كيف تحول التعليم الجامعي إلى مادة صراع سياسي في أميركا؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
وزير العدل الأميركي ميريك جارلاند يحضر حفل تخرج طلاب عامي 2020 و2021 من "جامعة هارفارد" - 29 مايو 2022 - REUTERS
وزير العدل الأميركي ميريك جارلاند يحضر حفل تخرج طلاب عامي 2020 و2021 من "جامعة هارفارد" - 29 مايو 2022 - REUTERS
واشنطن-رشا جدة

منذ اللحظات الأولى لإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن إعفاء جزئي للطلاب من ديون القروض الجامعية، تحول الأمر إلى معركة سياسية بين المؤيدين للقرار والرافضين له.

في 24 أغسطس الماضي، أعلن بايدن، تطبيق إعفاء جزئي للقروض الطلابية، وهو الوعد الذي قطعه خلال حملة ترشحه للرئاسة، ويقضي القرار بمحو 10 آلاف دولار من ديون الأشخاص الذين لم يستفيدوا من منحة فيدرالية لدفع التكاليف المتعلقة بدراستهم الجامعية، و20 ألفاً لمن حصلوا على دعم حكومي ويعانون وضعاً مالياً حرجاً، باعتبارهم الفئة الأكثر احتياجاً. 

في الوقت ذاته، مدد بايدن العمل بالقرار الصادر في مارس 2020، بوقف تحصيل أقساط القروض الطلابية مؤقتاً، وذلك للمرة الأخيرة، حتى 31 ديسمبر من هذا العام، على أن يتم استئناف السداد في يناير 2023.

ويستفيد من هذا القرار الأشخاص الذين يتقاضون أقل من 125 ألف دولار سنوياً، وأرباب الأسر التي تتقاضى أقل من 250 ألف دولار سنوياً.

الرئيس الأميركي اعتبر أن قراره يمنح فرصة للأميركيين لـ"الزحف خارج هذا الجبل من الديون"، على حد قوله، فيما يسعى الديمقراطيون لتحويل الاعفاء من قروض الطلاب إلى أحد ملفات الدعاية الرئيسية، في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس والمقررة في 8 نوفمبر، لكن الكثيرين يرون أنها قضية "لا تهم سوى 20% من الأميركيين البالغين".

"عقاب غير عادل"

هناك أكثر من 45 مليون مواطن أميركي مدين بقرض طلابي أخذه لتغطية نفقات الدراسة الجامعية، ويصل إجمالي ديون هؤلاء، بحسب "هيئة قروض الطلاب الفيدرالية" إلى أكثر من 1.7 تريليون دولار. 

ومع ذلك، يرى المعارضون أن الإعفاء من الديون الطلابية غير عادل، وهو ما عبرت عنه زعيمة اللجنة الوطنية في الحزب الجمهوري، رونا مكدانييل، عقب صدور القرار المذكور، إذ أشارت في بيان إلى أن "هذا الإجراء يعاقب بشكل غير عادل الأميركيين الذين ادخروا للدراسة الجامعية أو اتخذوا خياراً مهنياً آخر".

العقاب الذي تحدثت عن مكدانييل، في بيانها يوضحه في حديث لـ"الشرق" عضو الحزب الجمهوري والباحث في العلاقات الدولية، ماك شرقاوي، قائلاً إن قرار بايدن سيفيد "بلا داعٍ" فئة متميزة نسبياً من الناس، وهم خريجي الجامعات.

وتابع: "فيما يوجد أكثر من 40 مليون أميركي لديهم على الأقل بعض الديون من القروض الطلابية، يمثل هذا العدد حوالي ثُمن سكان الولايات المتحدة فقط"، موضحاً أن الغالبية العظمى من الأميركيين "ليس لديهم قروض طلابية، أو سددوها بالفعل، أو لم يذهبوا إلى الكلية مطلقاً".

ويرى شرقاوي، أن غير المستفيدين من القرار سيدفعون لتسديد تكلفته، إذ "يطلب منهم اليوم تحمل قيمة الإعفاء التي أقرها بايدن من خلال زيادة قيمة الضرائب التي يقومون بتسديدها لصالح فئات أخرى".

شرقاوي، قلل من قيمة القرار حتى بالنسبة للمستفيدين منه، قائلاً إن الإعفاء من ديون قروض الطلاب أو إلغائها "لا يفعل شيئاً حقيقياً لمعالجة التكلفة الإجمالية العالية للتعليم الجامعي اليوم، كل ما في الأمر أن بايدن يتشبث بذلك الملف من أجل الانتخابات القادمة التي سيخسرونها (الديمقراطيين) حتماً".

من أجل الطبقة الفقيرة

خلال العقود الثلاثة الماضي، ارتفعت تكلفة التعليم في الكليات العامة من 4160 دولاراً إلى 10740 دولاراً، ومن 19360 دولاراً إلى نحو 38 ألف دولار، في الكليات الخاصة غير الربحية في الفصل الدراسي الواحد.

ومع ارتفاع التكاليف، زادت الحاجة إلى قروض الطلاب وغيرها من أشكال المساعدة المالية ذات خطط السداد طويلة المدى والفوائد المرتفعة.

وبينما تتنوع أنواع المنح والتمويلات التي يمكن أن يحصل عليها الطلاب الأميركيون والمقيمون، تشكل قروض الطلاب الفيدرالية نحو 92% من ديون التعليم الأميركية. 

وتقول سارة ساتيلماير، مديرة مشروع التعليم والفرص والتنقل في مؤسسة "نيو أميركا"، التابعة للحزب الديمقراطي، إن إدارة بايدن تتوقع أن 95% من المقترضين الفيدراليين لقروض الطلاب سيستفيدون من قرار الإعفاء الجزئي، وأن ما يقرب من نصفهم قد يتم شطب ديونهم بالكامل.

وفي تصريحات لـ "الشرق" قالت ساتيلماير إن قرار الإعفاء "مصيري وفارق جداً" بالنسبة للمقترضين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط.

وأوضحت أن "المقترضين الذين حصلوا على منحة (Pell Grant)، المخصصة للطلاب ذوي الدخل المنخفض والمتوسط،​​ سيحصلون على ما يصل إلى 20 ألف دولار، وسيتلقى أولئك الذين لم يحصلوا على المنحة باعتبارهم من أسرة ذات دخل مرتفع، ما يصل إلى 10 آلاف دولار، بشرط أن يكون دخلهم الحالي أقل من 125 ألف دولار فقط أو 250 ألفاً كدخل أسرة، ولن يستفيد من هذا الإجراء أي فرد مرتفع الدخل أو أسرة عالية الدخل".

فرصة جديدة

يستغرق سداد قروض الطلاب من 5 إلى 20 عاماً أو أكثر، وفقاً لمبلغ القرض ومعدل الفائدة والأقساط الشهرية.

وتحصل النساء والطلاب ذوي الأصول الإفريقية، على قروض فيدرالية بمبالغ أعلى في المتوسط ​​من الذكور والبيض على التوالي.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدم المساواة في الدخل بين الجنسين، تؤثر على قدرة المقترضين على السداد، وبالتالي، قد يكون إلغاء ديون الطلاب مفيداً بشكل خاص للمقترضين ذوي الدخل المنخفض، وخاصة النساء والأشخاص من أصحاب البشرة الملونة، بحسب سارة ساتيلماير.

وتشير مديرة مشروع التعليم والفرص والتنقل، إلى ورقة أكاديمية نشرتها "جامعة أريزونا" عام 2020، ترجح أن متوسط ​​الثروة للأسر ذات الأصول الإفريقية، بشكل عام، وليس فقط المقترضين، سيرتفع فوراً بنسبة 42% حال إعفاء الطلاب من 75000 دولار من ديونهم، وحوالي 34% مع إعفاء بقيمة 50000 دولار".

وأكدت أن قرار بايدن بمثابة "فرصة جديدة" لأبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة لإعادة تشكيل حياتهم.

من الجامعة وحتى الأمومة

جانيت دويك، سيدة أميركية، في أواخر الثلاثينات من عمرها، وأم لـ4 أطفال، تخرجت من الجامعة عام 2007، ومازالت تسدد هي وزوجها قرض الدراسة حتى اليوم.

تحكي جانيت لـ"الشرق"، أنها تخرجت من كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية منذ 15 عاماً، ولا زالت هي وزوجها يسددان مديونية قروض التعليم بالفوائد "والتي تصل إلى 1000 دولار شهرياً، رغم أن لدينا 4 أطفال الآن".

وتضيف جانيت: "ما ننفقه من أموال لتسديد القروض يؤثر قطعاً علينا، لأننا أيضاً نسدد قرض السيارة الخاصة بنا، وبالتالي نستقطع من أموال معيشتنا الخاصة بالطعام والملابس حتى نستطيع تسديد الدين".

العبء المادي الذي يسببه تسديد قرض الجامعة، منع جانيت من شراء بيت، وهو الركن الأساسي لحلم الأسر الأميركية.

تقول جانيت: "أنا متزوجة منذ 15 عاماً، ولدي 4 أطفال، ومازلت أعيش في شقة إيجار بغرفتين فقط".

ومضت: "مع قرض الجامعة لا أستطيع امتلاك بيت أو حتى ادخار أموال للتقاعد أو للتعليم الجامعي لأطفالي، من الجيد طبعاً الإعفاء الجزئي للقرض، لكن كنت أتمنى أن يتم إلغاء كامل للقروض الجامعية، وأتمنى ذلك لأطفالي أيضاً".

وتؤكد جانيت، أنه من الضروري الاهتمام أكثر بمسألة قروض الجامعة، لأنها تضغط على الشخص قبل بدء حياته العملية".

وتتابع مضيفة: "إذا قرر أي حزب استخدام تلك الورقة لجذب الناخبين في انتخابات الكونجرس أو حتى انتخابات الرئاسة فلا بد أن يفكر في الإلغاء الكامل".

"الحلم الأميركي"

جزء أساسي من "الحلم الأميركي" هو الأسرة الكبيرة التي تمتلك بيتاً وسيارة، لكن أعباء قروض الطلاب غيرت من هذا السيناريو. ووجدت دراسة أجراها معهد "Jain Family Institute"، المهتم بدراسات الاقتصاد والتاريخ والسياسة والفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ، أن ارتفاع ديون الطلاب أصبح "عقبة رئيسية" أمام شراء منزل، خاصة بين المقترضين الشباب ذوي الدخل المرتفع نسبياً.

وبشكل عام، انخفض معدل ملكية المنازل بين الطلاب المقترضين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً بنسبة 24%، وشهد الأشخاص الذين يعيشون في المجتمعات ذات الأصول الإفريقية والآسيوية انخفاضاً أكبر.

ولا يتوقف الأمر عند امتلاك منزل لمعرفة تأثير القروض، إذ توصل استطلاع رأي أجرته شبكة "CNBC" المهتمة بأخبار الأعمال والسوق المالية، إلى أن 42% من المدينين بقروض الطلاب، تأخروا في سداد القروض الأخرى. 

كما وجد أن 40% تأخروا في استثمار الأموال، و38% تأخروا في الادخار للتقاعد، و35% تأخروا في السفر، 33% تأخروا في شراء منزل، و16% تأخروا في إنجاب طفل، و14% تأخروا في الزواج و12% تأخروا في العثور على عمل.

عبء مادي ونفسي

تؤكد سارة ساتيلمير، أن إلغاء القروض قضية بالغة الأهمية، لأن ديون الطلاب "لا تخلق عبئاً مالياً فحسب، بل يمكنها أيضاً أن تسبب عبئاً نفسياً على المقترضين، خاصة بالنسبة لأولئك الذين لديهم أرصدة ديون متزايدة، وهو ما رأته إدارة بايدن حين فكرت في قرار الإعفاء". 

وقالت لـ"الشرق" إن إلغاء القروض "قد يؤدي إلى تحرير البعض، ومنحهم الفرصة لاتخاذ خيارات وظيفية مختلفة، وعلاج السلبيات التي تسببها القروض مثل ضعف التقدير الائتماني، وانخفاض الاستهلاك والاستثمار، واتساع فجوة الدخل والثروة".

وتشير، إلى أن الآثار الإيجابية للإلغاء "ستتضاعف عبر خطة السداد الجديدة المرتبطة بمستوى الدخل والتي أعلنتها إدارة بايدن أيضاً، والتي ستقضي على نمو الدين للعديد من المقترضين، كجزء من حزمة أكبر من الإصلاحات".

كما ستمنح خطة الإعفاء الناس "فرصة اتخاذ قرارات من شأنها أن تفيد الاقتصاد الأوسع، مثل شراء منزل وإنجاب الأطفال وبدء الأعمال التجارية والاستثمار" بحسب ساتيلمير.

"ضرر اقتصادي"

في المقابل، يؤكد الجمهوري ماك شرقاوي، أن قرار الإعفاء "سيضر بالاقتصاد بشكل أكبر"، موضحاً: "أتفهم جيداً أن الإعفاء سيقلل العبء على أصحاب القروض، لكنه سيزيد من معدلات التضخم من ناحية أخرى بصورة أكبر، في وقت لا يزال التضخم بالقرب من أعلى معدل له منذ 40 عاماً، بالتزامن مع تحرك الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة بقوة، على أمل إعادة الأسعار تحت السيطرة من دون جدوى".

وفسر شرقاوي لـ"الشرق" ذلك بالقول: "محو 10 آلاف دولار من ديون 43 مليون مقترض موجود في البلاد سيكلف موارد الدولة ما يقدر بنحو 373 مليار دولار، وهو ما يزيد من العبء الاقتصادي للدولة".

ويوضح "كان من الأجدى أن يقوم بايدن بإعادة جدولة الديون على مدى أطول أو خفض فوائد القروض الجامعية التي تصل في بعض الأحيان إلى 18%، بدلاً من القرارات غير المدروسة التي تؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي، لكنه يفعل ذلك سريعاً بسبب الانتخابات القادمة" على حد قوله.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات