسمى بـ"الخلية السرية" أو "المجموعات الخاصة".
وألقى قادة عسكريون وزعماء سنة باللائمة على جيش المهدي في جانب كبير من أعمال العنف وسفك الدماء في الصراع الطائفي عامي 2006 و2007.
وفي نهاية 2007 وأوائل 2008، ذهب الصدر إلى منفاه الاختياري بمحافظة قم في إيران، حيث واصل دراساته الدينية وإدارة جيش المهدي عن بعد.
وبأوامر من الصدر استأنف "جيش المهدي" نشاطاته العسكرية وهو ما أدى إلى شن القوات الحكومية عملية عسكرية كبيرة ضده في محافظة البصرة، في 28 مارس 2008 شارك فيها نحو 30 ألف جندي عراقي.
وحصد القتال أرواح 600 مدني ومقاتل خلال يومين، ومع وصول القتال إلى طريق مسدود، وافق الصدر على اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية إيرانية في 31 مارس 2008، ومع نهاية القتال كانت خسائر "جيش المهدي" بلغت نحو 2000 ضحية.
وفي أغسطس من العام نفسه، أعلن الصدر تجميد جيش المهدي إلى أجل غير مسمى.
لكن مسؤولين أميركيين وعراقيين قالوا في يونيو 2011، إن فصيلاً صغيراً من "جيش المهدي" يسمى "لواء اليوم الموعود" نفذ هجمات على القوات الأميركية قبل إتمام انسحابها، حتى بعد أن علق الصدر نشاط معظم مقاتليه، حسبما ذكرت "رويترز" حينها.
وفي أبريل 2011، هدد الصدر بإحياء "جيش المهدي" إذا لم ترحل القوات العراقية بالكامل بحلول 31 ديسمبر 2011. ونجح الصدر في إخراج الآلاف من مؤيديه الشيعة إلى شوارع بغداد في استعراض للقوة.
تأسيس "سرايا السلام"
في 10 يونيو 2014، فرض مسلحو تنظيم "داعش" سيطرتهم على مدينة الموصل شمال العراق، بعد انهيار الجيش العراقي وانسحاب وحداته، فيما اعتبر بمثابة "تدهور أمني خطير" أصاب الوضع الأمني في العراق.
في 13 يونيو 2014، وبعد ثلاثة أيام من سقوط الموصل، أصدر عبد المهدي الكربلائي، ممثل المرجع الشيعي علي السيستاني، فتوى اعتبر فيها أن القتال ضد "داعش"، "جهادٌ في سبيل الله"، وناشد "المؤمنين" بالتطوع في القوات الأمنية بأعداد كافية.
وفي 14 يونيو 2014، دعا الصدر، إلى تشكيل وحدات أمنية بالتنسيق مع الحكومة العراقية تحت مسمى "سرايا السلام"، تعمل على حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية من "القوى الظلامية".
وجاء اقتراح الصدر كذلك، بعدما أعلن رئيس الوزراء العراقي حينها نوري المالكي، التعبئة العامة وتسليح كل من يرغب بالتطوع لمقاتلة الإرهاب إثر سقوط محافظة نينوى في أيدي "داعش"، حسبما ذكرت شبكة "سي إن إن".
وقال "معهد كارنيجي للسلام" إن فتوى السيستاني "أمّنت غطاءً لصعود الميليشيات فيما بعد"، "ما أدّى إلى انتشار ذهنية الدولة العسكرية وسيطرة الميليشيات على بغداد والمناطق المحيطة بها".
مهمة السرايا
حدد الصدر مهمة "سرايا السلام" في بيان موقعه الإلكتروني، بالقول: "مهمتنا هي الدفاع عن المقدسات فقط لا عن حزب أو جهة أو حكومة أو تيار أو تنظيم. سمة السرايا هي الدفاع ويمنع الهجوم منعاً باتاً".
وقال الصدر في بيان "لا أستطيع الوقوف مكتوف الأيدي واللسان أمام الخطر المتوقع على مقدساتنا وأعني بها المراقد والمساجد والحسينيات والكنائس ودور العبادة مطلقاً".
وأضاف "لذا فإني ومن معي على أتم الاستعداد للتنسيق مع بعض الجهات الحكومية لتشكيل (سرايا السلام) للدفاع عن المقدسات المذكورة آنفاً بشرط عدم انخراطها إلا مؤقتاً في السلك الأمني الرسمي وبمركزية منا لا بالتحاق عفوي يسبب الكثير من الإشكالات".
القتال ضد "داعش"
في 22 يونيو 2014 خرج الآلاف من مسلحي "سرايا السلام"في عرض عسكري بشوارع 12 محافظة عراقية، استجابة لدعوة الصدر.
وظهر أتباع التيار الصدري يحملون مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وسط تأكيدات بأن الاستعراض "لا يمثل مليشيا خاصة بعيداً عن الطائفية أو التطرف" حسبما ذكرت "سي إن إن".
لعبت "سرايا السلام" دوراً في محاربة داعش في سامراء بمحافظة صلاح الدين وتكريت وشاركت في هجوم لتحرير الموصل من قبضة "داعش".
وأشارت "خريطة الميليشيات في العراق" الصادرة عن جامعة "ستانفورد" الأميركية، إلى أن "سرايا السلام" عملت مع القوات الأمنية العراقية في القتال ضد "داعش"، واستطاعا استعادة منطقة "جرف الصخر" والتي تبعد 60 كيلومتراً عن بغداد، وأمنا سامراء وصلاح الدين ضد هجمات "داعش" في شتاء (2014 - 2015).
ولكن الورقة أشارت أيضاً إلى أن الصدر سحب قواته من خطوط القتال عقب ارتكاب ميليشيات شيعية عدة مذابح ضد المدنيين السنة في فبراير 2015. وقالت إنه لا يوجد دليل على أن "سرايا السلام" شاركت في القتل الطائفي.
توترات مع القوات الأميركية
ورغم أن عمل الصدر مع القوات الأمنية العراقية في القتال ضد "داعش"، كان يعني أن "سرايا السلام" عملت مع قوات التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، إلا أن التوترت مع القوات الأميركية ظلت قائمة.
ففي سبتمبر 2014، أمر الصدر "سرايا السلام" بالانسحاب مع الخطوط الأمامية إذا ظلت القوات الأميركية تتدخل في النزاع، لكن الولايات المتحدة تجاهلت تهديد الصدر، ولم تنسحب "سرايا السلام" من القتال في نهاية المطاف.
وفي مايو 2015 هدد الصدر بأن "سرايا السلام" ستهاجم القوات الأميركية إذا مرر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يسمح بتقديم دعم مباشر لقوات البيشمركة الكردية.
ومرر الكونجرس مشروع القانون ولم يهاجم الصدر القوات الأميركية، بحسب ورقة "ستانفورد".
"الميليشيات الوقحة"
في فبراير 2015، أي بعد أقل من عام على تأسيس السرايا، أعلن الصدر تجميد أنشطة ميليشيا "اليوم الموعود" و"سرايا السلام،" كـ"بادرة حسن نية"، عقب سلسلة من المذابح التي ارتكبتها ميليشيات شيعية ضد مدنيين سنة، وكذلك مصرع زعيم قبلي سني واختطاف نائب قريب منه، وهو ما تسبب في تعليق الوزراء والنواب السنة حضورهم في مجلسي الوزراء والنواب، حسبما ذكر "المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات".
ودعا الصدر، الأطراف السياسية، إلى "ضبط النفس وعدم الانسحاب من العملية السياسية في العراق".
واعتبر في بيان أن العراق يعاني من "ميليشيات وقحة"، داعياً إلى تسليم الجيش العراقي زمام الأمور، محذراً من زيادة نفوذ الميليشيات.
وأبدى الصدر استعداده التام لـ"التعاون مع الجهات المختصة للعمل على كشف المجرمين الذين قاموا بتلك الجريمة النكراء".
وقال الصدر حينها إن "إراقة الدم الشيعي لا يعني أن نعتدي على غيرنا بغير حق.. فالتشدد هو الذي أضعف الاعتدال.. فهلموا معاً الى أن نتحلّى بالاعتدال ونبذ العنف والتشدد".
ورغم تجميد عمل "السرايا" إلا أن الصدر أعاد نشر قواته مرة أخرى في 2015، لمعاونة القوات الحكومية في هجومهم لاستعادة مدينة تكريت من "داعش".
وفي مايو 2016، أعلن الصدر، استعداد "سرايا السلام" للمشاركة في هجوم لاستعادة مدينة الموصل من "داعش".
أهداف سياسية
أشارت خريطة جامعة "ستانفورد" للميليشيات في العراق، إلى أن "سرايا السلام" عند تأسيسها كان لها هدفان رئيسيان، وهما هزيمة داعش، واستقالة رئيس الوزراء نوري المالكي، وتحقق الهدف الثاني في صيف 2014، حين استقال المالكي ليخلفه حيدر العبادي الذي تعهد الصدر بدعمه.
وفي يناير 2016، دخل الصدر الحلبة السياسية مرة أخرى، ودعا رئيس الوزراء حيدر العبادي لإعادة تشكيل حكومته لتضم وزراء "تكنوقراط مؤهلين"، بدلاً من السياسيين، وطالبه باستيعاب الميليشيات الشيعية ومن بينها "سرايا السلام" في الجيش العراقي.
ومنح الصدر، العبادي مهلة 45 يوماً مهدداً باقتحام المنطقة الخضراء بعدها، وللتأكيد على تهديده، أقام مئات الآلاف من أنصار الصدر خيام اعتصام خارج المنطقة الخضراء، ولما لم يستجب العبادي، توجه الصدر بنفسه إلى بوابات المنطقة الخضراء معلناً استعداده لـ"التضحية بحياته" لتحقيق مطالب الشعب.
وظل الصدر في خيمة أمام المنطقة الخضراء لمدة 5 أيام، حتى أعلن العبادي إعادة تشكيل الحكومة، وهو ما أعقبه انسحاب المعتصمين.
دعوة إلى نزع السلاح
بعد الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021، أعلن الصدر في 29 من الشهر ذاته، غلق كل مقار "سرايا السلام"، باستثناء 5 مدن خلال 15 يوماً، حسبما ذكرت وكالة أنباء العراق "واع" حينها.
ونص البيان على عودة المسلحين كأفراد في التيار الصدري عدا محافظات النجف الأشرف وكربلاء المقدسة وصلاح الدين (سامراء) والعاصمة بغداد. وأضاف البيان أن "الصدر يمنع أي مقر أو حمل سلاح في غير هذه المحافظات بل وفي المحافظات المقدسة أيضاً (كربلاء والنجف) إلا بالتنسيق مع القوات الأمنية".
وفي 19 نوفمبر، أعلن الصدر، حلّ فصيل "لواء اليوم الموعود" المسلح الموالي له، وأمر بغلق مقراته.
وجاء في البيان الذي نشر في حسابه على تويتر: "عسى أن تكون هذه الخطوة بداية لحل الفصائل المسلحة، وتسليم أسلحتهم وغلق مقراتهم".
وحث الصدر على تطهير الفصائل شبه العسكرية في البلاد، ممن وصفهم بالأعضاء غير المنضبطين، كما حث الجماعات المسلحة غير الحكومية على تسليم أسلحتها.
وقال "يجب تصفية الحشد الشعبي من العناصر غير المنضبطة"، و"محاسبة المنتمين إليهم بشبهات فساد"، حال رغبوا في الانضمام لتشكيل الحكومة المقبلة.
وجاءت دعوة الصدر، بعد أن اتهم فصيلاً مدعوماً من إيران، بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بطائرة مسيرة فى السابع من نوفمبر الماضي.
إعادة تنظيم الحشد الشعبي
وفي يوليو 2022، دعا مقتدى الصدر، إلى "إعادة تنظيم الحشد الشعبي وإبعاده عن التدخلات الخارجية". وطالب بـ"الالتزام بإخراج الاحتلال"، مستبعداً "تشكيل حكومة قوية مع وجود سلاح منفلت" في العراق.
وقال في خطبة ألقاها محمود الجياشي، نيابة عنه خلال صلاة الجمعة في بغداد، إن العراق "في طريق صعب لتشكيل حكومة بمن لا نحسن الظن منهم.. إذا أرادوا تشكيل الحكومة عليهم الالتزام بإخراج الاحتلال".
وأضاف: "يجب إبعاد الحشد (الشعبي) عن التدخلات الخارجية وعدم الزج به في حروب داخلية وخارجية كما يجب إبعاد الحشد عن التجارة والسياسة".
اقرأ أيضاً: