خلال ولايته الوحيدة التي فشل في تجديدها بانتخابات 2020، كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يُظهر أكبر قدر من الاهتمام بالإحاطات الاستخباراتية، وتحديداً عندما تتمحور حول علاقاته الشخصية مع قادة العالم، والسلطات التي يمتلكها، وذلك وفق ما أظهرت تقارير استخباراتية وشهادات مسؤولين سابقين.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، الجمعة، لم يكن ترمب مهتماً ببرامج الأسلحة السرية، لكنه كان كثيراً ما يسأل عن شكل السفن البحرية، إلى جانب استفساره من مقدمي الإحاطات عن حجم وقوة الترسانة النووية الأميركية.
وكان الرئيس الأميركي السابق مُولعاً أيضاً بالقضاء على الأهداف ذات الأهمية الكبيرة، مثل العمليات التي أدت للقضاء على زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي شمال سوريا، وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة بطائرة مسيّرة قرب مطار بغداد.
لكن تفاصيل سياسات الأمن القومي كانت تُشعر ترمب بالملل، وفقاً للصحيفة.
قضايا مثيرة للاهتمام
وعلى عكس بعض أسلافه، لم يهتم ترمب بالتقارير الاستخباراتية المتعلقة بالأجسام الطائرة مجهولة الهوية، إلا أنه كان يطرح أسئلة عن اغتيال الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي (1917-1963).
كما أصبحت رغبته في معرفة المعلومات الحساسة المتعلقة بالتحقيقات الجنائية في صلب اهتمامه، إلى جانب تعامله مع مئات الوثائق السرية التي احتفظ بها في منزله بولاية فلوريدا بعد مغادرته منصبه.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن الموضوعات التي تغطيها المواد التي احتفظ بها ترمب في منزله لا تزال غير معروفة، وأن الأسئلة المتعلقة بأسباب احتفاظه بها ومقاومته إعادتها لا تزال دون إجابة.
ولم تُجرِ وكالات الاستخبارات الأميركية تقييماً كاملاً للمخاطر التي تُهدد الأمن القومي، لكنها تخطط للقيام بذلك بناء على طلب من المشرعين في "الكونجرس"، بمن فيهم الأعضاء الديمقراطيين والجمهوريين في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ.
لكن بالنظر إلى أكثر الأشياء التي أثارت اهتمام الرئيس الأميركي السابق أثناء الإحاطات الاستخباراتية، بناء على مقابلات أُجريت مع مسؤولين سابقين في إدارة ترمب وأشخاص شاركوا في تقديم تقارير استخباراتية إليه، يتضح أنه كان ينجذب إلى الموضوعات التي تحتوي على روايات واضحة، أو عناصر شخصية، أو مكونات بصرية.
وقدم المسؤولون آراءً مختلفة بشأن عدد المرات التي احتفظ فيها ترمب بوثائق وعدد هذه الوثائق، حيث قال بعضهم إن المواد كانت تُجمع مرة أخرى بعد انتهاء جلسات الإحاطة، بينما قال آخرون إنه كان دائماً ما يطلب الاحتفاظ بالمواد، وخاصة الصور أو الرسوم البيانية.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي السابق لترمب جون بولتون، إن "مقدمي الإحاطات الاستخباراتية حاولوا إيجاد طريقة لفهم ما يفكر به، وكانوا يُحضرون صورة، على غرار رسم بياني أو شيء من هذا القبيل، ويسلمونها إليه عبر مكتب ريزولوت".
وأضاف بولتون: "في بعض الأحيان كان (ترمب) يقول: مهلاً، هذا مثير للاهتمام، هل يُمكنني الاحتفاظ به؟".
رؤساء يكرههم ترمب
لكن ثمة اتفاق واسع النطاق على أنواع المعلومات السرية التي كان يهتم بها ترمب والأخرى التي كانت تُصيبه بالملل.
وقال بولتون إنه ذات مرة كافح من أجل جذب انتباهه لتقديم إحاطة أثناء مباراة في كأس العالم لكرة القدم.
وذكر مسؤوون سابقون أن الرئيس الأميركي الـ45 أدرك أن الآراء التي قدمها مجتمع الاستخبارات بشأن قادة العالم كانت قيمة مع نهاية فترة حكمه، حيث كان يقرأ الإحاطات الاستخباراتية بشأن نظرائه الأجانب قبل وبعد مكالماته معهم بسرعة وشغف.
وكان ترمب حريصاً على تعميق علاقاته مع الحكام المستبدين مثل الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون، والصيني شي جين بينج.
كما كان حريصاً أيضاً على أن يكون لديه نفوذ على الحلفاء الذين يكرههم بشكل شخصي، مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، بحسب "نيويورك تايمز".
وتضمنت المواد التي استردّتها الحكومة من منتجع "مارالاجو" حيث يقع مقر إقامة ترمب في ولاية فلوريدا، وثيقة مدرجة بوصفها تحتوي على معلومات عن ماكرون، فقد كان ترمب مُولعاً بالمعلومات الواردة في الإحاطات الاستخباراتية بشأن ردود الأفعال حول اجتماعاته مع قادة العالم.
وقالت الصحيفة إن اهتمام ترمب بالاحتفاظ بالوثائق كان يُثير قلق الأشخاص الذين كانوا يقدمون الإحاطات له في بعض الأحيان، مُشيرةً إلى أن بعض هؤلاء الأشخاص كانوا على دراية بولعه بالحديث عن المعلومات السرية، ولذلك ترددوا في إطلاعه على كل شيء.
وأوضحت الصحيفة أن الرئيس الأميركي السابق كان يحصل على إحاطتين استخبارايتين أسبوعياً أثناء ولايته، لكن كانت هناك طرق لا تحصى لحصوله على المعلومات السرية، مثل الجلسات التحضيرية السابقة للاجتماعات أو المكالمات مع قادة العالم، والمناقشات في غرفة العمليات، وتقارير قادة البنتاجون عن الضربات، وزيارات مستشار الأمن القومي غير الرسمية إلى المكتب البيضاوي.
"الحرب مع إيران"
وبحسب التقارير الاستخباراتية والمعلومات التي كشف عنها مسؤولون سابقون، كان ترمب في بعض الأحيان يطلب من موظفي مجلس الأمن القومي إحضار وثائق سرية له، وكان عادة لا يُحب الذهاب إلى غرفة العمليات أو حتى المكتب البيضاوي للحصول على الإحاطات الخاصة.
وأضافت الصحيفة أن مسؤولوي "البنتاجون" قدموا إحاطتهم إلى ترمب بشأن العمليات الخاصة التي أُجريت لقتل البغدادي في الغرفة البيضاوية الصفراء، والتي تقع بمقر الإقامة في البيت الأبيض وتطل على نصب واشنطن.
وقال بعض المسؤولين إن ترمب كان أحياناً يأخذ وثيقة من الإحاطات السرية أو يطلب وثيقة من موظفي مجلس الأمن القومي.
وكان ترمب دائماً ما يُبدي اهتماماً كبيراً بالإحاطات العسكرية والاستخباراتية المتعلقة بإيران، وكان يسأل مسؤلي الدفاع عن خططهم الطارئة في حالة وقوع حرب مع طهران، والعمليات السرية التي تُجرى لمواجهتها في الشرق الأوسط.
إلا أن اهتمام ترمب كان يصيب مسؤولي الاستخبارات بالقلق، كما حدث عندما نشر على حسابه بـ"تويتر" صورة لموقع إطلاق صواريخ إيرانية مأخوذة من إحاطة استخبارية.
وفي غضون أيام، استخدم الأكاديميون والخبراء من خارج الإدارة الصورة لتحديد القمر الصناعي الذي التقطتها وتقييم قدرات كاميراته.
وذكرت "نيويورك تايمز" أن الرؤساء السابقين للولايات المتحدة نادراً ما كانوا يحتفظون بالإحاطات الاستخباراتية التي كانت تُقدم إليهم.
ونقلت الصحيفة عن النائب الأسبق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، مايكل موريل قوله إن الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش لم يُطلب منه الاحتفاظ بأي شيء سوى قائمة المسؤولين عن أحداث 11 سبتمبر.
وأضاف موريل أن بوش كان حريصاً بشأن تخزين المواد السرية، وأنه لم يُخرج القائمة من المكتب البيضاوي أبداً.
اقرأ أيضاً: